الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العناد والتمرد في مرحلة المراهقة وطرق علاجه

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.

أكتب إليكم راجية من الله أن أجد الحلّ بأيديكم.
اشتكت لي صديقتي من ابنتها التي تبلغ من العمر 15 سنة، تصرفاتها عنيفة جدّا معها لدرجة أنها تفلت على وجهها، ابنتها هذه لم تكن من البنات اللواتي كانت لهن حرية شخصية كبيرة منذ طفولتها، ذلك؛ لأنّها تربت في كنف أسرة محافظة جدّا، في بيت يسكن فيه الجد والجدّة، الابن الأكبر وزوجته وابنيه والابن الأصغر وزوجته التي هي صديقتي وبناتها.

الجو في هذا البيت تسوده الصرامة حيث الجميع يهاب الجدّ ونساء البيت لا يصح أن يسمع صوتهن عندما يكون في المنزل لشدّته وصرامة طبعه.

وهي الآن في سن المراهقة، تجد أمها صعوبات شديدة في التعامل معها، لا تحترمها، ولا تشاركها في أعمال البيت، ولا حتى في ترتيب غرفتها، وحين تأمرها أمها بغسل ثيابها المتسخة والمتراكمة، تتركها في إناء الماء إلى أن تأتي أمّها فتضطر هذه الأخيرة إلى غسل الثياب.

المُلاحظ أن ابنة صديقتي هذه متفوقة في دراستها ولديها أسلوب رائع في كتابة الشعر، وعندما سافرت أمّها إلى مدينة أخرى، لأسباب شخصية، كتبت فيها شعرا مؤثرّا عن حبّها واشتياقها إليها، وهذا تناقض كبير بين شِعرها والحقيقة، مع أبيها هي أكثر احتراما بالنسبة لتعاملها مع أمِّها، في محاولة لإيجاد حلٍّ، عرضتها أمّها على طبيبة نفسية، إلاَّ أنّها لم تتوصل معها لحل، وذلك لأنَّها لا تقبل التكلم والحوار معها، وقالت الطبيبة لصديقتي أنَّ ابنتها طبيعية ولا توجد معها مشكلة نفسانية سوى أنها لا تريد الحوار مع أيِّ شخص.

حاليّاً صديقتي لا توّجه لابنتها الكلام، لأنَّها أصبحت لا تحتمل قلَّة احترامها، لكن هذا لم يؤثر فيها، ما هو الحلُّ؟ نناشدكم أن تنصحونا وتوَّجهونا إلى الحلَّ السديد، وجزاكم الله عنَّا خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sawsane حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يُصلح لنا ولكن النية والذرية، وأن يلهمنا رشدنا ويُعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدنا، وأن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يجعلنا للمتقين إماماً.

فإن تصرفات هذه البنت لا تدل على كراهيتها لأمها، لكنها تعبيرٌ عن كثرة القيود المفروضة، وإشارة إلى أنها أصبحت أكبر من التوجيهات الكثيرة، فهي امرأة تفهم وتعرف الكثير، وهذا جزء من طبيعة هذه المرحلة التي لا تؤدي فيها التعليمات والأوامر إلا إلى مزيدٍ من العناد، فمرحلة المراهقة تتميز بالتسرع والتفلت والتردد والتمرد، ونجاح المربين يكون بتهذيب وفهم هذه التغيرات، ومن هنا فلابد من استخدام أسلوب الحوار الهادئ، مع ضرورة اختيار الأوقات المناسبة، فليس مُناسباً أن نحاورها عن جدوى ذهابها إلى السوق بعد أن لبست ثيابها وهيأت نفسها للخروج، وليس صحيحاً محاورتها عن هذا الأمر أمام صديقاتها أو في وقت جوعها أو انزعاجها.

ولا شك أن الكبت والشدة الزائدة تولد العناد والتمرد، وإذا قيدنا حركة الطفل وحرمناه من اللعب والكلام والحركة، فإن هذا يعطل الكثير من مواهبه، ويؤخر مسألة التمرد ولا يذهبها بالكلية، وقد يكون الانفجار مع مرحلة المراهقة، وخيرٌ لنا أن نترك الطفل يأخذ حريته في وجودنا وحياتنا حتى نتمكن من توجيهه وتصويبه، وإذا لم يحصل هذا فإن الطفل سوف يُظهر تلك المشاكسات في مراحل متأخرة وفي أماكن يصعب علينا تحديدها وبطريقةً يصعب تفاديها ويتعذر علينا قبولها.

وأرجو أن تعلم هذه الأخت أن البنت في هذه المرحلة تحتاج إلى جرعاتٍ من العاطفة ومقدارٍ كبير من الثقة المشوبة بالحذر، ومن الضروري مشاورتها في أمور المنزل، ومحاولتها في الأمور الخاصة بها، والثناء على جوانب التميز في حياتها، وإعلان الافتخار بمواهبها.

ومن المهم جداً زيادة جرعات العاطفة، فإن البنت تختلف عن الفتى في هذه المرحلة، وتتقلب بين حالتين، فنجدها تتمرد وتعاند لتعبر عن خروجها من مرحلة الطفولة والوصاية، وتضعف لتعبر عن حاجتها للعواطف الدافئة، فهي إذن تتمرد على الطفولة، وتحب أن تعامل أحياناً كالطفلة، والأم الناجحة تحرص على أن تكون صديقة لبنتها في هذه السن، وقد قال عمر رضي الله عنه: (لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً واصحبه سبعاً ..).

فعليها أن تكون صديقة وفية لبنتها، وتحاول أن تدخل إلى عالمها وتكتشف همومها وآمالها وآلامها، وترحب بصديقاتها، وتلاطفهن حتى تستطيع أن تدخل إلى قلوبهن، وتتمكن من معرفة أخلاقهن.

وأرجو أن تتجنب هذه الأم أسلوب التحقيقات والتجسس، واستخدام سوء الظن في تعاملها مع بنتها، فلابد من الوضوح والمكاشفة القائمة على الحب وصولاً إلى المشاركة في وضع برامجها ورسم طريقها، وإذا اطمأنت الفتاة فإنها سوف تأخذ رأي أمها وتنفذه، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى صبر وثبات على هذا المنهج؛ لأن بعض الأمهات قد تمارس هذه الجوانب مرة ومرات ثم تعود إلى النظام البوليسي والمطاردات المكشوفة، والبحث عن السلبيات فقط، وهذا التذبذب يفقد الفتاة الثقة بأمها.

ومن هنا فنحن نقترح على هذه الأم أن تغير طريقة تعاملها، وأن تحرص على تنمية الجوانب الإيجابية ولو كانت قليلة، فإن بعض الأمهات وكذلك الآباء يوبخ أبناءه فيقول أنتم لا خير فيكم، إلى متى لا تتعلمون، أنت ثقيلة الظل، يا غبية…ومثل هذا الكلام، ورغم أن الدافع لهذه الأشياء قد يكون الرغبة في تحقيق الكمالات ولكنها عبارات توصل إلى الحضيض وتحطم ثقة الأبناء في أنفسهم.

وأرجو أن تجلس هذه الأم مع ابنتها، وتُداعب شعرها، وتحتضنها، وتشكرها على شعورها الجميل الذي يعبر عن حبها لأمها، وتخبرها بأنها تبادلها المشاعر وتعتبرها قطعة منها، وأنها أيضاً اشتاقت إليها وتمنت لو أنها أخذتها معها.

ولا يخفى عليك أن أطفالنا يحتاجون إلى العواطف كما يحتاجون إلى الطعام والشراب، بل إن الجفاف العاطفي يدفع الأبناء والبنات إلى الانحراف والضياع والبحث عن الإشباع العاطفي عند الأشقياء والسفهاء.

ويؤسفنا أن نقول: إن من الأمهات من لم تقبل بنتها منذ سنوات، ومنهن من لم تسمع بنتها كلمة حلوة جميلة في عمرها، وهذا ظلمٌ وتقصير ومخالفة لهدي رسولنا البشير الذي كان يقبل فاطمة ويجلسها إلى جواره وفي مكانه رغم أنها كانت متزوجة، وكان يقبل الصبيان ويلاطفهم، وهذا صدّيق الأمة أبو بكر عليه من الله الرضوان يقبّل ابنته عائشة رضي الله عنها في خدها، ويقول كيف أنت يا بنية؟، وهذا حدث بعد الهجرة يعني وهي زوجةً لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يشبك أصابعه في أصابع الصحابة، وعلم ابن مسعود التشهد وكفه بين كفيه، وأردف ابن عباس والفضل وأسامة وبلال معه على الدابة، ولاطف أصحابه ومازحهم، وقال للمرأة يمازحها: (لا تدخل الجنة عجوز..).

وأرجو أن تعلم هذه الأم أن وضع يدها على رأس هذه الفتاة المتمردة يُشعرها بالشفقة، والعبث بشعرها بلطف، ووضع اليد على أعلى ظهرها يدل على الافتخار بها وتشجيعها، وتشبيك الأصابع في أناملها يُشعرها بالحب والأمان، وأرجو أن تحول هذه التوجيهات إلى أعمال، وسوف تشاهدين - بحول الله وقوته - أطيب الثمار وأحسن النتائج، وفي الختام ننصح هذه الأخت بما يلي:

1- كثرة اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، واعلمي أن الله يجيب من دعاه، فأكثري من الدعاء لها، واعلمي أن دعوة الوالدة أقرب للإجابة، وتجنبي الدعاء عليها مهما فعلت، فإن ابن المبارك سأل الرجل الذي شكاً من عقوق ولده قائلاً: (هل دعوت عليه؟ قال نعم، فقال ابن المبارك: اذهب عني فأنت أفسدته).

2- كوني قدوة حسنة لها، فإن البنت تأخذ عن أمها، وهي صورة طبق الأصل لها، ومن هنا فلابد أن نحرص على طاعة الله، وليكن أول ما نبدأ به هو تأديب أنفسنا، فالحسن عند أبناءنا هو ما نستحسنه والقبيح هو ما نستقبحه.

3- تجنبي الكلام على بنات الناس وإظهار عيوبهن؛ حتى لا يبتليك الله بذلك في أسرتك وأولادك.

4- اتفقي مع والدها على منهجٍ موحد للتوجيه؛ حتى لا تستفيد من التناقضات، وحبذا لو طلب منها الأب احترام الأم، ورغبتها الأم في زيادة البر لأبيها.

5- لا تضخمي أخطاءها، ولا تفضحيها بما تفعل؛ فإن ذلك يكسر عندها الحياء ويعلمها عدم المبالاة.

6- لا تشتكي للأخريات من سوء أخلاقها، ولا تُعلني عجزك عن السيطرة عليها ويأسك من إصلاحها.

7- لا تقطعي الكلام والحوار معها.

8- اطلبي من والدها أن يذكرها بخطورة عقوق الوالدة.

9- تدرجي في تعليمها الاعتماد على نفسها.

10- لا تحاولي غسل ثيابها أو تنظيف مكانها.

11- تجنبي الاستهزاء بها أو التقليل من شأنها.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب mohamad maroc

    أنا في مثل سنها وسأعمل بالنصيحة شكرا شكرا...

  • أسبانيا اكرام

    انا عندي نفس المشكلة والله ادعو عليها بالموت، جربت جميع الطرق و النتيجة لا تغيير شخصية قوية جدا

  • الكويت ريحانة

    النصيحة التي تقول لا تغسلي ثيابها ولا تنظفي مكانها هي أكبر مشكلة لأن الحمام امتلأ بثيابها فتحول جزء من البيت الى خرابة مما اتعبنا نفسيا ، وللعلم أنا أتكلم عن أختي وليس عن بنتي

  • الأردن ام لمراهقة

    ابنتي نفس المشكلة وصارحتي انها تكرهني ولن تحبني ابداً وتشعر نفسها يتيمة وتتمنى موتي .. لكني لا ادعو عليها بل ادعو لها بصلاح الحال، وأملي بالله كبير فهو مقلب القلوب.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً