الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خجلي من النساء سبب لي العزوف عن الزواج!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشكر الجزيل للقائمين على هذا الموقع الرائع لما فيه منفعة للأمة كافة، ونرجو من الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.

شاب، أبلغ من العمر 32 سنة، على خلق الإسلام -ولله الحمد- متبع سنة الحبيب المصطفى لا أجد في الدين من حرج علي في كل أموره، إلا أنني أعاني من مشكلة قد تحول دون استمراري في التقرب إلى سنة الحبيب المصطفى ألا وهي العزوف عن الزواج فكرة وتطبيقا، وليس لتقصير مادي أو لعدم توفر الطرف الثاني، لله الحمد كل شيء متوفر إلا أنني أعاني من مشكلة قد تكون نفسية بالدرجة الأولى.

لا أستطيع التحدث مع النساء ولو مازحا، قد يستغرب البعض من هذه الحالة وخصوصا أننا نعيش في عالم مفتوح بشكل فضفاض على كل أنواع المحرمات إلا أنه مع ذلك لم يسبق لي إن جلست ولو لمرة واحدة طيلة حياتي بجانب أي فتاة أو حاولت فتح حوار معها، لم يكن لدي أي مشكلة في حياتي تحول بيني وبينهن، إلا أنني أحترم بعض القيم التي رسخت في عقلي أنه لا وجود لأي علاقة بين الطرفين إلا في إطار الحلال، وهذا المعتقد سبحان الله رافقني طيلة حياتي، وللأسف ولست أدري هل أتأسف على حالي، أم ماذا أفعل؟!

أنا الآن مجبر على الزواج بضغوط من الأسرة ولا أستطيع، لأنني أصبحت أعاني من الرهاب اتجاه الفتيات، لا أعرف كيف أتصرف معهن، أو كيف أتكلم معهن، فبمجرد التفكير في هذا الموضوع أحس بنوع من التوتر والحياء، حقا ولكي أكون صريحا مع نفسي حاولت مرارا التواصل مع بعض الفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي إلا أني فشلت، وبطبيعة الحال لسبب أنني لا أجيد فن الحديث أو التصرف معهن.

أرى أصدقائي يعيشون حياة طبيعية يتكلمون ويناقشون الفتيات بكل بساطة، أغبطهم أحيانا بل أحسدهم على جرأتهم في هذا المجال، أرجوكم مللت من حياة العزوبية، وأتمنى أن يهبني الله أطفالا ويحملوا اسمي ولكن لا أستطيع، فشدة الحياء تمنعني من كل هذا، رغم أنني لا أريد سوى الحلال.

مؤخرا قررت في نفسي أن أستخير الله في أي فتاة تقابلها عيني وأخبرها في بادئ الأمر عن حالتي إن استطعت بطبيعة الحال محادثتها وأنتظر ردة الفعل، إلا أنني لا أخفيكم سرا لم أصل إلى هذه الشجاعة.

أفتوني في أمري هذا، وأتمنى لكم دوام الصحة والعافية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أهنئك – أخي الفاضل – على محبتك لسنة نبيك وحرصك على اتباعها (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) إلا أنه ينبغي تذكيرك أنه كما أن الاتباع من لوازم المحبة, فالزواج – حفظك الله ووفقك – من لوازم هذا الاتباع, ما دام أنه لا يحول بينك وبين الزواج ظروف مادية ولا بدنية ونحوها -والحمد لله-.

تشجيع والديك حد الإجبار لك، ولا شك مما ينبغي زيادة تحفيزك ذلك أن طاعتهما فيما لا يخالف المعروف واجبة ومسيس الحاجة إليه.

ومما يحفزك أيضاً استحضار مقاصد الزواج الشرعية من غض البصر، وإحصان الفرج، والعفة والسكن النفسي، ومكاثرة نبينا للأنبياء والأمم يوم القيامة، وكفالة الزوج للزوجة وأولادها بحسن رعايتهم؛ مما يسهم في قوة الأسرة والمجتمع والأمة، والزواج ليس سنة نبينا فحسب بل والأنبياء كافة (وجعلنا لهم أزواجاً وذرية).

أما الانقطاع عن الزواج لغير عذر وعلّة حقيقية فقد نهى نبينا -صلى الله عليه وسلم- أصحابه حين استأذنوه بالتبتل والاختصاء، وقال في الحديث: (وأتزوج النساء فمن رغِب عن سنتي فليس مني)، وكان أكثر أمته نساء كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

والميل الجنسي إلى النساء طبيعة بشرية وفطرة إنسانية لبقاء الحياة، ومخالفتها انحراف عن الفطرة، وهو أمر مذموم شرعاً، كما أنها متعة حلال فلا ينبغي الحياء فيها ويبقى الحل بعد التذكر والاستحضار لهذه الأمور التي لا أظنها تخفى عنك بكسر حاجز الحياء أو الخوف والهيبة الناتجة عن تربية معينة وهي تربية كريمة ولا شك تسهم في التعفف عن الحرام، لكن لا ينبغي بعد سنك المذكور أن تعفك عن الحلال أيضاً, ومما يسهم في كسر الحاجز أن تدخل مع نفسك في تحدٍ فلا تستسلم لحيائك أولاً وتحلَّ بالثقة بنفسك وقوة الإرادة (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز)، والتدرج في التغيير, والمسألة – قطعاً – مسألة وقت لن تلبث حتى تزول مع مرور الأيام.

ابدأ بتحديد الزوجة المناسبة لديك، والمتحلية بحسن الدين والخلق والحسب والجمال ما أمكن، وكذا العقل والثقافة واللطف والتي يمكنها تفهم عذرك، وتقدر جميل دينك وحيائك، وتحسن بالتالي التعامل معك، ثم يمكنك بعد العقد عليها من كسر الحواجز شيئاً فشيئاً بالتدريج -بإذن الله- وبادر إلى الزواج عند توفر أسبابه، واعلم أن الأمر بين يديك وفي متناولك وإمكانك بإذن الله.

ولا أفضل وأجمل من الاستعانة بالله وتقواه والتوكل عليه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).

اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء (ادعوني أستجب لكم).

يسّر الله أمرك، وشرح صدرك، ورزقك التوفيق والسداد والزوجة الصالحة والذرية المباركة، والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً