الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أستطيع التعامل بحزم مع أخي الأصغر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله .

أنا فتاة في 19 من العمر، لدي أخ وأخت، وأنا الكبرى، أخي الصغير في 14 من عمره، عندما نتشاجر أو أوبخه على بعض السلوكيات السيئة في النظافة أو النظام يبادر بضربي، وكنت أشتكيه لوالدي كثيرا بسبب ذلك، فلا أجد منهم سوى توبيخه بدون عقاب، فوالدي وللأسف الشديد لم يكن مثالاً جيداً في هذا الموضوع، ولا يعبأ حتى بأن ينصح أخي، بل يمنعني من عقابه أو الرد عليه بالمثل، ويطلب مني العفو والصفح عن أخي، ولكنه أصبح يتمادى مع الجميع، فلا يكاد يضربني إلا ويأخدني الغضب الشديد فيعلو صوتي وأبادر بسبه وإهانته إهانات مؤلمة ومعايرته، فهو متفوق في دراسته ومجتهد جداً، إلا أنه متوسط الذكاء، فذلك يمنع والدي من ضربه أو معاقبته شفقة به، وأنا دائماً ما أؤنب نفسي بعد ذلك، وأبكي بكاء شديداً، فأنا أكره تلك الإهانات، ودائما أشجعه وأفتخر به وأحبه، والذي يؤلمني هو حزن أمي، وأشعر بأنها تأسى أسى شديدا عندما أصبحت أفعل ذلك، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جهاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وأهلاً وسهلاً بك في الموقع, وأشكر لك جميل محبتك لأخيك وافتخارك به، وتشجيعه وحرصك على مصلحته، ومحبتك لوالديك, سائلاً الله أن يُفرّج همّك، ويحفظ والدك وأسرتك، ويصلح أخاك، ويرزقك الصبر والحكمة والتوفيق والسداد.

وأما بخصوص شكواك من تعبير أخيك عن غضبه بعصبية وعدوانية, فإن بداية العلاج تستلزم منك أولاً ضرورة تفهُّم الأسباب الدافعة له إلى هذا السلوك، والحرص على معالجتها، أو الحد والتخفيف منها, حيث إن الكثير من الأطفال يلجؤون إلى مثل هذا السلوك بالطبيعي بسبب نموهم الجسدي والعقلي، أو بسبب عوامل وراثية، أو بسبب قلة النوم، أوالتنفيس عن زيادة الطاقة، أو بسبب الشعور بالإحباط أو الكبت والنقص، وإظهار القوّة، أو تقليد أفلام وبرامج العنف كما تقول الدراسات.

لذا فإن لجوءك إلى توبيخه بالضرب نتيجة أخطائه أمر غير صحي وغير سليم البتة؛ إذ الأصل عدم استخدام الضرب مطلقاً إلا من الوالدين فحسب، وبقدر الضرورة, كون مواجهة العنف بمثله مما يزيد في إقناعه وتربيته عملياً باتباع منهجية العنف والعدوانية في التعبير عن الغضب, لاسيما عند الطفل ذي الميول العصبية والعدوانية, فالقسوة لا تختلف عن التدليل في سوء النتيجة والتأثير.

الواجب أن يحرص الوالد, أو من تأنسين منهم القبول لدى أخيك والتأثير عليه بالجلوس والتواصل مع أخيك والحديث معه – حفظه الله وأصلحه وهداه – والحرص على التفرّغ له ومصاحبته والتقرّب منه، والتحبب والتودد إليه، والاستماع له وإبداء التفهُّم لمشاعره واحتياجاته، وإشعاره بالحب والحنان والأمان, وعدم اليأس في الاستمرار في مناصحته بلطف ورفق, وبذل السُبُل المتعددة في توجيهه وإرشاده، وعدم التخلي عن تحمُّل مسؤوليته، مهما بلغت أخطاؤه وبلغ عناده وإعراضه, لاسيما وكون أخيك في زمن تكثُر فيه المؤثرات التربوية السلبية, وفي بداية الشباب، حيث يكثُر فيه حب التمرد والعناد والغضب وإثبات الذات.

من المهم اتباع أسلوب الترغيب والترهيب، والاكتفاء بمجرد التوجيه بالنصح أو التعزير بالتوبيخ باللسان عند الخطأ، وفي المقابل بالتشجيع والمكافأة عند فعله للصواب، وتوفير القدوة الحسنة منك ومن الوالدين بضرورة الالتزام بالدين والأخلاق، والبعد عن المشاحنات الأسرية، كما صح في الحديث : (كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه, أو ينصرانه, أو يمجسانه) وقال الشاعر:

ويـنشأ نـاشئ الـفتـيان منّا ** على ما كان عوّدَهُ أبوهُ
وما دان الفتى بِحِجاً ولكن ** يـعوّده الـتديتن أقـربـوهُ

التحفيز والتشجيع الإيجابي له، لاسيما مع ما ذكرت من تميزه بالاجتهاد والتفوق في دراسته، رغم توسطه في الذكاء, ومن المهم في المقابل اتباع سياسة الحزم والصرامة والاعتدال والعدل في المعاملة له، وعدم المبالغة في التدخُّل في سلوكه وأموره إلا بقدر الضرورة.

الحرص على غرس محبة الله وتعظيم الشرع في قلبه, وذلك من خلال مشاركته استماع المحاضرات والخطب والمواعظ والبرامج النافعة والمفيدة, والدفع به إلى حلقات العلم وتحفيظ القرآن وأعمال الخير، وتحذيره من وسائل الإعلام المفسدة، والتحصين الإيماني والأخلاقي من وسائل الإعلام المشجّعة على الميوعة والانحراف.

- تهيئة المدرسة الجيدة والرفقة الصالحة، وإبعاده عن رفقاء السوء وترغيبه في مجالسة الصالحين، وعلى الثقة بالنفس وضبطها عند الغضب، وتعويده حسن اتخاذ القرارات، والاهتمام بالوقت والتركيز على الدراسة.

تشجيعه على تفريغ غضبه وطاقته في الدفع به إلى الاشتراك في الأندية الرياضية وممارسة هواياته, والخروج مع الأهل والصحبة الطيبة إلى زيارة الأقارب والمتنزهات.

ولا مانع عند اللزوم بعد بذل الجهد اللازم والمذكور في تهذيبه من عرضه على طبيب مختص، ولا أفضل وأجمل من اللجوء إلى الله تعالى والإلحاح عليه بالدعاء , لاسيما الدعاء في جوف الليل (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما).

أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الدين، ويهدينا صراطه المستقيم، ويوفقنا إلى ما يحب ويرضى, والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً