الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما أسباب الرهاب وعلاجه؟

السؤال

السلام عليكم ..

أنا متزوجة ولدي ولد والحمد لله، وأعيش في الغربة، ومشكلتي هي أنني أخاف كثيراً ولا أستطيع أن أخرج إلى أي مكان بمفردي - لابد أن يكون معي أحد -، ولا أستطيع أن أصعد المصعد بمفردي لأني أخاف وأشعر بالدوار، ولا أستطيع أن أنظر إلى أي شيء من أفلام الكارتون، وإذا رأيت شيئاً مخيفاً فلا أستطيع أن أنظر لأنني أخاف جداً، فماذا أفعل؟

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ HH حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فهذا نوع من المخاوف معروف جدّاً، وهو مخاوف أن يظل الإنسان بمفرده، وكذلك الخوف من الأماكن المغلقة، وفي بعض الحالات هذا النوع من المخاوف يكون مرتبطاً بما يعرف بمخاوف الساحة أو الأماكن المفتوحة أو الأسواق أو حتى التجمعات.

والمخاوف هي مسلك مكتسب، بمعنى أنها متعلمة، ربما تمر على الإنسان بعض المواقف النفسية البسيطة التي لا يتدارك حجمها في تلك اللحظة ثم تظل ثابتة في كيانه ووجدانه وتولد مثل هذه المخاوف.

والمبدأ العام – المبدأ السلوكي والعلمي – لعلاج المخاوف هو مواجهتها وعدم تجنبها - وربما يقول سائل أن ذلك سهل من الناحية النظرية ولكنه صعب من الناحية التطبيقية -، أرجو أن تؤمني وتأخذي مني وتصدقيني أن حتى التطبيق ليس صعباً إذا كان الإنسان جادّاً ويريد أن يتغير بالفعل.

إذن؛ العلاج هو المواجهة والمواجهة الصارمة جدّاً مع النفس، وأرجو أن تقتنعي أن الشعور بالدوار أو القلق أو أن شيء سيء سوف يحصل هذا ليس حقيقيّاً أبداً.

يخاف أصحاب المخاوف من التهلكة، ويخافون من أنهم ربما يفشلون أمام الآخرين أو يفقدون دورهم الاجتماعي، أو تضمحل وتضعف شخصياتهم أمام الآخرين أو..... هذا ليس صحيحاً مطلقاً، نعم هو قلق مرتفع ويؤدي إلى هذه المخاوف.

والمواجهة يجب أن تكون أولاً في الخيال، هذا يسهل كثيراً، بمعنى: اجلسي يوميّاً لمدة نصف ساعة وأنت مسترخية وفي مكان مريح، ويكون الهدف من هذه الجلسة هو العلاج السلوكي في الخيال، تخيلي المصعد وأنت بداخله - حتى المصعد المكشوف -، وتصوري أنه قد ارتفع بك إلى الدور العشرين أو الثلاثين وأنت تنظرين للأرض، تصوري ذلك بإمعان وتمعن، وإذا كنت مجيدة لهذا التعرض في الخيال فسوف تحسين بقلق وربما تسارع في ضربات القلب، هذه قيمة علاجية كبيرة، وحين يحدث لك هذا التغير – وأتمنى أن يحدث – استمري في التأمل لفترة أطول، هذا يدعم بالطبع التعرض في الخيال.

وهذه التمارين يجب أن تكرر بصفة يومية، ويحبذ مرتين في اليوم.

وأيضاً هناك تمرين آخر وهو: أن تتصوري أنك لوحدك في مكان وأنت الشخص المنقذ الوحيد لأناس أغلق عليهم بوابة وفشلوا في الخروج، تصوري أنك أنت الوحيدة وسوف تنقذيهم..، وهكذا خيالات مشابهة.

تصوري أنك اضطررت للذهاب لأحد المحلات التجارية ليلاً لإحضار شيء لطفلك، عيشي هذه الخيالات بقوة، وحين تعيشينها تأملي في الناس الآخرين الذين يذهبون لوحدهم دون رفيق، الذين يعيشون لوحدهم، الذين يسافرون مسافات طويلة، الذين يركبون المصاعد، تصوري هؤلاء العمال وهم ينظفون زجاجات العمارات الشاهقة من الخارج ويكون الواحد منهم ماسكاً أو معلقاً بشيء بسيط جدّاً..، تصوري هذه المواقف.

فالعيش في هذا التأمل جيد وله قيمته العلاجية، ثم يأتي بعد ذلك التطبيق، أرجو أن تذهبي لأي مكان فيه مصعد وادخليه، وحين تدخليه خذي نفساً عميقاً واملئي صدرك وقولي مع نفسك: لماذا أخاف والآخرين يقومون بذلك، اصعدي للطابق الأول ثم انزلي، كرري ذلك عدة مرات، بعد ذلك اصعدي للطابق الثاني واذهبي وانظري من البلكون إلى الأرض، كرري هذا الموقف، ثم بعد ذلك الطابق الثالث... وهكذا.

بالتأكيد الاستمرارية مهمة جدّاً، فالأبحاث تدل على أن من يقوم بهذه التمارين لمدة 12 إلى 15 يوماً متواصلة سوف يتخلص من عقدة المواقف بصفة تامة.

هذه هي التمارين المطلوبة وتتطلب منك الجدية والنتائج مضمونة جدّاً إن شاء الله.

وحتى يتم تدعيم هذا العلاج السلوكي ولإزالة القلق والتوتر والمخاوف المصاحبة ننصح باستعمال بعض الأدوية، فهنالك أدوية فعّالة وجيدة جدّاً، هنالك دواء يعرف باسم (باكسيل Paxil)، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة 10 مليجرامات ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى 20 مليجراماً، واستمري عليها لمدة أسبوعين آخرين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة ونصف – 30 مليجراماً –، علماً بأنه يوجد في كندا نوع الباكسيل الحبة الوحدة فيها 30 مليجراماً، فيمكنك تناول هذه الحبة أو الحبة ونصف من فئة الـ 20 مليجراماً، استمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة بمعدل نصف حبة كل أسبوعين، ثم توقفي عن العلاج.

وعليك أيضاً ممارسة تمارين الاسترخاء، وعليك بممارسة أي نوع من التمارين الرياضية، وعليك أن تفكري إيجابيّاً، وقطعاً أنت في هذه البلاد أكثر حاجة للتمسك بدينك فهذا يطمئنك كثيراً.

أنت – الحمد لله – لديك أسرة وزوج، وأنعم الله عليك بالذرية، هذه كلها أشياء عظيمة وتساعد الإنسان بصورة إيجابية جدّاً.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والشفاء.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً