الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي كثير الشكوك عن العين والحسد

السؤال

السلام عليكم.

لا أعرف إذا كان هذا المكان المناسب لكتابة استشارتي، ولكني أعتقد أنها ترتبط بالجانب النفسي.

أنا فتاة متزوجة منذ 6 سنوات، وعندي بنت وولد، بداية حياتي مع زوجي كانت طبيعية، وللتحول من بعض المشاكل واختلاف الرأي تقبلت ذلك بحكم اختلاف البيئة، حيث أن زوجي من قبيلة غير قبيلتي، ولكن بعد تقريباً ثلاث سنوات من الزواج بدأ زوجي يخاف مني ويقول مثلاً أذكري الله أو سمي عند الكلام عن ابنتي، ويقول بأنه قرأ في النت أن الأشخاص (العيارين) تكون أعينهم شكلها دائري وأنا عيوني دائرية، ويقول بأني عيانه، تخاصمت معه وغضبت وتفاجأت من كلامه وبعدها بيوم قال لي بأنه يمزح.

بعدها بفترة كنّا كل مرة ننزل قرية زوجي دائماً أهله يقولون المثل المشهور عندهم وهو (ما يحسد المال إلا أصحابه)، فصار دائماً يقول لي هذا المثل، ويقول لي أذكري الله.

بعد فترة أنجبت ولداً وكنت أتحدث عنه حديثاً طبيعياً فقام خائفاً ويصرخ ويقول: سمي الله عليه، وحصلت مشكلة، وناقشته في الموضوع وطالبته بعدم فتحه مرة أخرى، حتى ابنتي أتتها سخونة وقال لي: أنت سببها أنت أعطيتها عيناً!

مرت فترة إذا عملت أكلاً وما أكلت معهم يقول: الأكل فيه شيء، ويشك بأني وضعت في الأكل شيئاً أو أنه غير نظيف، والآن بالأمس يقول لي: إذا رأيتني فاذكري الله، ناقشته في الموضوع وطمأنته بأني سأقف معه لمعرفة سبب تصرفاته والعلاج إذا استدعى الأمر.

فكرت بالذهاب لأهلي لكنه ليس حلاً، ماذا تنصحوني أن أفعل؟ وكيف أكمل حياتي مع شخص بهذا التفكير؟

مع العلم أني إنسانة حساسة جداً، وهذا الموضوع سيؤثر علي بشكل كبير، وربما سبب لي الأمراض من ضغط وسكري، لا أدري ما السبب وراء خوفه مني؟ هل هو سحر أم اضطراب نفسي أم فصام؟ وكيف أقنعه بالذهاب للطبيب النفسي؟ مع العلم أني اقترحت عليه مراجعة عيادة نفسية ورفض.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم ولاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

للبيئة التي يتربى فيها الإنسان دور في التحكم بتصرفاته وعقليته، وخاصة إذا كان تعليمه محدوداً، والذي ينبغي علينا أن نتقبل الناس على ما هم عليه، ونجتهد برفق ولين من أجل تغيير أنماط عيشهم حتى يكونوا على الطريقة التي تتوافق مع شرعنا وديننا.

أنصحك ألا تركزي على تصرفات زوجك، وألا تتأثري من هذه الأمور الطفيفة، ولا تجعلي هذه القضية تفسد حياتك معه بل عليك أن تغضي الطرف عن هذا السلوك.

الحوار الهادئ مع تحين الوقت المناسب لذلك هو الطريق لحل أي إشكال، أما ردود الفعل والانفعالات المباشرة فلا تزيد الأمور إلا تعقيداً.

العين حق كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد يصيب الشخص ماله أو ولده بتلك العين لكن ليس بالضرورة أن يكون كل أحد يصيب بالعين.

كثير من المعلومات المبثوثة في الشبكة العنكبوتية مغلوطة وغير صحيحة، فينبغي أن تصحح معلومات زوجك.

لقد وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الحث على ذكر الله حين رؤية ما يعجبنا في أنفسنا أو أموالنا أو أولادنا، أو ما نراه على أرض الواقع مما لا صلة له بنا، يقول الله تعالى: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما يمنع أحكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه في نفسه وماله فليُبَرِّك عليه، فإن العين حق)، وفي حديث آخر (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق)، ويقول -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة من أهلٍ ومالٍ وولدٍ فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى آفة دون الموت).

قال العلامة ابن كثير: قال بعض السلف: من أعجبه شيء من ماله أو ولده فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

على المؤمن أن يكون مؤمناً بقضاء الله وقدره، وأن كل شيء يحدث في هذا الكون إنما يحدث وفق ذلك، ولا ينبغي أن يربط الشخص كل أمر يحدث بالعين، فإن ذلك نوع من المرض النفسي.

لقد اتضح من خلال استشارتك سبب الإشكال الذي بينك وبين زوجك وهو أنه قد يكون عنده شك من أنك تصيبين من ترينه بالعين، ولذلك أقترح عليك أن تغلقي هذا الباب، وذلك بقول ما شاء الله تبارك الله على كل ما يعجبك، أو ترينه فهذا أمر قد حثنا عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، ولم يستثن من ذلك أحدا، فإن فعلت ذلك قطعت الشك الذي عند زوجك، وأرحت دماغك من كثرة وساوسه.

أوصيك أن تقتربي من زوجك أكثر، وأن تجتهدي في طاعته، وتتفاني في إسعاده، فالزوج الصالح جنة المرأة أو نارها، كما قال عليه الصلاة والسلام (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها) وقال عليه الصلاة والسلام لامرأة: (أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه ، قال: " فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك).

إذا كانت هذه الصفة في زوجك صفة سلبية فعنده من الصفات الإيجابية الشيء الكثير، وعليك أن تغلبي صفاته الإيجابية على هذه الصفة السلبية، وأن تغمريها في بحر إيجابياته.

من أفضل الطرق لاجتياز المشاكل غض الطرف، فذلك من الأخلاق التي قل من يتخلق بها، وهذا الخلق يسميه بعض أهل العلم "التغافل" وقد اتصف به أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام: يقول الله تعالى في نبينا عليه الصلاة والسلام: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ)، وهذا يوسف عليه السلام حين قال إخوته: (إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) قال الله عنه: (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ).

أقدر مشاعرك وكونك امرأة حساسة، لكن هذا لا يعني أن تبقي على ما أنت عليه، فيمكنك أن تتدربي وتتدرجي في تجاهل ما يقوله، واعتبريه إنساناً مريضاً فالمريض يصبر عليه، ولا يتأثر الشخص بما يقول أو يتصرف.

ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم ومن يتصبر يصبره الله)، وهذا دليل على أنه بإمكان الإنسان أن يغير من سلوكياته.

إنني أحس بما تمرين به من ضغط نفسي، لكنك إن استخرجت ما أودع الله فيك من الصفات الحسنة وفعلتها فإنك ستخرجين من هذه الدوامة إن شاء الله.

فعليك بالصبر والتغافل وتناسي الأمر، ومقتضى التفاؤل واليقين أن الموضوع لن يستمر، وبهذه الطريقة ستجتازين هذه القضية بنجاح.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة إن شاء الله تعالى، كما قال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق وأن يلهم زوجك الرشد إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً