الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حاصل على الماجستير وأشعر بالفشل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا: أشكركم على موقعكم الرائع، وأرجو من الله تعالى أن يتقبل منكم هذا العمل، وأن أجد عندكم ما يشفي صدري.

بحمد الله تخرجت من الجامعة، وأكملت دراساتي العليا، وحصلت على درجة الماجستير، والآن في أعتاب النهاية من الدكتوراه، ورغم كل ذلك أشعر بالفشل، وأتمنى لو أنني أفعل شيئا في حياتي، لا أعرف ما هو، أحيانا أشعر برغبة شديدة في الانتحار، وينتابني هذا الشعور من وقت لآخر، أشعر بأنني أريد إنهاء حياتي لعلي بذلك أستريح.

أعاني من هذا الشعور، ولا يمنعني سوى أنني أرى أمي حزينة على فراقي، أشعر أن أبي هو سبب فشلي، فكلما فعلت شيئا أراد أن يلزمني برأيه.

عملت في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، وأثبت جدارتي وترقيت، حتى وصلت لدرجة نائب مدير الفرع، ولكن عندما عينوني مديرا لم أتحمل الضغط، فاتخاذ القرار عمل صعب، فيما سبق كنت أنفذ التوجيهات بحذافيرها، اعتذرت وقدمت استقالتي، والآن لم أعمل بعد، قمت بشراء سيارة أجرة رغم أنني لا أعرف القيادة، ولأنني أشعر بضغط علي لا أريد أحدا أن يوجهني وأبي وأخي يصران على ذلك، أنا حر في تصرفاتي، أحيانا أتمنى لو أنني لم أكن معهم بهذا البلد، أتصرف كما أشاء.

الحمد الله أردت خطبة إحدى الفتيات، ولكن أمي أرادت أخرى فخطبت التي تريدها أمي؛ رغبة في إرضائها، ولله الحمد الفتاة ملتزمة وذات خلق ودين، عندما تركت وظيفتي كان الكل يوجه لي النقد، أما هي فقد شجعتني وتحدثت لي عن انقطاع رزقي من هذه الوظيفة، أما الكل من الذين حولي يوجهون لي النقد، فأبي يفرق بيني وبين أخي في المعاملة، فقد قام بشراء سيارة لأخي، بل زوج أخي ودفع له كل مصاريف زواجه، تركت وظيفتي وتبقى لي بعض الرسوم الجامعية التي لم أدفعها، فهو لم يعطني المال، وقال: يجب أن أعتمد على نفسي، فأنا عندما كنت أمتلك المال دفعت له ولأخي الكثير، حتى عندما تزوج أخي دفعت له نصف تكلفة زواجه.

عندما أنظر لابن عمي ذي 27 عاما وما زال في مرحلة دراسته الجامعية، وأراه يجري وراء الفتيات وتعاطي المخدرات، ويراه الجميع فاشلا أرى أنه ناجح؛ لأنه لا يكترث لأحد، ولا يأخذ برأي أحد، وحتى في وجود أبويه وإخوته تراه يسب ويتعاطى.

عندما كنا صغارا كنت إذا خرجت مع أبي ووجه لي النقد أمام الناس مثلا: سلم كويس، ارفع صوتك، لا تشرب الشاي، لدرجة أنني أصبحت أكره أن أتواجد معه في مناسبة اجتماعية.

رأيت في منامي مرة خيول كثيرة تجري من صحراء إلى منطقة خضراء فما تفسير ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
الانتحار محرم شرعا، كما لا يخفى عليك، وهو انتقال من بلاء متحمل في هذه الدنيا الفانية المليأة بالأكدار والأقدار إلى نار جهنم، وعذاب لا يستطيع الإنسان تحمله -والعياذ بالله تعالى-.

احذر من وساوس الشيطان التي تؤزك نحو هذا السلوك السيء، واعلم أن هذه الدنيا دار بلاء وابتلاء، فلو كانت تصفو لصفت لصفوة خلق الله وهم الأنبياء والرسل، ولعلك تدرك ما لاقاه الأنبياء من التكذيب والأذى والاحتقار واتهام أعراضهم، بل وصل الأذى في حق بعضهم إلى القتل.

مهما قسا والدك عليك فقسوته صادرة عن حب وليس عن كره، فهو يريدك أن تكون متميزا في كل أمورك، فلا تأخذ بخاطرك عليه فهو سبب في وجودك في هذه الحياة، والله تعالى أمرنا جميعا ببر الوالدين لكونهما اتصفا بهذه الصفة لا لشيء آخر، فقال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ )، وقال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).

تفضيله لأخيك إن وجد كما ذكرت أمر غير مقبول منه وهو محاسب على ذلك، فلا تجعل ذلك الأمر سببا في عقوق والدك.

أنت تحتاج إلى أن تشحذ همتك وتستنهض ما أودع الله فيك من صفات لتكون صاحب شخصية قوية متميزة، فأنت -ولله الحمد- قد حققت الكثير من الإنجازات سواء في الدراسة أو في العمل، ولكن رسائلك السلبية التي تعطيها لنفسك هي التي تكبلك عن الانطلاق والإبداع.

هنالك دورات في المهارات يقيمها بعض المراكز يمكنك الاستفادة منها في تنمية مهاراتك وصقل موهبك.

حان الوقت كي تستقل وتتزوج وتبني أسرة مسلمة وتتحمل مسئوليتك، وأرى أن هذه الفتاة التي خطبتها مناسبة كونها صاحبة دين وخلق وعاقلة فلا تترد في إكمال المشوار، وأبعد عن ذهنك أنك غير راغب فيها، وإنما خطبتها إرضاء لوالدتك، وإن كنت قد فعلت ذلك فسيجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا كونك بررت بأمك، وكونها صالحة -إن شاء الله تعالى-.

ابحث عن عمل في مجال التدريس في إحدى الجامعات، أو عملا في مؤسسة من مؤسسة الدولة تتناسب وشهاداتك العلمية، ولعل الله يسير لك رزقا واسعا.

احتسب الأجر عند الله فيما بذلته من أجل أخيك فالمعروف لا يضيع عند الله سبحانه وسيخلف الله عليك خيرا.

كن على يقين أن هذه الدنيا دار بلاء، وأن المؤمن مبتلى فيها، وأنه يعيش بين أجرين أجر الصبر وأجر الشكر، يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وحين سأل سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).

وثق صلتك بالله تعالى، واجتهد في تقوية إيمانك فبالإيمان والعمل الصالح تستجلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

ابدأ بتغيير نفسك نحو الأفضل من هذه اللحظة وستجد أن الله يعينك كونك سلكت الطريق الصحيح، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

جاهد نفسك للخروج من الحال التي أنت فيها وسيهديك الله إلى سبل الخير، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

أما رؤياك فهي تدل على أنك ستخرج إن شاء من هذه المحنة، وسوف يكون لك مستقبل سعيد -بإذن الله- فالخضرة تدل على الراحة والسعادة والطمأنينة.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لكم التوفيق والسعادة إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً