الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش في قرية مع والديّ بعيدا عن إخوتي وأتحمل كل الأشغال وحدي

السؤال

السلام عليكم

أنا بنت بعمر 27 سنة، غير متزوجة، أصغر واحدة بالعائلة، أعيش مع أمي وأبي في قرية ريفية، وإخوتي الباقون كلهم مستقلون في مدن ثانية، يجيئوننا بالإجازات فقط.

دايماً أنا الضحية بكل شيء، فأنا أشتغل بالبيت، أنا مسئولة عن التنظيف، أنا أعمل كل شيء، حتى حين يأتي إخواني وزوجاتهم موجودات أنا أعمل كل شيء، لا يقبلون المجيء بخدامة تساعدني! صرت محرومة من كل شيء، لا أسافر ولا أطلع مكاناً، وليس لدي صديقات، ولا أذهب عند جيران، فكل جيراننا نساء كبيرات، وليس لديهن بنات بعمري.

صرت طول وقتي أعمل، ولما أجلس أقعد مع جوالي! الفترة الأخيرة تحملت فوق طاقتي، وأمي سافرت للعلاج بمدينة ثانية، وأنا صرت أعمل بالبيت، وأشتغل عند الغنم، وطلبت من أبي ليأتي بعامل يساعدنا بالغنم، فيتجاهلني وقال: أنا سأعمل، وأنت اقعدي!

أنا أخاف على أبي فهو مريض بالقلب، وقلبي لا يطاوعني أن أرى أبي يعمل، وإخواني غير متعاونين معنا أبداً، كل واحد مشغول بزوجته وعياله.

لما أطلبهم شيئاً يقولون: اعملي كل يوم عملاً واحداً، ولا تعملي كل شيء مرة واحدة، اعملي أنت ما عندك شيء، فقط قاعدة!

صرت أكرههم، وصرت أبحث عن أناس أتكلم معهم، ويهتمون في، صرت أعمل حسابات على مواقع التواصل وأتكلم مع شباب، صرت أبحث عن الحنان بعيداً عن أهلي.

أنا حزينة على حالي، طول الوقت أفكر لو أني أعيش مع العائلة الفلانية لعملوا لي كذا وكذا، لو أن فلاناً هو أبي لكان وضعي أحسن، ليت عندي مثل فلانة! صرت أحسد غيري، والله ما كنت كذا أبداً، فأهلي لا يحبونني، فأنا مجرد شغالة بهذا البيت، أوقات أفكر أنهي حياتي ولكن أخاف على أمي وأبي أن يحزنا.

لا أعرف ماذا أعمل بنفسي، أحياناً أتمنى أن أمرض أبشع الأمراض لأجل أن أحدا يهتم في، وكذلك من العجيب أني لا أبكي أبداً، ولا ينزل لي دمع، آخر مرة بكيت كان في وفاة شخص عزيز علي قبل 6 سنوات.

أريد نصيحة كيف أمشي في أمور حياتي؟ وكيف أعيش في هذه الظروف وأنا حزينة جداً؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, سائلاً الله تعالى أن يفرّج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقك الصبر وعظيم الثواب والأجر.

بخصوص تعبك في عمل البيت لأسرتك عامة مع عدم توفير الخادمة للمنزل والعامل للأرض, وتجاهل والدك – عافاه الله وغفر له – لشكواك, فإني أنصحك – أولاً – بمحاولة إقناع والدك بالحكمة والهدوء، وكمال اللطف والرفق والأدب, ويمكنك الاستعانة في ذلك بمن تأنسين منه الحكمة والمروءة والأمانة في التأثير عليه والقبول لديه.

بصدد الحفاظ على صحتك الجسدية والنفسية, والتخلص من مشاعر الهم والحزن والتعب, فإني أنصحك بعدم المبالغة في أعمال الخدمة والبيت ما أمكن, والالتزام في ذلك بحسب الطاقة والإمكان, لقوله تعالى: (لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها) (ربنا ولا تحمّلنا مالا طاقة لنا به), ولا شك أن الأسرة بعامل الصبر والأدب والحزم من جهتك سيتفهمون لعذرك ويتعايشون مع ظروفك.

أما بخصوص البحث عمّن يغطّي جانب الحنان والتفهُّم لك عبر مواقع التواصل رغم كراهيتك لذلك, فإنما ذلك لعلمك بتحريم الشرع لذلك, فالزمي – حفظك الله – ما أنتِ عليه من حسن الدين والخلق والأمانة, ومن فروعه ما أنتِ عليه من التحلي بالخوف من الله ومن عقابه والحياء منه, فأوصيك باستشعار حرمة هذا التواصل واستحضار آثاره وعواقبه السلبية والسيئة على الدين والعِرض والشرف والسمعة والأسرة, قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا), مما يلزم معه المبادرة إلى التوبة الصادقة والنصوح (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار), بما تستلزمه هذه التوبة من الاستغفار والشعور بالندم والإقلاع عن الذنب وعدم العودة إليها.

أما بخصوص ما ذكرته من التفكير في الانتحار- والعياذ بالله تعالى – فلا يخفاك أن الانتحار إثم وجُرم كبير وخطير, وهو موقع في عذاب الدنيا والآخرة, في غضب الجبّار وعذاب النار, كما وهو دليل على ضعف الدين والخلق والعقل, وسوء الظن بالله والخذلان, قال تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) وثبت في الصحيحين أن قاتل نفسه في الدنيا يعذّب بما قتل نفسه في الآخرة خالداً مخلداً فيها أبدا, تذكّري أن عذاب الدنيا مهما عظم فهو أخف بل لا يقارن بعذاب الآخرة العظيم المقيم, وتذكري أن البلاء الواقع عليك أقل بكثير من بلاء كثيرات غيرك, فاحذري – حفظك الله ووفقك – من اليأس والقنوط من رحمة الله, وقد صح في الحديث : (أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً).

احذري أن تقارني - وفقك الله - حالك بحال صديقاتك اللواتي سلمن مما تعانينه من متاعب وإخفاقات, فإن ذلك يتنافى مع كمال شكر الله تعالى ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (انظروا إلى من هو أسفل منكم , ولاتنظروا إلى من هو فوقكم , فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم.

لا شك أن مما يسهم في تعميق الصبر والإيمان وتحصيل عون وتوفيق الرحمن, وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان أن تستحضري – حفظك الله ووفقك – أن الحياة الدنيا قد طُبعت على البلاء, وثواب الصبر على الابتلاء والشكر للنعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء وحسن الظن بالله تعالى وتعزيز الثقة بالنفس والتحلّي بالأمل والتفاؤل, والاستفادة من الوقت بما يعود عليك بالفائدة والاطمئنان.

كل ذلك يتحقق بطلب العلم النافع والعمل الصالح ولزوم الذكر والطاعات والصحبة الصالحة والدعاء وقراءة القرآن ومتابعة الدروس والمحاضرات والبرامج النافعة والمفيدة.

أسأل الله تعالى أن يجعل لك من أمرك رشدا ويهيئ لك من أمرك مرفقا ويمُن عليك بالعفو والعافية والعفّة والزوج الصالح والهداية والتوبة والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

والله الموفق والمستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً