الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح لشاب يعاني شدة فقد أولاده وزوجته المصرة على طلب الطلاق

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب من أصل عربي، أعيش بالسويد منذ 8 سنوات، تزوجت الفتاة التي كنت أحبها ببلدي الأصلي واستقدمتها للعيش معي في السويد، وبعد الزواج اكتشفت أن لها علاقات مع شبان غيري حتى بفترة الخطوبة، أصبت بصدمة فظيعة أفقدتني حبي لها، وبعد توسلاتها هي وأمها بالستر غلبت مشاعري العاطفية على العقلية واستمررت معها، ورزقنا بطفلين.

وفي آخر زيارة لنا لبلدنا الأصلي تشاجرنا وطلبت الطلاق رغم كل حبي لها وكل ما فعلته بي، وأنا لا أخفي عنكم أنني كنت فظا بالتعامل معها، يعني: أوصلتها لحالة من الملل، أعني: أنا مللت من نفسي، والطلاق سيقع والله أعلم رغم كل محاولاتي بالتحسن والتغيير والتنازلات، وأنني سوف أنسى الماضي.

بعد عودتي للبيت بالسويد أحسست بفراغ مدمر قاتل وحدة بكاء، واعتراف بالذنب، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن خربت الدنيا، نزل وزني، تركت عملي، لا أمل عندي، أحسست أن كل شيء من حولي توقف بعد فقد الزوجة الحبيبة والأولاد، كل ركن بأركان المنزل يذكرني بهم، كل شارع، كل موقف، أصبحت حزيناً منطوياً على نفسي أحلم كثيراً ولكن لا أفعل، لا أقدر على النسيان، عندما أتخيل الطلاق سيقع وأنها ستتزوج غيري وأبنائي سيعيشون مع أب غيري يجن جنوني، لولا تعلقي بالله وانتظار الفرج فيمكن والعياذ بالله أن أكون قد انتحرت!

صدقوني أتمنى الموت أحياناً، وما زلت أحبها وأحب أولادي، لا تقولوا: حاول؛ لأني حاولت، نزلت على رجليها بالشوراع، بكيت أمامها مثل الأطفال، بعثت الوسائط إلا أن جوابها هي وأهلها أن الذي عنده طبع لا يتغير يظل تحت جلده، أسألكم بالله أفيدوني بعلم ماذا أفعل لكي أخرج نفسي من هذا الحزن الرهيب؟

أستغفر كثيراً، ألوم نفسي أكثر، أبكي الليل والنهار، أصلي، أقرأ، وكل هذا لا يفيد، ماذا عساي أفعل؟ حاولت أن أبدل البيت، يستغرق وقتاً حوالي السنة، حاولت الانتقال من كل البلد، واجهتني صعوبات تلزمني البقاء ستة أشهر على أقل احتمال، رميت كل أغراضي التي كانت داستها يداها أو غسلتها لي، بعت جزءاً من الأثاث لعلي أنسى، حاولت أرتبط ولم أستطع، هل أنا من أشباه الرجال أو مغضوب علي؟ الرجاء ردوا بأسرع الأوقات لأنني محتاج الخلاص مما أنا فيه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك وأن يرد إليك زوجتك وأولادك.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فانه ومما لا شك فيه أن الوضع الذي أنت فيه الآن وضع غير طبيعي، وأن استمراره يعني العذاب الأليم والجحيم الذي لا يطاق، فالرجل الذي يفقد زوجته وأولاده بهذه الصورة ويعجز عن إرجاعها رغم كل محاولاته رجل مبتلى ابتلاء شديداً، إلا أنه ينبغي ألا يغيب عن بالك أن ما يحدث لك تكاد تكون أنت السبب المباشر فيه، وأنت الآن تدفع ثمن تصرفاتك المدمرة وسلوكك غير الشرعي ومعاملتك غير الإنسانية كما ذكرت، فأنت الآن تحصد ما زرعت وتجني ما قدمت.

ولا أدري إلى أي وقت سيستمر هذا الوضع نظراً لما تركه من جراح وآلام في نفس زوجتك وأهلها، ونظراً أيضاً لتسامحك في كونها تقيم علاقة غير شرعية مع غيرك أثناء الخطوبة ولم تقدر عواقب الأمور؟ لأن مثل هذه التي تقيم علاقة مع غير زوجها ماذا تنتظر منها؟! وما يدريك لعلها تخطط الآن للزواج من الشاب والله أعلم، موقف صعب فعلاً، وواقع أليم حقاً، وكان الله في عونك.

إلا أنه رغم كل هذا أعتقد أنه ما زال بمقدورك بذل مزيد من محاولات الإصلاح وألا يتسرب اليأس إلى قلبك، بشرط أن تكون علاقة زوجتك الأولى بهذا الشاب لم تدخل في إطار الخيانة العظمى، فإن كنت واثقاً من ذلك وأنها كانت مجرد غلطة في حدود الصغائر من المعاصي، وأنها ندمت واستقامت فعلاً وقطعت هذه العلاقة أثناء إقامتها معك؛ فأرى أن تحاول مرة أخرى ولا تيأس، وقدم أي تنازلات ممكنة شرعاً حتى تسترد زوجتك وأولادك.

حاول مرة أخرى الاتصال بها واستمالة عواطفها والاعتذار عما بدر منك وإعطاء الوعود والمواثيق بعدم تكرار ذلك، حاول أن ترسل وسطاء جدد من ذوى الديانة والصلاح، وعسى أن تنفرج الأمور وتتحسن الأحوال، حاول ولا تيأس، صارع وقاتل في سبيل ذلك حتى لا تضيع أسرتك ويضيع أولادك وتفقدهم.

أنا على يقين من أن الله لن يخزيك ما دامت هذه المرأة تستحق هذه التضحية، حاول وحاول وحاول، وواصل الاتصالات والمحاولات حتى تفقد الأمل تماماً، وواصل رحلة الدعاء والإلحاح على الله فنعم سلاح المؤمن الدعاء؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، فإذا كان في عودتها خير لك ولها ولأولادك فسوف تعود إليك بإذن الله، وإذا لم تنجح هذه المحاولات كلها فأرى أن تعتبرها قد ماتت وأنه لابد أن تؤقلم نفسك على العيش بدونها وحتى بدون أولادك، ما دمت قد بذلت هذه الجهود وقدمت هذه التضحيات، اعتبر أنها قد ماتت وحاول إقناع نفسك بذلك وأنه يستحيل أن تربط حياتك بها أو حتى بأولادك، وأن فكرة التخلص من حياتك بسببها فكرة شيطانية صبيانية لا تليق بمثلك.

أخي علي! ماذا ستفعل لو ماتت فعلاً؟! افترض هذا، واجتهد في تغيير واقعك وأنت قادر على ذلك، واترك عنك هذا الضعف والخوف، اعمل ما عليك من الأخذ بالأسباب المشار إليها آنفاً، فإن لم تستجب لك فلابد من نسيانها وأولادك لهم الله، ولا تقتل نفسك حسرات عليهم، وأكثر من الدعاء أن يعوضك الله خيراً منها، ومن يدري لعلك فعلاً تكرم بزوجة صالحة تعوضك خيراً وتضم أولادك إليك وتعيش حياة السعداء؟
والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً