الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو والصفح ليس من ضعف الشخصية.

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركاته.
لدي مشكلة تكمن في أسلوب تعاملي مع الناس ومع من حولي، المشكلة هي أنه إذا أخطأ الناس في حقي فإنني أغفر لهم وبسهولة ومن دون أن أُشعرهم بعظم خطئهم بحقي، وهذا يجرهم إلى الإساءة لي؛ بحيث أنهم يتجرؤون ويخطئون نفس الخطأ أكثر من مرة، ولا يهتمون بمشاعري، وينعتونني بضعف الشخصية والغباء.

وأنا بطبعي لا أحب أن أذل الإنسان كي فقط يأخذ السماح مني؛ لأنني وبمبدأ قد زرعته في نفسي، وهو أن الإنسان ليس عليه أن يذل نفسه لإنسان آخر، بل فقط لله سبحانه وتعالى ولوالديه وللزوج فقط، وليس لأي إنسان آخر، وأيضاً أنا موقنة بأن من يسامح الإنسان الذي أخطأ بحقه فإن الله سيكتب له الأجر، ويكون في ميزان حسناته بإذن الله تعالى، وأيضاً على المسلم أن يكون القدوة الحسنة لغيره، فالإسلام دين يسر وليس عسر، وهو ديانة تخاطب الروح وليس الجسد، وأيضاً فأنا لا أحب أن أضيق نفسي بتوافه الدنيا، فأعفي وأسامح .
المشكلة أنني بدأت أشعر بحزنٍ كبير، فإخوتي الصغار لا يُبالون بي ولا يهتمون بي أو يحترمونني، فقط لأنهم أدركوا بأنني ممن يسامح وبسهولة مطلقة.
فأرجو النصيحة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يرزقك السداد والرشاد، وأن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر، وإذا منع صبر، وإذا أذنب استغفر، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو...وبعد،،،

فإن العفو عند المقدرة من أكرم الخصال، وقد جاء في الحديث: (وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً، ومن عفا وأصلح فأجره على الله)، قال تعالى: (( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ))[الشورى:43]. وليس الشديد بالصرعة الذي يصرع الناس، ولكن الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب ويقابل السيئة بالحسنة، وقد أساء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال له أبو الدرداء: (يا هذا لا تغترَّ بسبِّنا، واجعل للعفو موضعاً، واعلم بأننا لن نُقابل من عصى الله فينا بمثل أن نطيع الله فيه) ويصدق عليهم ما قاله الشاعر:
وذو سفهٍ يواجهني بجهل *** وأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهةً وأزيد حلماً *** كعودٍ زاده الإحراق طيباً

ولقد كان السلف عليهم من الله الرضوان يُسامحون المخطئ في حق أنفسهم، ولكن إذا انتهكت حرمات الله فكانوا يتحولون إلى شخصياتٍ أخرى، ويتطاير من عيونهم الشرر غضباً لله وغيرةً على دينه.

ولا تهتمي بكلام الناس، فإن رضاهم غاية لا تُدرك، وكلامهم لا ينتهي، فإذا وجدوا إنساناً سريع الغضب شديد الانتقام لاموه على ذلك وهيجوه ليغضب، وإن وجدوا إنساناً مثلك لا يسأل عن شيء ولا يغضب من شيء قالوا أنت ضعيف الشخصية، والصواب أن يكون الإنسان على العفو والصفح إلا إذا تجاوزوا الحدود، وأسمعوه ما لا يرضاه الله، فعند ذلك لابد من غضبٍ لله وحزم في التعامل، كما أن الإنسان في مقام الأدب مع الصغار لابد أن يُشعرهم بعدم رضاه وليس معنى ذلك أن يكون غشوماً ظلوماً، ولكن كما قال الحكيم:
فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً *** فليقس أحياناً على من يرحم

والمربي الناجح منهجه اللطف والملاينة والصفح والمسامحة؛ فإن رفضهم الصغير فلابد من جدٍ وحزم وشيء من الشدة، من غير أن يجعل ذلك عادةً له، وحتى تؤجري على العفو عن المخطئ ينبغي أن يكون ذلك لله، وأن يكون ذلك مع القدرة، فليس العاجز عن أخذ حقه مسامحاً ولكن الصفح والعفو هو ما كان عند مقدرة، ولذلك جاء في الحديث: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ..).

وأنتِ تُشْكرين على حرصك على عدم إذلال الناس، والمسلم إذا قدر على الظلم والإذلال يتذكر قدرة الله عليه، وقد أسعدني حرصك على أن تكوني أكبر من التوافه، وأخيراً أرجو أن أذكر بأن الشريعة أباحت للمظلوم أن يعبر عن ظلمه، وذلك في قوله تعالى: (( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ))[النساء:148] ولكن الكمال في أن يعفو الإنسان عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وقد أشارت الآية إلى أن العفو من صفات الله جل وعلا، وفي ذلك تنبيهٌ لطيف إلى ضرورة طلب الكمال.
وفقك الله لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً