الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من مشكلة التناقضات في اتخاذ القرارات

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من مشكلة منذ وعيت على هذه الدنيا، لا أجد معنى لتناقض تصرفاتي، الجميع يتناقضون مع أنفسهم لكنهم يجدون الحلول في كبح أنفسهم والمحاولة.

أما أنا فمتناقضة دون أن أعي ذلك، أقوم باتخاذ قرارات لست أهلاً لها، لكني كنت أعتقد عند اتخاذي لهذه القرارات أنها تصلح لي بنسبة 100٪ وأكون متيقنة من ذلك.

أنا سئمت من نفسي، ولا أجد أي مخرج أمامي، مزاجي متقلب حاد، يوماً أبكي بدون سبب واليوم الآخر كأني إنسانة أخرى، أستيقظ أكون سعيدة جداً بدون سبب أيضاً.

في هذه الدقيقة أنت أعز أصدقائي وبعد دقيقة لا، لست كذلك! وأنت غريب تماماً عني، الأغلب لديهم ميول قليلة، أما أنا فميولي متعددة، وأبدع في كل شيء، لكني لا أستطيع الاستمرار في شيء واحد.

إنسانة مهزوزة حتى مبادئها ومعتقداتها تتغير بين يوم وليلة!

خسرت أموالاً طائلة على مشاريع كثيرة غيرت رأيي فيها، ولم تعد تهمني فجأة!

ذات مرة استيقظت من النوم وأنا فرحة جداً دون سبب، وأمسكت بالمقص وقصصت شعري نصفه، لم أتهيأ لذلك، ولم أخطط، ولا أعلم ما السبب وراء هذا التصرف، وذات مرة استمريت في جمع مبلغ كبير مدة 3 سنوات، وكنت أخطط أن أستثمره في شيء مفيد لي ثم بلا سابق إنذار أذهب للتسوق وأشتري كل شيء دون فائدة أمامي!

حياتي ضاعت، وأنا متقلبة متناقضة لا أعرف الاستمرار في شيء، أكتب معضلة حياتي وأنا أبكي، لكن احتمال لو قرأتها غداً سأضحك وأقول لنفسي لا لا، أنا لا أعاني بتاتاً من كل هذا، لماذا تبالغين فأنتِ طبيعية! ثم أشعر بالغضب؛ لأن لا شيئا يتحرك في حياتي غير رقم عمري، وأنا واقفة مكاني لا أعلم ماذا أفعل، وما هو هدفي؟!

أصبحت مثالاً على الشخص المتناقض، أضحوكة للجميع، وهذه الأمثلة كلها غيض من فيض، لم أكمل شيئاً في حياتي للنهاية، ولا حتى للوسط، ولو أجبرت نفسي على إنهاء الأعمال لمتُّ من الشعور بالاختناق، وكأني تحت الماء أو داخل أنبوبة غاز، كل شعور في حياتي مؤقت بشكل مبالغ فيه.

أنا أحاول أن أكون أنا لكن لا أعلم من أنا، فلو أعجبت بشخصية مثلاً من الممكن أن أستنسخ صفاتها بالكامل لي من أول نظرة، حتى لو تطلب الأمر أن أفعل بعض المحرمات وأعترف بأشياء كاذبة، وفي المقابل هذا الشخص يتعجب ويعجب بي هو الآخر لشدة تشابهنا، وكل هذا لا يكون لفترة طويلة، فإعجابه بي يبرد في وقت قصير لأنه مبني على كذب.

عمري ذهب ضحية تساؤلات وقرارات متهورة بشكل سريع، حتى في الدراسة والتخصصات، لا أتوب منها ولا أتعظ، ما هي مشكلتي إذا كانت هناك مشكلة؟ وما علاجها؟

فكرة الانتحار تسيطر علي، وأشعر بالضغط من نفسي بأني هذه المرة لا أستطيع الاستمرار في حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Najma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
كنتُ أتمنى أن تذكري عمرك، لأن هذا له أهمية، مع نوعية الأعراض التي وردتْ في رسالتك.
وصفك لحالتك بليغ جدًّا، فيه رصانة تعبيرية، وما يتعلَّق أيضًا بالمعاني ومشاعرك الحقيقية، أرى أن الرسالة انعكاس حقيقي لشخصيتك، وكذلك لما يدور في وجدانك ومشاعرك.

نحن هنا – في إسلام ويب – نُقدِّم هذه الاستشارات الالكترونية بهدف توضيح بعض المعالم للناس، وقد لا نصل لتشخيص نهائي، والحالات التي نرى أنها تستحق أن يذهب الإنسان إلى الطبيب المختص نقوم بتوجيه هذا النصح.

البيِّنات الموجودة أمامي، وهي رصينة كما ذكرتُ لك، تدلُّ على أن علَّتك الرئيسية تتمركز في البناء النفسي لشخصيتك.

ما وصفته – وبدقة ممتازة – يوضِّح أن العلَّة تكمن في أبعاد شخصيتك، والسمات التي وردتْ تتطابق مع المعايير التشخيصية لما يُعرف بـ (الشخصية الحدّية) أو (الشخصية البيْنيَّة)، وأراها من النوع البسيط إلى المتوسط، ليس من النوع الشديد أو الحادّ.

هذا النوع من الشخصيات بالفعل يُميِّزهم الشعور بالتقلب المزاجي الشديد، وهيمنة الخواء الداخلي، والتصرُّف الاندفاعي والانفعالي، وكل هذا متوفر عندك، وعدم الاستمرارية في العلاقات أيضًا يُميّز الشخصية الحدّية.

الإضرار بالذات من خلال محاولات الانتحار وخلافه أيضًا نُشاهده في نحو 40 - 50% من الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الحدّية، ويكونُ هنالك أيضًا شيء من الاكتئاب النفسي وعُسر المزاج.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أؤكد لك أنه يمكن مساعدتك بصورة ممتازة جدًّا، من خلال العلاج النفسي السلوكي المنضبط، وهذا لا يمكن أن يتوفر إلَّا من خلال الذهاب إلى طبيب نفسي، فالذي أنصحك به أن تذهبي إلى الطبيب النفسي مباشرة.

العلاج له مسارات أربعة: هنالك العلاج النفسي السلوكي، وهنالك العلاج الاجتماعي، وهنالك العلاج الإسلامي، وهنالك العلاج الدوائي.

هذه المسارات الأربعة حين تلتقي - ويلتزم بها الإنسان الذي يحتاج للمساعدة النفسية – تكون النتائج رائعة جدًّا، وأنا أراك إن شاء الله تعالى ستلتزمين بكل الإرشادات والتعليمات الطبية التي سوف يقوم المختص بإخطارك بها.

فكرة الانتحار – كما ذكرتُ لك – مرتبطة بالتقلُّب المزاج، لكن بفضل الله تعالى قلَّ مَن يقْدِمُ على هذا الفعل الشنيع، وأنتِ إن شاء الله تعالى في حفظ الله تعالى ورعايته، حقِّري هذا الفكر تمامًا، والحياة طيبة وجميلة، وأرجو أن تذهبي وتقابلي الطبيب المختص.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً