الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين الحياء والخجل

السؤال

جزاكم الله خيراً على هذا الموقع المتميز، والذي نسأل الله أن يبارك فيه وفي العاملين القائمين عليه.

وقصتي أنني منذ الطفولة أعاني من الخجل الزائد من الناس والرهبة ممن هم أكبر مني سناً، وضعيف الشخصية بين الناس، بالرغم من أن الناس يقولون لي إنني هادئ ومؤدب قليل الأذى للناس، وكنت أيضاً من الأوائل في دراستي، ومتميزا في كل أعمالي إلا أنني كنت أعيش في صراع نفسي بسيط متزامن مع مشاكل كثيرة بين والدي ووالدتي توصل أحياناً إلى ضرب والدي لوالدتي، وكنت أتأثر من هذا كثيراً.

وعند بلوغي سن المراهقة بدأت أفكر كثيراً في الجنس الآخر والبحث عن كيفية إفراغ هذه الطاقة الجنسية، فكانت أول مأساتي هي استخدام العادة السرية وبكثرة، وكنت أفكر في كل امرأة أراها أمامي وأنظر إلى النساء كثيراً، وكنت جاهلاً لحكمها الشرعي وضررها الجسمي علي، حتى أن قوتي ضعفت وأصابني ألم شديد في أسفل الظهر، ثم ضعف التركيز عندي وكثر الشرود الذهني والكسل والخمول وغيرها، ثم فتح الله علي بصحبة طيبة كانوا سبباً في هدايتي إلى الخير ـ والحمد لله ـ ثم تزوجت وأنا في الثانية والعشرين من عمري، وأنا الآن في الثانية والأربعين من عمري على الرغم من أنني عرفت أخطائي وتبت إلى ربي إلا أن الأعراض التي كانت عندي تطورت منذ الطفولة إلى الآن تدريجياً حتى الآن وتتمثل في:

قلق نفسي دائم، ويصحبه توتر وشد في الأعصاب ونرفزة من أبسط الأشياء، وصداع خاصة في مقدمة الرأس مع شرود ذهني وخمول وكسل، وأحس أنني في تسابق مع الزمن، وأجد صعوبة في البقاء في مكان واحد ولا أحب الانتظار.

أيضاً أشعر بخوف من مواجهة الناس ومواجهة مشاكلي، وإذا حصلت لي مشكلة مع أحد أو ذهبت إلى مصلحة حكومية أو مقابلة مع شخصية، أو حضرت أي عمل جماعي فإنني أتوتر وأشعر بخوف وارتباك، وتزيد ضربات قلبي وأتلعثم في الكلام ولا أستطيع أن أعبر عن ما في نفسي وأبحث عن أي طريقة للانسحاب، وقد ذهبت إلى أحد الأطباء، وأعطاني إبر كل أسبوع وعلاج اسمه تقريباً تفرانيل واستخدمته لمدة عشرين يوماً، ولكنني لم أستفد منه وتركته.

أرجو أن تساعدونني في معرفة ما هو هذا المرض؟ وهل له علاج؟ دلوني عليه؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الملك حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخي العزيز: لقد أعجبتُ برسالتك جدّاً فهي قد احتوت على بعض الصعوبات التي انتابتك في حياتك ولكنَّك ولله الحمد استطعت التخلص منها ومعالجتها بصورة صحيحة، وإن كنتَ لا زلت تشعر بالذنب من بعض الأخطاء التي ارتكبتها في مرحلة اليفاعة والشباب..

أخي! أنت قلت إنك تعاني من الخجل الزائد، والناس ترى غير ذلك، وهي أنها تصفك بأنك هادئ ومؤدب وقليل الأذى للناس..

أخي! الذي أراه فيك ليس خجلاً، الذي أراه فيك هو حياء، والحياء يا أخي من الإيمان، أرجو أن تستبدل فكرة إصابتك بالخجل أنك رجل مؤدب ورجل فيك حياء، وهذه ميزة عظيمة، أرجو أن تنظر لها من هذا المنطلق.

وأنت حين تستبدل الفكرة بهذه الصورة – وهي حقيقة – أرى أنك إن شاء الله سوف تنظر لنفسك بإيجابية أكثر.. كثير من الناس الفضلاء وأصحاب القيم يقيمون أنفسهم بصورة سلبية، وربما يطلقون بعض السمات على أنفسهم وهي غير صحيحة، وفي ذلك بالطبع إجحاف على النفس وعلى الذات، وهذا ينعكس سلبياً.. أخي – أبو عبد الملك – أرجو أن تصحح هذا المفهوم عن ذاتك.

وأما بالنسبة لممارسة العادة السرية: فالحمد لله أنت الآن قد أقلعت عنها منذ زمن بعيد، حيث إنك فهمت حكمها الشرعي، وكذلك آثارها وضررها، وقد تزوجت، وهذا ولله الحمد شيء طيب، ولا شك أن خير الخطَّاءين التوابون.

وأما الأعراض التي تنتابك يا أخي الآن – الأعراض الجسدية – فهي ليست ناتجة عن ممارستك للعادة السرية سابقاً، أنا لا أريد أن أطمئنك فقط ولكنها حقيقة، هذه الأعراض حقيقة وما ذكرته لاحقاً مما يصيبك من خوف في مواجهة الناس؛ هي كلها مرتبطة بحالة القلق العصابي والذي يحمل أيضاً طابع القلق أو الرهاب الاجتماعي هو الذي يفسر هذه الأعراض.

ومن الواضح أيضاً أن شخصيتك تحمل أيضاً السمات القلقية الداخلية خاصة أنك تعاني من الشرود الذهني، وأنك في تسابق مع الزمن، ولا تستطيع البقاء في مكان واحد، كما أن هذا الصداع الذي ينتابك في مقدمة الرأس هو ناتج عن الانقباضات العضلية التي تحدث في فروة الرأس، وهذا نسميه بالصداع العصبي.

أخي: حالتك كما ذكرت لك هي بسيطة جدّاً، وعليك أن تفكر إيجابياً، عليك ألا تشعر بالذنب، فأنا أراك إن شاء الله يا أخي بخير.

وأما الشق الآخر في العلاج فهو العلاج الدوائي: وأنت سوف تستفيد كثيراً من العلاج الدوائي، فأنت محتاج للأدوية التي تساعد في علاج القلق والخوف، خاصة الخوف الاجتماعي.. هنالك دواء يعرف باسم زولفت، أراه هو الدواء الأنسب بالنسبة لك، وجرعة هذا الدواء هي حبة واحدة – 50 مليجرام – ليلاً، ولا أرى أنك محتاج لجرعة أكبر من هذا، ولكن عليك أن تواصل استعمال هذا الدواء لمدة خمسة أشهر متواصلة، حبة واحدة في اليوم، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى حبة يوم بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عنه.

والدواء البديل للزولفت إذا لم تتحصل عليه هو العقار الذي يعرف باسم سبراليكس، وجرعته هي 10 مليجرام ليلاً، وتستمر عليها لمدة خمسة أشهر أيضاً، ثم تخفضها على 5 مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم تتوقف عنه.

وهنالك علاج ثالث ويعرف باسم زيروكسات، وجرعته هي 10 مليجرام – أي نصف حبة – بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة بعد ذلك إلى حبة كاملة وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، أي تأخذها حبة واحدة يومياً لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تخفضها إلى نصف حبة يومياً لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوم بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناولها.

وكل هذه الأدوية إن شاء الله أدوية طيبة وفعّالة، وأرجو أن يتوفر لك أحد هذه الأدوية ويفيدك، وأرجو أن تلتزم باستعماله بالطريقة التي وصفتها لك.

وأنا أتفق معك بأن التفرانيل لا يساعد كثيراً في مثل هذه الحالات، وإن كان فعّالاً إذا رفعنا الجرعة، أي تكون الجرعة 75 إلى 100 مليجرام في اليوم..

إذن أخي: بالنسبة لمرضك – كما ذكرت لك – هو نوع من العصاب القلقي، خاصة فيه الجانب الاجتماعي، أي الرهاب الاجتماعي، والعلاج يا أخي هو التفكير الإيجابي، وأن تقيم نفسك بصورة أفضل، وألا تشعر بالذنب وأن تتناول الدواء الذي وصفته لك، وأنا على ثقة تامة أن حالتك سوف تتبدل وتتحول إلى صحة نفسية ممتازة وأكثر إيجابية إن شاء الله.

وبالله التوفيق.. وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً