الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد سنتين من الشفاء انتكست حالتي ورجعت الوساوس!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

قبل سنتين ونصف من الآن شخصت من طرفكم أني أعاني من وساوس فكرية في استشارة رقم 2305206، لم ألبث كثيرا بعد تلك الاستشارة وبفضل الله ثم مساعتكم تمكنت من الشفاء التام من تلك الأحاسيس والوساوس، ورجعت لطبيعتي.

لكن الآن بعد كل تلك المدة عاودتني الحالة وكل تلك الوساوس من جديد، كنت أظنها لن تعاودني مجددا، بعد عودتها تحطمت نفسيا، لأني لا أتخيل نفسي أعود وأتخبط في دوامة الوسواس مجددا، خصوصا في هذه الفترة من حياتي، أنا شاب في 22 من العمر، وهي مرحلة بناء الحياة والمستقبل، وأنا أسعى لذلك، لكن بعودة المرض قبل أسبوع حتما ستشل حياتي وتتعطل كما في السابق، والذي يقهرني هو ظني أني شفيت.

في وقت الفراغ أسترجع بعضا من ذكرياتي مع المرض، فتعود الحالة من جديد، بعدما كنت شخصا عاديا، علما أنها ليست أول مرة أسترجع ذكرياتي مع المرض، ولم تعاودني الحالة، لكن لماذا هذه المرة كانت السبب في رجوع الوسواس والعسر الاكتئابي؟! لا أدري!

حاليا أعاني الخوف من عدم الشفاء، وأن أتخبط بقية حياتي في هذا الابتلاء، أشعر بمزيج من الحزن والقلق وفقدان الأمل، بمجرد أن أفتح عيني من النوم أفكر في حالتي، كيف أجد لها حلا؟ و ماذا لو رجعت كما في السابق؟ حتي ولو شفيت حتما سأنتكس بعد استرجاعي للذكريات، أشعر بثقل وحرق في فروة الرأس، أرغب في البكاء، وأتمنى الموت أحيانا، حزنت كثيرا لعودة المرض الذي ظننت أني شفيت منه.

مشكلتي الأساسية هي أني لا أستطيع الإقلاع عن هذا التفكير؛ فهو يستحوذ علي، حتى وأنا أتحدث مع شخص ما، أصابني عسر اكتئابي، وكرهت كل شيء جراء حالتي هذه، أرجو منكم تشخيص حالتي، ما نوع وسواسي؟ ما تفسير عودة هذه الحالة بعد عامين ونصف؟ ما هو الدواء المثالي لحالتي والجرعة التي أخذها؟ نظرا أني لا أستطيع الذهاب لطبيب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ salah حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في استشارات الشبكة الإسلامية.

أخي الكريم: يُعرف أن حوالي أربعين بالمائة من الذين تم علاجهم من الوساوس القهرية قد تحدث لهم هفوات أو انتكاسات مرضية، والهفوة قطعًا أقل بكثير من الانتكاسة، والسبب في الرجوع قد لا يكون معروفًا، لكن هناك نظريات، فالبعض يرى أن القابلية الجينية والوراثية قد تكون سببًا، أو أن البناء النفسي للإنسان قد يكون هو السبب، أو أن الظروف الحياتية والأحداث الحياتية والضغوط النفسية –حتى وإن كانت بسيطة– ربما تجلب هذه الهفوات أو الانتكاسات.

أخي الكريم: الذي أراه في حالتك أنها هفوة، وأن الذي يُهيمنُ عليك هو القلق التوقعي، وليس الوسواس ذاته، والقلق التوقعي طاقة نفسية سلبية، لكن يمكن أن تحوّل إلى طاقة إيجابية، مجرد التركيز على فكرة مختلفة، وهي أنك قد شُفيتَ فيما مضى من هذا الوسواس، وهذا دليل قاطع على أنه ليس مرضًا مُطبقًا، وأنه قابل للتعافي وللشفاء، هذا يجب أن يُطمئنك -أخي الكريم-، والإنسان يُبتلى، والابتلاءات قد تكون متقطِّعة، أو قد تكون لفترات قصيرة أو لفتراتٍ طويلة.

أخي الكريم: لا تنزعج أبدًا، هذه الحالات معروفة، وأنا أرى في هذه المرة أنه يُفضل أن تقابل طبيبًا، لأنك ذكرت إذا كان تشخيصكم لحالتي بأنها وسواس قهري فما هو وسواسي بالضبط؟ أرجو –أخي الكريم– أن تذهب إلى الطبيب وتناقشه في هذا الموضوع بعد أن تعرض عليه كل أعراضك –أعراضك السابقة وأعراضك الآنية؛ هذا سوف يُطمئنك؛ لأن من رأى ليس كمن سمع.

الذي أراه الآن أن لديك قلقا توقعيا ذا طابع وسواسي، ولا توجد لديك أي أنماط أو طقوس وسواسية أو أفعالٍ وسواسية، وهذا إيجابي جدًّا، لأن نمط التفكير الوسواسي –أو حتى الفكر الوسواسي التوقعي– علاجه أسهل بكثير من الوساوس الانفعالية أو الاندفاعية، أو وساوس الأفعال والطقوس.

التفسير لعودة الحالة بعد عامين هو ما ذكرتُه لك مسبقًا أن أربعين بالمائة من الناس يعود لهم في شكل انتكاسة أو هفوة.

أنا أعتقد أن العلاج الدوائي سوف يفيدك جدًّا، خاصة مع قلقك التوقعي، أنت ذكرتَ أنك لا تستطيع أن تذهب إلى الطبيب، لكن أنا أفضِّلُ ذلك حتى ولو لمرة واحدة –أخي الكريم–؛ لأن ذلك سوف يبعث طمأنينة كبيرة جدًّا في حياتك.

عقار (بروزاك) يُعتبر دواءً جيدًا، الـ(فافرين) أيضًا يُعتبر دواءً مثاليًا، وكذلك الـ(سيرترالين) والذي يُسمَّى تجاريًا (زولفت)، فإذًا -الحمد لله تعالى- يوجد مجال علاجي كبير جدًّا.

سلوكيًا: أعتقد أن تفهمك لما ذكرتُه لك سوف يفيدك، وفي نفس الوقت كن حسن التوقُّع، وعش المستقبل بأملٍ ورجاء، وعش الحاضر بقوة، ولا تترك مجالاً للفراغ، الفراغ الذهني أو الفراغ الزمني كثيرًا ما يؤديان إلى استشراء الوساوس.

كثِّفْ من أنشطتك الاجتماعية والرياضية والتواصلية، والاطلاع، والمعرفة، واكتساب المهارات، وأن تكون الآن آمالك وطموحاتك أن تتحصَّل على الدرجات العلمية، صلِّ الصلاة في وقتها، واجعل لنفسك وردًا من القرآن، وعليك بأذكار الصباح والمساء، وعليك ببرّ الوالدين؛ هذه مدعمات علاجية عظيمة جدًّا لأي علة نفسية، خاصة القلق التوقعي والوسواس والخوف.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً