الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب الظرفي بسبب عقد قران غير مقبول وكيفية علاجه

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة عمري 24 سنة، عقد قراني على شخص لم أتقبله، ولم أستطع مقابلته أو الرد على اتصالاته، وكنت أضغط على نفسي حتى لا يحس أهلي بذلك، وكنت أتوقع أن الأمر سيتغير مع الوقت، واستمر هذا الوضع لمدة سنة كاملة، وأصبحت منعزلة، وأحس بضيق شديد وخفقان ورغبة في البكاء، وأصبحت يائسة وأحدث نفسي كثيرا: كيف أفاتح أهلي بالموضوع؟ وأصبحت كثيرة النسيان قليلة التركيز، وأعاني من تساقط شعري بشكل رهيب وزيادة وزني مما زادني سوءاً.

وبعد محاولات مستميتة، وتدخل أقاربي انفصلت قبل شهرين من الآن، وما زالت علاقتي بأهلي مضطربة، ولا زلت أعاني من نفس الأعراض مع التساقط والوزن الزائد. نصحتني صديقة باستعمال (البروزاك)؛ فما نصيحتك؟

ولك جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Hl ti] حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الواضح جداً أن سبب هذا الاكتئاب الذي لديك، وسبب هذه الحالة النفسية – عموماً – هو الصراع الذي كنت تعيشينه عندما تم عقد قرانك على رجل لم تستطيعي مجرد تصور أن يكون زوجاً لك، فقد كنتِ في وضع حرجٍ جداً نتيجة أنك كنت تشعرين بعظم البلية، وشدة المصيبة من ارتباطك بزوج لا تتقبلينه أبداً، بل ولا حتى يمكنك مجرد لقائه.

هذا؛ مع طول فترة العقد التي كانت بينكما، ومع عجزك عن مواجهة أهلك بكل هذا، فكان الأمر يخنقك خنقاً حتى أثر على نفسك، فأصبت بحالة اكتئاب وحالة من الشعور باليأس من الخروج من هذا الأمر، نظراً للمعارضة الشديدة التي كنت تتوقعينها من قبل أهلك.

والخطوة الأولى المطلوبة لعلاج هذا الأمر هي: التوجه لله تعالى توجه المستغيث الملهوف لرحمة ربه، فلابد لك من الاضطرار الحقيقي لله تعالى ليخرجك من كل ما تعانينه، قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ))[النمل:62]، ومما يشرع لك في هذا المقام أن تصلي (صلاة الحاجة)، وهي ركعتان نافلتان، ثم بعد السلام تسألين الله تعالى حاجتك التي تطلبينها، ومن الأدعية العظيمة التي ينبغي أن تلهجي بها دوماً: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني لنفسي طرفة عين).

ومن الأدعية النافعة العظيمة دعاء إزالة الهم والغم الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو في سنن الترمذي - : (اللهم إني أمتك، بنت عبدك، بنت أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضائك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي).

هذا؛ مع رقية نفسك بالقرآن وبالأدعية المشروعة لا سيما التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والخطوة الثانية: هي محاولة إصلاح الوضع مع أهلك، فأول ما تبدئين به هو أن تختاري أشفقهم عليك أو أكثرهم تفهما لحالك كوالدتك مثلاً بحيث تختلين بها، وتشرحين لها أن هذا الذي حصل إنما كان قهراً عنك وبلا إمكان منك لدفعه، وأن هذا خير من الطلاق بعد الدخول أو حصول الذرية، فيعظم البلاء ويزداد حينئذ.

هذا مع إيضاح مدى حاجتك لمراعاة أهلك، وحسن معاملتهم واحتضانهم لك حتى تخرجي من حالتك النفسية التي أنت فيها، فبمثل هذا الأسلوب تخففين من وطأة المعاملة التي قد تؤذيك أو تشعرك بتوتر العلاقة بينك وبين أهلك، فلابد من إعادة العلاقة إلى حالتها الطبيعية مع أهلك حتى تشعري بالحياة العادية، وبأن الموضوع الذي قد تم لم يعد له تأثير أبداً.

والخطوة الثالثة: هي الاسترخاء وعدم شد الأعصاب، فلابد أن تحاولي أن تخرجي نفسك من الإغراق في التفكير لا سيما في المعاناة التي كنت قد مررت بها، وفي آثارها كذلك، فالمطلوب هو إعطاء ذهنك وقلبك فترة من الراحة، بحيث تخِّف عليك وطأة هذه الحادثة المريرة في نفسك وفي قلبك، وهذا يتطلب منك إشغال نفسك عن التفكير بالأمور النافعة التي تقطعه عليك، وذلك كالمشاركة مثلاً في نشاط دعوي، أو حلقة تعليم، أو حلقة تجويد، أو نشاط مدرسي يأخذ من وقتك، ويدفع بك للعطاء وعدم الفراغ.

فالمطلوب هو الانشغال عن التفكير بهذه الأمور بالأسلوب اللطيف الذي يجمُّ نفسك ويكسر حدة الأمر عليك، ويدخل في هذا تبادل الزيارات الاجتماعية مع أخواتك الصالحات اللاتي تحبين الاجتماع بهن، بل لو قمت بأداء العمرة أو الحج هذا العام، فإن ذلك سيدفعك دفعاً للخروج من هذه الدائرة فشدي العزم، وستفلحين بإذن الله تعالى.

وأما عن زيادة الوزن وتساقط الشعر، فالظاهر أنك بحاجةٍ أولاً لمراجعة الطبيبة المختصة في ذلك، هذا مع كون الاحتمال الأظهر أنك إنما أصابك ذلك بسبب حالتك النفسية السيئة جداً (الإحباط – الاكتئاب – القلق – السهر – كثرة التفكير – الخوف من المصير)، ولذلك فإن من المرتجى أن يتحسن ذلك بمجرد تحسن أوضاعك النفسية، هذا مع ملاحظة العناية بأنواع الطعام التي تتناولينها وبكميتها كذلك، ولو أمكن أن تستعيني بطبيبة مختصة للإرشاد في ذلك فهذا أمر مطلوب ويعين جداً في تخلصك من الوزن الزائد.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونحن بانتظار رسالة قريبة منك لمتابعة حالك.

وبالله التوفيق والسداد.

الشيخ / أحمد مجيد هنداوي
=================

وبعد استشارة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم أفاد بالتالي:

حقيقة أنا أشيد بإجابة الأخ الشيخ أحمد الهنداوي، وأرجو أن تتبعي الإرشادات السلوكية المعرفية التي أسدى بها، وهي في نظري من أهم العلاجات المعرفية التي سوف تفيدك تماماً، وسوف تخرجك إن شاء الله من دائرة التفكير السلبي.
أود أن أضيف أن الإنسان إذا أدرك وعرف مشكلته وحجمها هذا يمثل 50% من حل هذه المشكلة.

أنتِ لديك أسباب واضحة وهي الزواج دون أن يكون الاختيار سليماً، ودون الموافقة والقبول، وفي هذه الحالة ما دام هنالك سبب مشروع فإن شاء الله باتباعك الإرشادات التي ذكرها الشيخ في نظري سوف تجدين أن الأمور قد أصبحت أكثر قبولاً بالنسبة لك وسوف يحدث لك التكيف والتواؤم المطلوب.

أنتِ بالطبع افتقدتِ التواؤم والتكيف، وهذا أدى إلى حالة اكتئابية واضحة، وهذه الشاكلة من الاكتئاب نسميه (الاكتئاب الظرفي) وهو لا يكون مطابقاً للاكتئاب المعروف، حيث أن زيادة الوزن واحدة من سمات هذا الاكتئاب، والذي نجده في حاولي 10% من حالات الاكتئاب.

حقيقة استعانتك بأحد أفراد الأسرة يعتبر ركيزة أساسية، ويا حبذا لو قمت بتكوين حلف مع من تثقين فيه من الأسرة، وكما اقترح الشيخ أن الوالدة ربما تكون هي الأنسب، وهذا النوع من الحلف العلاجي والذي من خلاله يتوفر الدعم المعنوي سيكون ذا فائدة عظيمة بالنسبة لك.

حقيقة لا زلت من أنصار أن تنظري في الوسائل التي تعيدك إلى بيت الزوجية، هذا هو الأفضل والأصلح، ونحن نقول أن المرأة الذكية هي التي تحفظ زواجها، مهما كانت العثرات والصعوبات، أرجو أن تنظري وتعيدي النظر في الأمر، حيث أن الاكتئاب يعيق الإنسان في تفكيره ويجعله يتجه سلبياً.

العلاج الدوائي لا شك أنه سوف يفيدك كثيراً بجانب الإرشاد المعرفي، و(البروزاك) يعتبر من الأدوية الطيبة جدّاً؛ فهو يعيد الحيوية ويعيد إن شاء الله الانشراح، كما أنه سوف يساعد على تقليل الوزن.

وأما الجرعة التي تبدئين بها هي 20 مليجرام لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى 40 مليجرام – أي كبسولتين – ويجب أن تستمري عليها لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ثم يعد ذلك يمكن أن تخفض إلى 20 مليجرام لمدة شهرين، وبعدها لا مانع أن تواصلي على كبسولة واحدة كل يومين لمدة شهر، ثم تتوقفي عن العلاج.

وهنالك دراسات تشير أيضاً أن ممارسة الرياضة تفيد في هذا النوع من الاكتئاب، ووجد أيضاً أن التعرض للضوء، خاصة لأشعة الشمس في الصباح، يساعد في اختفاء هذا النوع من الاكتئاب.

إذن؛ أرجو اتباع الإرشادات وتناول الدواء، وأرجو أن تكوني أكثر تفاؤلاً وتصميماً وعزيمة على التحسن.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يرفع وأن يزيل ما بك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً