الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من مشكلة حب الانتقام والحقد والتوتر.

السؤال

السلام عليكم.

كان لدي قلق ورهاب مع اكتئاب، ولكن -الحمد لله- تحسنت كثيراً، بالذات الرهاب اختفى، لكن دائماً عندما تكون أموري هادئة أبحث عن مشكلة، ولو كانت من الماضي أفكر فيها.

حياتي الآن صافية -الحمد لله- وتحسنت كثيراً مثلما ذكرت من قبل، وتفكيري أصبح إيجابياً في أمور كثيرة، لكن لا زلت أعاني من مشكلة بأني أرى أن حياتي صافية، ولكن يكدرها شيء واحد، والغريب أن هذا الشيء من الماضي لم أنسه، ألا وهو زميلة لي في الجامعة حاولت إهانتي بكلمات من غير مبرر، ولكن رددت عليها ورديت اعتباري من وقتها، وأصبحت أتجاهلها لفترة، ولاحظت تحسن سلوكها معي، وكل شيء، وأنا لا زلت من داخلي أكرهها.

هذه الفترة عندما تذكرت كلامها الذي قالته، وكيف تغيرت علي اشتعلت في رغبة الانتقام، فأصبحت أبحث عن مشكلة أختلقها معها، لكي أقول لها كلاماً يقهرها، لكن أتراجع وأحاول أن أضبط نفسي، إلى أن جاء يوم صار بيني وبينها احتكاك في موضوع، فاستغليت هذا الموضوع وطلعت كل ما في قلبي، وكله كلام قاس.

المشكلة الأكبر أني إلى الآن لا أتقبلها، وتأتيني من حين لآخر رغبة الانتقام، لكن أحاول قدر الإمكان أضبط نفسي، بالذات أن هذا الشيء كنت أعاني منه منذ أيام المراهقة؛ كنت إذا تشاجرت مع أحد لا أرتاح ولا تنطفئ النار في قلبي إلا عندما آخذ حقي صاعين.

طبعاً ليس أي شخص أحقد عليه، فقط الشخص اللئيم أو الذي ينافق، فأنا شخصية حقانية أكره أن أتعدى على حدود أحد من غير سبب، ولكني أبالغ في كرهي للفئات التي ذكرتها، أعرف أن المشاعر من الله لكن أتمنى أن أتعلم كيف أضبط نفسي أكثر.

الحمد لله تحسنت كثيراً، وأنا أحاول لكن بين فترة وأخرى يأتيني تقلب مزاج، واكتئاب وقلق واستسلام، وهذا الشيء يؤثر على علاقاتي الحالية بالذات مع أهلي.

لدي مشكلة أخرى أيضاً وهي أني غالباً ألوم نفسي على أخطائي المتكررة، خاصة عندما أغضب أمي أو أي شخص غال علي ألوم نفسي كثيراً بشكل مبالغ فيه.

آسفة على الإطالة لكن مختصر ما أريد أن أوصله أحتاج طرقاً تنسيني الحقد، وطرقاً تجعلني أضبط انفعالاتي من غير آثار جانبية، مثل القلق والخوف، وعدم السلام الداخلي، وتقلل لوم الذات الذي أعاني منه.

مع العلم أني أقرأ كثيرا في علم النفس، وبحكم أني طالبة طب أفهم كثيرًا فيه، ولقيت أعراضاً لاكتئاب التكيف، الإحكام، مطابقة جداً لما أعاني منه، خاصة أني تعرضت لضغوطات قوية استمرت لسنوات أصابتني باكتئاب وعزلة لفترة.

مع العلم لدي تاريخ مسبق مع الوسواس القهري في الدين، وأشياء أخرى آسفة مرة أخرى على الإطالة، وعلى عدم التزامي باللغة الفصحى في كل السطور.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Saeedah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فما يظهر في خطابك رغم معاناتك من مزايا التمتع بالثقافة والعقل والأدب والمعرفة بفضل الله تعالى عليك، ومعرفتك بمشكلتك وأخطائك، وحرصك على تلافيها بالقراءة الجادة في كتب علم النفس والاجتماع والطب النفسي والإصلاح والتصحيح والتغيير، الأمر الذي يشكّل بداية العلاج بإذن الله تعالى، ومن المهم هنا أيضاً القراءة الجادة في كتب العلم الشرعي والإيمان والوعظ والأخلاق وفقك الله تعالى.

لوم الذات خصلة طيبة إذا كانت منكِ باعتدال، أو في لوم نفسك برفق على تقصيرها في حقوق الله تعالى أو حقوق الآخرين، والبعد عن مظاهر العُجب والغرور والكبر، وسعيك إلى طلب الكمال البشري الممكن، فهي تدل على تحلي صاحبتها بحسن الدين والخلق والتقوى والورع والتواضع، وأما إذا خرجت عن حدود الاعتدال والتوسط وبلغت حد الإفراط فهي ظاهرة مرضية نفسية ينبغي لكِ مراجعة الطبيبة النفسية، لكني لا أرى هنا لزوما ذلك، لِما يظهر منكِ من قدرتك الذاتية والعلمية والنفسية على تخطي وتجاوز المشكلة بإذن الله تعالى.

مما يسهم في العلاج محاولتك – أختي العزيزة – في إدراك الجوانب الإيجابية في نفسك وحياتك، وتعزيز إيمانك بربك وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وثقتك بنفسك بتقديرك لذاتك والتخفيف من سقف طموحاتك الزائدة وتقدير إمكاناتك، والحرص على الاستفادة من أخطائك وتناسيها وتلافيها ما أمكن.

أما بالنسبة لضبط الانفعال: فما أجمل أن ترجع المسلمة إلى الأسلوب الشرعي والنبوي في ذلك، وذلك بالحرص على علاج آفة الحقد وطلب الانتقام بالتعامل مع الآخرين بمقتضى حسن الأخلاق وحفظ حقوق الأخوّة والصحبة، ومن الجميل في ذلك المبادرة إلى الآخر بالهدية كونها تذهب وحر الصدر، وفي الحديث: (تهادوا تحابوا)، وكذا بالزيارة والمصافحة والمعاملة بالتي هي أحسن (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم).

كذلك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى : (وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) وكذا بالتزام الرقية الشرعية، وذلك بالمحافظة على الأذكار وقراءة القرآن والدعاء ولزوم الصحبة الصالحة، وكذا الحرص على الوضوء عند الغضب كما دل عليه الحديث، والحرص على التحلّي بأخلاق الحِلم والتثبُّت والصبر والحِكمة وحسن الظن بالناس، وقد صح في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم : (... وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

وقال تعالى: (إن بعض الظن إثم) وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) وتفهُّم ضعف الطبيعة البشرية وأن الأصل في الإنسان الخطأ والنقص والعيب كما دلَّت عليها النصوص، وموازنة أخطاء الآخرين بتذكُّر إيجابياتهم أيضاً والحرص على تلافي الأخطاء والعيوب ما أمكن.

من المفيد في ذلك أيضاً شغل النفس والوقت بالأعمال النافعة والمفيدة ومن أفضلها لزوم الذكر وقراءة القرآن والاجتهاد بالدراسة وتطوير الذات والقدرات والمهارات والخبرات بالقراءة والبرامج المفيدة، وتعلُّم فن التبسُّم والاسترخاء ومزاولة الرياضة لتفريغ الشحنات السلبية من الجسم.

ومن الجميل بهذا الصدد أيضاً الخروج إلى المتنزهات والتفكر في آيات الله تعالى الكونية، والبعد عن الأسباب والشخصيات الجالبة للتوتر والقلق ما أمكن، ولا بأس بالتنفيس عن الغضب بالبوح لأهل الثقة والأمانة.

لا بد من شكوى إلى ذي مروءةِ ** يواسيك أو يسليك أو يتوجعُ.

لا أفضل وأجمل من اللجوء إلى الله بالدعاء والاستغفار، وأسأل الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك، ويشرح صدرك ويغفر ذنبك ويستر عيبك، ويرزقك التوفيق والنجاح في حياتك وسعادة الدنيا والآخرة، والله الموفق والمستعان.

كما يمكنك الاستفادة من هذه الاستشارة: (99602) ومما فيها من علاج سلوكي.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً