الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصابة بالوسوسة والقلق مع أني أصلي وأذكر الله، هل في إيماني خلل؟!

السؤال

السلام عليكم..

عمري 23 سنة، عندي مشكلة تضايقني، أنا صاحبة استشارات سابقة، وأتمنى أن تجيبوا على سؤالي بصبر وتفهم.

عندما أحزن لا أصلي، وأتوقف عن الاستغفار والذكر لمدة يوم مثلاً، أنا مخطئة بالتأكيد، وأعلم أن هذا التصرف يدل على خلل بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وسوء التوكل عليه.

لدي ورد يومي تقريبا وأذكار، أصلي الصلوات، لكن صلاة الصبح مقصرة فيها، فقليلا ما أُصليها حاضراً، أذكر الله كثيرا حين أعمل في المنزل، وفي الطريق أستغفر كثيراً، وأدعو الله كثيراً فالدعاء عبادة عظيمة.

أعاني من قلق وسواسي ومخاوف ونوبات هلع، وذهبت سابقا لطبيب نفسي، لكن أحيانا أمر بأوقات يأس شديد وقنوط وشعور بانتهاء الحياة وتوقفها، أشعر -أستغفر الله العظيم- أن الله غير موجود، وأنه لا يساعدني، وأنني أتعذب من حالتي النفسية السيئة، حتى أن قراءة القرآن لا تشعرني بالطمأنينة حينها، ولا الاستغفار، وأفقد الأمل بكل شيء، حتى الصلاة بلا طعم، وأشعر أنها بلا فائدة، حيث لا شيء يشعرني بالراحة!

أعلم أنني مخطئة، لكن هذا التصرف تكرر عندي كثيراً.

أُحاول دائما أن تكون عبادتي مخلصة لله وحده، لأنه إله يستحق أن يعبد، وهو مكون الأكوان، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، لكن عند الأزمات تظهر الحقيقة ويبان الخلل.

أنا عقلانية جداً، في مراهقتي كنت أشك بوجود إله، وكنت أعيش حربا نفسية لم أفصح عنها لأحد، رغم بيئتي المتدينة، إلا أنني فضّلت أن أبني قناعاتي وإيماني بنفسي، وأن أرى بعينيّ الدليل، وأن أؤمن من صميم قلبي إيمانا حقيقياً، والحمد لله من الله علي بالهداية.

آمنت بالله بالعقل والدلائل القاطعة، أتمنى أن تكون الإجابات عقلانية كذلك.

هل إيماني ضعيف؟ إذا كنت أفعل كل ما سبق من ذكر وصلاة ودعاء لم إيماني ليس قوياً كفاية؟! وما مشكلتي؟

شكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Gama حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كان الله في عونك، والجواب على ما ذكرت يكمن في الآتي:

عليك بداية سؤال الله لك أن يمن عليك بصلاح الشأن، فقولي هذا الدعاء الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لابنته فاطمة -رضي الله عنها- حيث قال: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» رواه النسائي وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 1913. كرري هذا الدعاء في الصباح والمساء، ويمكن الدعاء به في السجود، وأبشري بخير بإذن الله تعالى.

أمر آخر: أن الاضطراب في التدين ما بين النشاط ثم الكسل، والوقوع في الحزن، فهذه علامة على وجود اضطراب نفسي، وقد يكون لديك مشاكل، وبما أنك قد ذهبت إلى طبيب نفسي ولم تجدي فائدة؛ فالذي أنصحك به: قراءة الرقية الشرعية، من الفاتحة، وآية الكرسي والمعوذات ونحوها، والمداومة على ذلك صباحا ومساء.

إذا طرأ عندك شك أو وسواس عن وجود الله أو نحو ذلك، مع أنك تتغلبين على هذا الشك والوسواس بين فترة وأخرى، لكن ينبغي عليك أن تعلمي أن هذه الشكوك والوساوس من مداخل الشيطان، فعليك ترك الاسترسال معها، وقطع التفكير فيها، وعليك الاستعادة بالله من الشيطان الرجيم، وعليك قول "آمنت بالله ورسوله" هذه الطريقة في معالجة الوسواس ثابتة عن بنينا صلى الله عليه وسلم، وهو دواء نافع بإذن الله تعالى.

كونك عقلانية، وتحبين أن تعرفي كل شيء بنفسك، هذا أمر حسن، ولكن لاشك أننا نحن المسلمين لدينا جزء من عقيدتنا نأخذها عن طريق التسليم للغيب، ولا نناقش في ذلك، والإيمان بالغيب من صفات عباد الله الصالحين، والعقل دوره منحصر في الأمور المشاهدة والأمور التي في دائرة إدراكه، ولهذا أنصحك أن تجعلي العقل في نطاقه من غير غلو؛ حتى لا يوقعك في الشكوك فيما هو ثابت في ديننا أو العبادة أو في العقيدة.

مسألة التثاقل عن صلاة الفجر، لا يخلو سببه من سببين: الأول: الذنوب والخطايا، والثاني: مرض نفسي، قد يكون من أعراض مس أو سحر، ولعلاج المرض النفسي المذكور تقدم بأن عليك المداومة على قراءة الرقية الشرعية.

وأما علاج السبب الأول: فيمكن أن أنصحك بالنوم المبكر، وأخذ قسط واف منه سيكون لك عونا على المحافظة على صلاة الفجر في وقتها.

ومما يعين على المحافظة على صلاة الفجر في وقتها: النية الصالحة، وأنك تريدين بصلاتك وجه الله، ومما يعين المعرفة لفضل صلاة الفجر وما فيها من الخير، وإليك طرفا من تلك الفضائل.

فعن بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني] وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " [رواه مسلم] فإذا كانت سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها فكيف بصلاة الفجر؟! فلا شك أنها أعظم أجرا.

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِد يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ كَالْقَانِتِ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ " [أخرجه أحمد].
حضور الملائكة؛ قال جل في علاه: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء78] وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ" [رواه مسلم].

وعَنْ جَرِيرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِى الْبَدْرَ - فَقَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ - تضارون - فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " يعني الفجر والعصر،ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}، قَالَ إِسْمَاعِيلُ -أحد رواة الحديث- افْعَلُوا لاَ تَفُوتَنَّكُمْ [متفق عليه] .

وعن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" [رواه مسلم].

عَنْ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ، وَصَلاَتُهُمْ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ" [رواه أحمد].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ -الفجر- فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ" [رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" [رواه مسلم]؛ ومعنى في ذمة الله أي في حفظ الله ورعايته، كما أن المحافظة عليها في وقتها ومع الجماعة السلامة من النفاق؛ فعن عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ صَلاةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والْعِشاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فيهما لأَتَوْهُما وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ المُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَىَ مَنْ لا يَخْرُجُ إلى الصَّلاةِ بَعْدُ» رواه البخاري برقم 657.

ومما يعين على المحافظة على الصلاة: النوم على طهارة وقراءة أذكار النوم؛ وإذا انتهيت منها فأكثري من الاستغفار حتى تنامي، ومما يعين أيضا: أن تضعي لك منبها ينبهك للصلاة، وأنت تتعاوني مع غيرك ممن يسكن معك على الإيقاظ للصلاة.

وأخيرا قبل الحديث عن تقوية الإيمان: لابد أولا أن يكون لك قراءة وحضور مجالس العلم لتتعرفي على حقيقة الإيمان ولوازمه، وبعد ذلك يمكن الأخذ بما يقوي الإيمان من قراءة القرآن، وكثرة الاستغفار والذكر، والمحافظة على الصلاة، ومجالسة الصالحات، والقيام بالدعوة إلى الله تعالى، وغير ذلك مما يقوي الإيمان بالله.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً