الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القلق الاكتئابي .. أعراضه وعلاجه الدوائي والسلوكي

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً ونفعنا بعلمكم وبارك لنا فيكم.

عندي حالة لأحد أقاربي أحب أن أعرضها عليكم، عسى الله أن يجعل شفاءه على أيديكم.

هو شاب عمره 25 سنة، ومنذ صغره يشتكي من عدة أعراض مرضية لكن لا ندري ما سببها! وسأعطيكم التفاصيل إن شاء الله.

أول الأعراض أنه في عمر 6 أو 7 سنين أحس بآلام في معدته، وبعد الكشف الطبي قيل له بأنها حالة عصب في المعدة، وهو إلى الآن يعاني منها، وهي تقلقه باستمرار، حتى أنها تأتيه فترات لا يستطيع الأكل خلالها إلا القليل القليل.

وقد قام بكشف منذ سنة تقريباً عند أخصائي المعدة وأخبره بأن عنده قرحاً وعصباً وريحاً في المعدة ( غازات متأتية عن نشاط زائد لبعض البكتيريا في الأمعاء) وأعطاه دواء لإزالة القرح، لكن إلى الآن معدته تقلقه كثيراً، وخاصة هذه الأيام، فبطنه منتفخة كثيراً.

ثم في سن 9 أو 10 سنوات مرض لمدة حوالي أسبوع ولزم الفراش، وكان يحس بدوران في رأسه، وإرهاق يصيب كامل بدنه، وهذه الحالة لا تزال تلازمه إلى الآن لكن ليس باستمرار، والغالب على الظن أن هذه الحالة ناتجة عن ضعف بدني ناتج عن سوء التغذية، كذلك يحس أحياناً بألم من جهة القلب في شكل انقباض من جهة القلب يمتد إلى كامل الجهة اليسرى، لكن هذه الحالة نادرة، ومنذ حوالي 4 سنوات وهو في حالة سيئة، ويحس بآلام في الأطراف والرأس، وكذلك يتشنج كثيراً لأي سبب، وتنتفخ عروق يديه ورجليه، وهناك اختلاج بسيط جداً في يديه، ويقول أنه يمتد على كامل بدنه، لكن نحن لا نستطيع رؤيته.

كذلك يقول أنه أصبح غير قادر على مسك الأشياء بصفة عادية مثل ذي قبل، ومنذ فترة طويلة أصبح لديه اضطراب في النوم، فهو يقوم الليل وينام أحياناً إلى وقت العصر، وهو دائماً مريض بالإنفلونزا خاصة في الشتاء، على الرغم من أنه أجرى منذ 3 سنوات عملية جراحية أزال خلالها اللوزتين، والآن هو دائماً مريض منذ شهر نوفمبر(10) 2004.

وأصبح إضافة إلى ما ذكرته لكم يحس بضيق في التنفس وألم شديد في خصيتيه يأتيه من فترة إلى أخرى، وقد أجرى فحوصات، لكن الطبيب لم يستطع التأكد من المرض، ورجح أنه ناتج عن جرثوم فأعطاه دواء لكن بعد انتهائه عاودته الآلام، كما أنه يشعر بآلام في صدره، وبجفاف في فمه.

وإذا أكل الطعام يرتخي بدنه تماماً، ولازم ينام، كما أنه عندما يسير قليلاً يحس بتعب، ويصير يلهث، وترتفع دقات قلبه، والأطباء الذين زارهم كلهم يقولون ضغط نفسي، فهو منذ فترة يحس بقلق شديد وباكتئاب، ويكثر من النوم في النهار.

كما أنه منذ سن 17 سنة يحس بخوف شديد يصيبه عند الغروب نتيجة مشاهدته لمشهد مخيف، وهذه الأيام يعاني من حالة اكتئاب شديد.

أرجوكم لو كان بمقدوركم مساعدتنا فلا تبخلوا علينا أثابكم الله، فهو وصل إلى حالة لم يعد يقدر معها يواصل دراسته أو يركز حتى في الأمور الأخرى مع نقص في الذاكرة يكاد يكون ملحوظاً، خاصة لمن يعيش معه.

ولولا بعض الإرادة لكان طريح الفراش، أنتظر ردكم، وإلى ذلك الحين أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وسام حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

جزاك الله خيراً أخي على اهتمامك بأمر هذا الأخ.

حقيقةً، الرسالة وما احتوته من تفاصيل تجعلني أكون على قناعة تامة أن هذا الأخ يعاني مما يعرف بحالات النفسوجسدية، حيث إن معظم أعراضه جسدية تتمركز حول الجهاز الهضمي، وكذلك ما وصفته من ألم في جهة القلب، وحقيقة ما هو إلا انقباض عضلي، وكذلك ما يُعانيه من الدوخة والدوار.. كل هذه تدل أنه مصاب بحالة نفسية، وقد دعم ما ذكرته مع أعراض أخرى مثل الشعور بالاكتئاب والمخاوف وعدم الطمأنينة والإنهاك العصبي والجسدي؛ وحقيقة هذه كلها تدل على أن الحالة نفسية في المقام الأول، كما أن ضعف الذاكرة وضعف التركيز هو دليل آخر على معاناته في الأصل من القلق.

إذن: التشخيص الأساسي لهذا الأخ هو أنه يُعاني من قلق نفسي، وقد امتد هذا القلق وتطور إلى حالة اكتئابية أيضاً، وهذا يسمى بالقلق الاكتئابي، والذي يظهر ويتجسد في شكل أعراض جسدية بجانب الأعراض النفسية.

أولاً: أرجو ألا يتردد هذا الأخ كثيراً على الأطباء؛ لأنه إذا تردد كثيراً على الأطباء فهذا سوف يجعله غير مطمئن؛ لأنه سيجد تفسيرات مختلفة من الأطباء، ونحن لا نزكي أنفسنا أبداً، ولكن نستطيع أن نقول بفضل الله تعالى أن هذا الأمر يأتي في مجال تخصصنا.

ثانياً: على هذا الأخ أن يغير من مفهومه حول نفسه، نعم هو يعاني من علة، لا نقول أنه غير مريض، فهو مريض ولكن هذه العلة هي علة نفسية في المقام الأول، وهذا إن شاء الله لا يسبب له أي نوع من الحرج، عليه أن يقبل ذلك.

ثالثاً: لا بد أن يعتمد على نفسه بعض الشيء، ونسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء على مساندتكم له، ولكن يجب ألا تكون هذه المساندة لدرجة الاعتمادية، فيجب أن يعطى بعض المهارات البسيطة للقيام بها، ولا بد له من المشاركات الاجتماعية، ولا بد له أن يثق في نفسه أكثر.

الخط الأساسي للعلاج بجانب ما ذكرته سابقاً هو العلاج الدوائي، وهنالك والحمد لله أدوية فعّالة وممتازة سوف تساعد هذا الأخ بفضل الله تعالى، فقط عليه الصبر عليها والالتزام بجرعتها.

الدواء الأول وهو دواء مساعد يُعرف باسم دوجماتيل، أرجو أن يتناوله بجرعة 50 مليجرام صباحاً ومساء، وإذا لم يجد الدوجماتيل فيكون الدواء البديل هو سوليان (Solian) وجرعته أيضاً هي 50 مليجرام صباحاً ومساء، يستمر على هذا الدواء لمدة ستة أشهر متواصلة، مع الالتزام القاطع بالجرعة، ثم بعد ذلك تُخفض الجرعة من 50 مليجرام صباحاً ومساء إلى 50 مليجرام مساء فقط لمدة ستة أشهر، ثم يمكنه أن يتوقف عنها.

أما العلاج الثاني وهو الدواء الأساسي فهو العقار الذي يُعرف باسم زولفت، وجرعة الزولفت -والذي يسمى أيضاً لسترال في بعض الدول- هي 50 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة بعد ذلك إلى 100 مليجرام في اليوم، ويستمر عليها لمدة تسعة أشهر.

هذا هو المطلوب في حالة هذا الأخ، بعد ذلك تخفض الجرعة إلى حبة واحدة 50 مليجرام لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى 50 مليجرام يوماً بعد يوم لمدة شهرين، ثم يمكنه أن يتوقف عنها.

إذا لم يجد الزولفت أو اللسترال فإن البديل هو العقار الذي يعرف باسم سبرالكس، وجرعته هي 10 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى 20 مليجرام ليلاً بعد الأكل أيضاً لمدة تسعة أشهر، ثم تخفض إلى 10 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم إلى 5 مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم يمكنه التوقف عنها.

هذا الأخ سوف يستفيد كثيراً من التمارين الرياضية أياً كانت، فالرياضة تقوي النفوس كما تقوي الأجسام، وهذا أمر ضروري.

كذلك لا بد لهذا الأخ من أن يقوم ببعض النشاطات البسيطة كالذهاب إلى المسجد، وأداء الصلاة مع الجماعة، فهذه إن شاء الله تعطيه دافعية، وعليه أيضاً أن يعدد من بعض النشاطات أو يزيد من بعض النشاطات الترفيهية كالقراءة المفيدة، وحضور الندوات والمحاضرات... وهكذا.

كذلك عليه ألا ينقطع مع هواجس المرض ويعيش معها، إنما ينطلق لحياةٍ أفضل وسوف يجد إن شاء الله أنه قد تحسن كثيراً.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً