الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الازدواجية في الشخصية

السؤال

السلام عليكم
إخواني الأعزاء: أتمنى من الله أن أجد التحليل الرصين والمساعدة والنصيحة في هدا المنتدى الكريم، أما بعد:

أنا شاب مغربي بعمر 24 سنة، وأعمل في مركز جيد بالقطاع العام في المغرب، ابتدأت مشاكلي النفسية منذ نعومة أضفاري، حيث عانيت أول الأمر من الخوف اللا عادي، من أي شيء قبل أن أدخل المدرسة، وكان هذا السبب المباشر لعدم دخولي المدرسة حتى سن 9 سنوات، استمرت المشكلة حتى بداية المراهقة، حيث أصبت بحالة غريبة وهي عبارة عن نوبات من الهلع وضيق في الصدر وبكاء بدون سبب، أحلت على إثرها إلى طبيب نفسي.

استطعت بفضل الله ثم مع العلاج تخطي الأزمة، لكن ما هي إلا شهور قليلة حتى أصبت بوسواس قهري حاد (وسواس عن الله والدين والجنس والحياة) استمر الوسواس واستمريت بأخد الدواء (Anafranil) حتى سن 22، كنت إنساناً خجولا قليل الأصدقاء ضعيف البنية، كثير العلل، لكنني متفوق في دراستي بشكل رائع، مثقف وكثير الاطلاع.

استمر الوسواس حتى حصلت على الدبلوم، لكن في فترة ما بعد الدبلوم أصبت باضطرابات هضمية حادة ألزمتني تغيير العلاج النفسي، لكن لفترة محددة فقط، حيث شهدت بداية عام 2005 نكسة كبرى في حياتي، حينما فارقت مدينتي ومنزلي لأول مرة، حيث لم يمر أسبوع على توجهي إلى المكان الذي أعمل فيه حتى أصبت بأقوى وأكبر أزمة في حياتي امتدت 9 شهور ابتدأت بضيق حاد في الصدر، فقدان النوم وشهية الأكل تماماً، التفكير الجدي، بل وحتى بدء خطة عملية للانتحار، اضطرابات قلبية حادة أيضاً.

أخدت دوائي Deroxat and xanan لمدة شهر لتتطور المسألة إلى ذهان، حيث بدأت تراودني أفكار غريبة حمقاء، لكني كنت واع بأنها أفكار مرضية، ولم أقل يوماً كلمة عن هذه الأفكار والمشاعر إلا للطبيب الذي وصف لي مضاداً للذهان Solianلكن كثرة اطلاعي وبحثي في الأمراض النفسية جعلني أشخص خطأ حالتي على أنها سكزوفرينيا، الشيء الذي جعلني أنطوي على نفسي وأقطع صلتي بكل الناس، معتقدا أنها نهايتي كشخص، لكن مع مرور الوقت والمداومة على العلاج ومساندة الأسرة التي التحقت بي إلى مدينة عملي تحسنت حالتي النفسية، وذهبت الوساوس والأفكار، وأصبحت إنساناً عاديا، كانت مرحلة قاسية ومؤلمة في حياتي، وتعرضي لما لم أتحمله جعلني أفقد عقلي.

الآن تحسنت حالتي وعدت إلى حياتي العملية بقوة أكبر وبعزيمة كبرى، ولم أتوقف عن العمل خلال هذه المرحلة الصعبة من حياتي، لكن أكتشف يومياً بفعل منصبي أني أعاني من خلل في الشخصية يجب أن أتغلب عليه، ويتمثل في:

- ضعف الشخصية، الجبن وعدم القدرة على اتخاد القرارات والدفاع عن الرأي.

-الإصابة باضطرابات هضمية، وألم عضلات، ورجفات ونوبات خوف عند تعرضي لأي مشكلة.

- الازدواحية في الشخصية، فأنا إنسان مرح ونشيط وذو رأي وفكر مع الأصدقاء، وأنا في نفس الوقت صامت انطوائي بدون علاقات في مكان العمل.

- أعاني من كثرة السهو والتفكير بصوت عال في مشاكلي اليومية.

- تعاودني الوساوس بين حين وآخر، لكنها تختفي بسرعة.

- ضعف جنسي نسبي.

- الخوف مما هو قادم.

إخواني أرجو أن تفيدوني وجزاكم الله خيراً، ما هي مشكلتي؟ ما حلها؟ وماذا أفعل لأحقق طموحاتي وأتغلب على كل هذا؟ والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالتأكيد أنتَ قد أبحرت في هذه الرحلة النفسية، والحمد لله استطعت أن تتحمل كل الصدمات وكل المتاعب، ومن الواضح أنه منذ البداية أن شخصيتك تحمل بعض السمات للاستعداد للمخاوف، هنالك شخصيات في الأصل هي قابلة لأن تصاب بالمخاوف؛ لأن هذه الشخصيات ربما لم تتطور التطور المقبول في المراحل الحرجة والحلقات الضعيفة في التطور -بالنسبة للإنسان- النفسي والفسيولوجي والبيولوجي، وهو يعرف في مرحلة الطفولة، وكذلك في مرحلة اليفاعة ثم في مرحلة أواخر الشباب، وهكذا.

بالنسبة للمخاوف التي تبدأ في سن مبكرة، بالتأكيد قد تتولد عنها مخاوف أخرى، وكذلك الوساوس القهرية، وربما نوع من الاكتئاب وعسر في المزاج، وأعتقد أن هذا هو الذي حدث لك بالضبط.

الذي أعجبني حقيقة فيما قمت به من تأهيل حيال نفسك هو إصرارك ومواصلتك للعمل، مهما كانت الأعراض ومهما كانت الأمراض ومهما كان التشخيص، هذا أمر ضروري جدّاً في الصحة النفسية، هذه المسميات: الاكتئاب، الوساوس، الفصام، في بعض الحالات –أكون صادقاً معك– لا تكون مؤثثة التأثيث القاطع؛ لأن الطب النفسي لا زال يفتقد لكثير من الآليات التي تؤكد التشخيص بالرغم من تحسن الأسس والأطر التي يتم عليها تشخيص هذه الحالات.

لا أريدك أبداً أن تكون منزويا حول نفسك، ولا أريدك أن تُجري تحاليل مستفيضة حول ذاتك وشخصيتك، هذا لا يفيد، هذا نفسه يعتبر نوعا من الوساوس الداخلية، أنتَ رجل مؤهل تحمل درجة هندسة في الإلكترونيات، أنت تعمل، أنت لديك وجودك، أنت حسن التعبير –حسب ما رأيته في رسالتك– وبالطبع حسن التنظيم، هذه كلها إيجابيات عظيمة.

كما ذكرت لك الذي أعجبني فعلاً أنك قاومت وبعزيمتك وإصرارك استطعت أن تتغلب على هذا المرض، بالرغم من المسميات التي ذكرت: سِيجوفرينا وساوس قهرية، ومع أني لا أريد أن أقلل لك من الأمر، ولكن أؤكد لك أنك لست مصاباً بالسيجوفرينا أو الفصام؛ لأنك إنسان مستبصر وواعٍ ومرتبط بالواقع، وبالتأكيد من الواضح أن تقييمك وحكمك على الأمور راشد ومعقول جدّاً، فقط أنت ربما تكون ميَّالا للإكثار من التحليل والتدقق حول النفس، هذا هو الذي يجب أن تلاحظه ويجب ألا تكثر منه.

لا أتفق معك تماماً أنك ضعيف الشخصية، ربما تسألني كيف عرفتني ولا تعرف عني الكثير؟! أنت من الواضح أنك مقتدر، ولكن من الواضح أيضاً أنك تقلل من قيمة نفسك، وهذا هو الذي جعلك تشعر بأنك ضعيف الشخصية، أنا لا أعتقد أنك ضعيف الشخصية مطلقاً، ربما يكون هنالك نوع من القيم الفاضلة والحياء الذي يجعلك لا تثبت ذاتك في بعض المواقف، ولكن هذا نفسه ربما يكون حسنا، إذن لا تقلل من قيمة ذاتك، لا تحقِّر نفسك، لا أقول لك أن تنظر لنفسك بكل تكبر وتجبر، هذا بالطبع لا، ولكن كن وسطاً حتى في تفكيرك حول نفسك، أنتَ إنسان منتج متحرك تواكب الحياة وتجاهد، وهذا في حد ذاته كافٍ فيما أعتقد.

عدم اتخاذ القرارات بالطبع ربما يكون مصاحباً للوساوس، صاحب الوساوس يحب التدقق وهذا يؤدي إلى التردد، ولكن أخي! اعزم وتوكل وخذ قرارك، أنا أعتقد هذا هو أفضل شيء، ولك الحق أن تبدي رأيك، أجر مع نفسك حواراً، قل: إذا قال لي فلان كذا كذا سوف أقول له كذا وكذا، هذا هو المطلوب.

بالنسبة لاضطرابات الهضم وآلام العضلات ونوبات الخوف، هي نوع من الأعراض الجسدية التي تكون مصاحبة للقلق والتوتر والوساوس، وهذه الأمراض –في كثير من الحالات– تحمل طبع (النفسوجسدي) أو تسمى بـ (نفسوجسدية) ولا أعتقد أن لديك ازدواجية في الشخصية، ربما يكون هنالك نوع من تقلب المزاج، وهذا يحدث لكثير من الناس، خذ الأمور ببساطة وكن وسطاً في مزاجك وتفكيرك وانشراحك وحتى في أحزانك، ادعو نفسك لذلك وسوف تجد –إن شاء الله– أن الأمور قد تغيرت.

السهو وقلة التركيز وكذلك أن تسمع نفسك صوت عقلك، ربما تكون هي أيضاً من أعراض القلق، القلق والتوتر والاكتئاب أيضاً يؤدي إلى ذلك.

الوساوس لابد أن تحقِّرها، لابد ألا تعطيها مجالا لأن تسيطر عليك، إذا أتتك الوساوس فكِّر في الفكرة المضادة، أو قم بفعل مضاد، ركز على ذلك، إذن هي مواجهة، تحقير واستبدال بما هو مضاد لفكرة الوساوس، أجر هذا التمرين بصورة وبصفة يومية.

الضعف الجنسي النسبي، هذه الحالات لابد أن أقول لك أنها ربما تؤدي إلى بعض الضعف أو عدم الرغبة، كما أن الزيروكسات وحتى السوليان ربما تؤدي إلى نوع من قلة الرغبة الجنسية البسيطة، وأرجو ألا تأخذ هذا الموضوع بحساسية وألا تفكر فيه؛ لأن التفكير والتعمق فيه يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى الفشل والخوف من الفشل يؤدي إلى الفشل الجنسي، فهذه نصيحة أنصحها، الخوف مما هو قادم أو (القلق التوقعي) يعرف أن أصحاب الوساوس دائماً يعانون من ذلك، إذن أرجو أن تتبع هذه الإرشادات.

حقيقة أريد أن أصف لك دواء أرى أنه سوف يكون جيداً وسوف يكون فعّالا إن شاء الله، ولن يسبب لك أي متاعب جنسية، بل على العكس ربما يساعدك بصورة أكثر، هذا الدواء يعرف باسم فافرين، أوقف كل الأدوية التي تتناولها وتناول الفافرين، ابدأ بجرعة 50 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة بمعدل 50 مليجرام في اليوم كل أسبوعين، أي أن تكون الجرعة 100 مليجرام بعد مضي شهر و200 مليجرام بعد مضي شهرين من بداية العلاج، وهذه هي الجرعة الكافية جدّاً بالنسبة لك، 200 مليجرام من الفافرين يوميّاً لمدة سبعة أشهر، ثم خفضها بمعدل 50 مليجرام كل شهر، وأنا على ثقة كاملة أن هذا الدواء سوف يساعدك جدّاً.

بالنسبة للسوليان أرجو أن توقفه، هو دواء جيد وممتاز جدّاً، ولكن ربما يكون العقار الذي يعرف باسم رزبريدون –بجرعة صغيرة- مدعم جدّاً للفافرين وسوف يزيد من فعاليته بصورة كبيرة، كما أنه ربما يؤدي إلى اختفاء أي شبهة في أنه ربما يكون لديك شيء من أعراض الفصام الوسواسي، استعمل هذا الدواء ولكنه أصبح من التشخيصات التي تناقش كثيراً في المحافل العلمية، وهنالك إجماع كامل أن الفافرين مع الرزبريدون يؤدي إلى فوائد كبيرة جدّاً.

إذن ابدأ الرزبريدون بجرعة واحد مليجرام، واستمر عليه لمدة أسبوعين، ثم ارفعها إلى 2 مليجرام لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى واحد مليجرام فقط لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك يمكنك أن تتوقف عن تناوله.

إذن: ثق بنفسك وثق بالله أولاً، وبمقدراتك، وعليك المثابرة والمحافظة على عباداتك والتواصل الاجتماعي، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً