الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعامل مع من يدمر الأسر بالأكاذيب والافتراءات

السؤال

أنا رجلٌ مسلم أعيش حالة إحباط كبيرة، اتصلت بي امرأة وقالت لي أن زوجتي لها علاقة غرامية مع زوجها، تملكني الشعور بالخيانة، فدققت الأمر جيداً، وفهمت أن الرجل المزعوم كان يشتغل مع زوجتي وغيّر مقر عمله منذ عشر سنوات، كان يزعم أنه على علاقة مع زوجتي لافتزاز زوجته، وكانت له العديد من العلاقات المشبوهة، كان يقول لزوجته أن زوجتي تحبه ومستعدة لأي شيء حتى التخلي عن عائلتها للعيش معه، تكونت لدى زوجته عقدة ولم يكن يتوقع أن زوجته في يوم من الأيام ستقرر الاتصال بي لتوضيح الموقف.

لقد تزوجت منذ (11) سنة بعد علاقة حب كبيرة، ثم إن زوجتي تقية وعفوية لا يصدق أي واحد يعرفها هدا الكلام، لي طفلان، وهي تسخر كل وقتها وجهدها لتربيتهم، تأكدت من عدم صحة هذا الكلام بعد أن طلبت من زوجتي الاتصال بهذا الشخص لتطلب توضيح هذا الأمر، وكنت في استماع للمكالمة التليفونية التي حدثت بينهما دون أن يشعر، طلب منها العفو عما صدر منه، ورغم دلك طلبت من زوجتي أن تحلف على كتاب الله، وأكدت لها أن حياتنا معاً حرام إن كذبت ففعلت، ومنذ أن سمعت بالأمر أصابها انهيار كامل، مما تسبب لها في مرض نفسي أفقدها أكثر من 20 كيلو من الوزن واضطرابات نفسية أجبرتها على تناول مهدئات بالاستعانة بطبيب مختص، لم تهدأ حالتي، ففكرت في الانتقام جسدياً من هذا الشخص الذي بث البلبلة في أسرتي.
هل يحق لي آن آخذ حقي بيدي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل المهندس / بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يصرف عنك وعن أهلك السوء والفحشاء، وأن يستركم في الدنيا والآخرة، وأن يعافيكم من كل مكروه وسوء.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه لمن المؤلم حقاً أن يفتري إنسان الكذب على شخص بريء، وأن يهدف إلى تدمير أسرة مستقرة، وأن يلطخ سمعة وكرامة أخيه المسلم ظلماً وعدواناً، وأن يرميه بما هو منه بريء، فهذا تصرف حقير تأباه كل نفس كريمة تقدر عواقب الأمور، وتعلم أن هذا من عظائم وكبائر الذنوب، حيث قال سبحانه: ((وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ))[النور:15] وكما قال أيضاً: ((فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا))[النساء:112]، فهذا نوع من القذف المحرم الذي يفسق فاعله ويسقط شهادته، ويستحق بسببه عقوبة الجلد كما ورد في سورة النور.

كان الله في عونك وعون أهلك أخي المهندس بدر، وأعانكم الله على تخطي هذه المحنة وتجاوزها في أقرب فرصة؛ لأنه قد يهون على الإنسان أن يموت عزيز لديه، أما أن يُرمى في عرضه وشرفه فهذا من أشقى الأمور على النفس، ولقد مرت مثل هذه الحالة بحبيبك صلى الله عليه وسلم؛ حيث رمى رأس النفاق سيدة النساء الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمثل ما رُميت به زوجتك، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الكرب والهم ما لا يعلمه إلا الله، حتى دفع بالسيدة عائشة إلى منزل والدها وظل الأمر كذلك حتى نزلت براءتها من السماء، كما أثبت الله براءة أهلك من فضله ورحمته، وأعتقد أن هذه البراءة التي أكرم الله أهلك بها منحة عظيمة من الله وفضل، وأما من رماها بهذه التهمة زوراً وبهتاناً فأرى أن تدعه لعقاب الله وبطشه، وأنت مهما صنعت فلم ولن تكن أقوى من الله وبطشه وعقابه، فدعها للجبار ينتقم منها بعدله وينزل بها ما يستحق من العقاب، ولا تعرض نفسك لها حتى لا تلوث شرفك وكرامتك، وحتى لا تفتري عليك الكذب كما افترت على أهلك، وكفاك أن الله قد أثبت لك براءة أهلك، وأنك تأكدت من طُهرها وعفافها وشرفها، ودع المظالم لعدل الله وعقابه، واعلم أنه جل جلاله قال: ((إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ))[البروج:12] وقال: ((فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ))[الفجر:25-26] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

فأرى أن تترك الأمر لله وحده، وثق أن ما توعدها به الله أشد وأنكر مما ستصنع أنت أو يصنع أهل الأرض جميعاً، وحاول مساعدة زوجتك على تجاوز هذه المحنة، وقف معها، وبشرها بأنها قد سبقها في هذا الدرب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فليست هي أول امرأة شريفة فاضلة يفتري عليها الكذب بعض مرضى النفوس الذين لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة.

واسمح لي أن أقول لك أن هناك درجة أعلى وأعظم وأسمى من هذا الذي ذكرته لك، ألا وهي درجة العفو، فهل لديك استعداد أنت وأهلك أن تكون من العافين عن الناس الذين يكون أجرهم على الله وحده كما قال سبحانه: ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ))[الشورى:40]، وقال: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ))[النور:22]، فكر أنت وأهلك في هذا الأمر؛ لأن منزلة العافين عن الناس من أهل منازل أهل الجنة.

مع دعواتنا لكم بتجاوز هذه المحنة، وأن يشرح الله صدوركم للمنزلة الأعلى والأسمى ألا وهي العفو، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً