الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضوا زواج ابنهم مني دون أن يتعرفوا علي، فهل يحق لهم ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عربية، متدينة وأخاف الله، تعرفت على شاب عربي من بلد آخر واتفقنا على الزواج، لكن أهله رفضوا وأصروا في رفضهم بحجة أنني من مكان بعيد، مع العلم أني سأنتقل للعيش معهم وليس العكس، كما مارسوا سلطتهم عليه وأجبروه على الاختيار بيني وبينهم.

هل يجوز للأهل إجبار الابن على الزواج حسب اختيارهم؟ تعبت جدًا، وصحتي في تراجع بسبب قرارهم؛ لأني لم أمسهم بضر أو بشيء يعصي ربي، علمًا أنهم لم يتعرفوا عليّ ولم يتواصلوا معي.

أرجو الاستفادة منكم بحجج قرآنية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Elena حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيكِ –أختي العزيزة– ومرحبًا بكِ في موقعك، وأسأل الله أن يفرج همّك ويشرح صدرك، وييسر أمرك، ويُقدّر لك ما فيه الخير، ويعينك على طاعته ومرضاته.

- بخصوص سؤالك عن مشروعية إجبار الوالدين لأولادهم عن الامتناع بالزواج ممن يختاره الأبناء ممن يرتضونه من الزوجات، فقد ثبت إجماع العلماء أنه لا يشترط إذن الولي في زواج الرجل، وعليه فعدم مشروعية فرض زوجات على أبنائهم من باب أولى.

- إلا أنه ولا شك أن الواجب أولاً على الأولاد –ذكورًا وإناثًا– إطلاع والديهم عن مشروعهم في الزواج، وبيان مزايا الطرف الآخر الذي يرغبون في الاقتران به؛ ذلك لأن أمر الزواج حساس ومهم، وهو لا يختص بالزوج أو الزوجة فحسب ولكنه يمس أيضًا مصالح ومشاعر الأسرة كما لا يخفى؛ حيث يصير الزوجان جزءاً لا يتجزأ من العائلة، فسعادتهم أو شقاوتهم تعني العائلة وتؤثر فيهم سلبًا أو إيجابًا حاضرًا ومستقبلاً، ولذلك فمن المتوقع أن يرفض الأهل اقتران أولادهم بمن لا يعرفونه ولا يرتضونه، لا سيما مع ما جلبته وسائل التواصل الاجتماعي من علاقات ربما كان بعضها يشوبها عدم المعرفة الكافية واللازمة بالطرف الآخر؛ حيث يتزيّن بعضهم لبعض بصفات غير واقعية، ربما تفاجأ الطرف الآخر بها أو انزعج منها بعد الزواج؛ مما يؤدي إلى الفشل والنزاع والطلاق أحيانًا أو كثيرًا مع مر الزمان، وكونك على جانب طيّب من حسن الدين والخلق والأمانة والعِفّة؛ فإن هذا من المحفّزات على الإقناع –بإذن الله– إذا وفّق الشاب ومن يثق به للصبر والحكمة واللطف في إقناع والديه.

- نوصي الأبناء والبنات بالتنبُه والحذر من تجاوز الضوابط الشرعية في التواصل الاجتماعي بين الشباب الأجانب: كالتوسع في الكلام، واللين فيه، وتبادل عبارات الغزل ونحوِه؛ منعًا من الوقوع في المحظورات الشرعية (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن).

- فإذا ثبت أنكِ والشاب المذكور قد عرف بعضكما بعضًا واطمأننتما لبعض وقررتما الزواج عن معرفة وقناعة تامة، فإن الواجب على الشاب أن يدخل مع والديه في حوار واضح وهادئ متحليًا بالحكمة في اختيار الوقت والأسلوب المناسبين في إزالة الشبهة لديهما، وبيان المعرفة التامة للفتاة وكونها وفق المزايا الشرعية من التحلي بحسن الدين والخلق ونحوهما، ويحسُن الاستعانة بمن يأنس منهم القبول لدى والديك والتأثير عليهم في إقناعهم بهذا الزواج من الأهل والأقارب أو أهل العلم المعروفين لديهم خاصة.

- وأما إذا أصر والدا الشاب المذكور على رفض هذا الزواج، فإننا ننصح الشاب بعدم فرض الأمر على والديه، طاعة لهما، وخشية من نشوب المشكلات الزوجية والأسرية في المستقبل والتي قد تُفضي إلى الفشل؛ مما يضر بمصلحته ومصلحتك ومشاعرك وحياتك أيضًا، بخلاف أمر الطلاق فإنه لا يجب على الزوج تطليق زوجته طاعة لوالديه إلا لضرورة شرعية أو خشية لمفسدة حقيقية؛ إذ الحفاظ على بقاء أمن الزوجين والأولاد هو الأوجب.

- أوصيك بصدد تحصيل عون وتوفيق الرحمن والاستقرار النفسي والاطمئنان بلزوم الدعاء وصلاة الاستخارة، والذكر والاستغفار، ونوافل الصلاة والصدقة والصوم وقيام الليل، مع ضرورة الاستعانة بالله والتوكل عليه وتوكيل الأمر إليه، واستحضار قوله سبحانه: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، فأحسني الظن بالله تعالى وعززي الثقة بالنفس، وتحلّي بواجب الصبر على البلاء والشكر للنعماء والإيمان بالقدر، والرضا بالقضاء، واحتساب الثواب والجزاء؛ فإنه لا يكون شيء في الكون إلا بمشيئته وإرادته سبحانه، وهي متعلقة بكمال علمه وحكمته جل جلاله: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليمًا حكيمًا).

أسأل الله أن يفرج همك، وييسر للخير أمرك، ويختار لك ما فيه الخير لكما في الدين والمعاش وعاقبة الأمر، والله الموفق والمستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً