الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من صراع نفسي قوي حول شرك المحبة!

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 28 سنة، متزوجة، لدي طفلة، وأعاني من صراع نفسي قوي حول شرك المحبة، وأشعر بفراغ عاطفي كبير، كنت أملأه بالخيال.

أنا أتخيل أني لدي أم تعطف علي وتحبني، وغالباً ما أستعين بصورة شخص ما يؤدي دور الأم، وأنا لدي أم والحمد لله، لكن علاقتنا رسمية جداً، وعندما أتخيل أشعر بإحساس دافئ حنون وجميل، وأحياناً أتخيل أني أنا أم لدي أطفال، وأعطف عليهم!

لا أعلم ماذا أفعل؟ شككت في أن ما أفعله شرك، ويخرج عن الملة، ولا أريد أن أغضب ربي وأن أخسر دنياي وآخرتي، ولكن الشعور بالفراغ العاطفي يقتل.

علماً أن الخيال يكون المتنفس الوحيد الذي يملأ عاطفتي. هل ما أفعله من خيال حرام؟ وهل تخيل شخص بعينه يقوم بدور الأم يدخل في الشرك والتعلق بغير الله؟

كنت في السابق لا يفارقني هذا الخيال، وأحاول السيطرة عليه، ولكن دون جدوى، فكل مرة أعود له، وغالباً يكون الشخص الذي أتخيله معروف في التلفاز وغير ذلك من الوسائل، وأحياناً أتفرج على مشهد تمثيلي للأم والبنت، وأشعر بشعور جميل ينتابني، وكأني أنا البنت التي تعطف عليها تلك الأم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الاشتشارة ذات بعد نفسي وتحتاج لجواب من المستشار النفسي بالتفصيل، وفيها جانب شرعي، وهو حكم التخيل، هل هو من شرك المحبة؟!

الجواب: المحبة على نوعين وهما:
- محبة الشيء المتخيل مثل أو أكثر من حب الله سبحانه، فهذا شرك لا يجوز الوقوع فيه.
- محبة طبعية لا تصل إلى مستوى حب العبد لله فهذه جائزة، بشرط أن لا تشغل عن حب الله سبحانه، ولا توقع صاحبها بمحرم، فإذا كان تخيلك في حدود الأمر الطبعي الذي لا يصل للمستوى المذكور فليس بشرك، لكن يخشى استمرارك في ذلك التخيل، وعدم علاجه، وأن يتطور الأمر لديك إلى مرحلة غير جيدة.

لذا: أحيلك إلى ما يصفه لك المستشار النفسي من حلول.

وفقك الله لما يحب ويرضى.

+++++++++++
انتهت إجابة د. حسن شبالة . مستشار العلاقات الأسرية والتربوية
وتليها إجابة د. يحيى عبد الرزاق الغوثاني . مستشار العلاقات الأسرية والتربوية
+++++++++++

إن لذة العطاء قد تفوق لذة الأخذ، فالإنسان بقدر ما يعطي بسخاء ويدخل السرور على غيره ولا سيما إذا كانوا أشخاصاً قريبين منه بقدر ما يشعر بالراحة والسعادة تملأ روحه.

لقد قلت إنك متزوجة، وأن لديك طفلة، ومع ذلك تشعرين بالفراغ العاطفي! وأيضاً لديك أم ولكن التعامل بينكما أقرب إلى الرسمية! أليس غريباً أن تتركي ذلك كله وتلجئي إلى الخيال لملء ما لديك من فراغ عاطفي حسب تعبيرك؟

قبل أن أتحدث عن الحكم الشرعي، وإن كان ذلك يجوز أو لا، أو إن كان نوعاً من أنواع الشرك الخفي حسب تعبيرك.

يُعرف علماء النفس الفراغ العاطفي بأنه: تلك الفجوة التي يشعر به الإنسان حين لا يجد حناناً وعاطفة ممن حوله، كما يشعر الإنسان بالفراغ العاطفي حين لا يجد من يشعره بأهميته وقيمته الذاتية، وحين لا يجد من يفضي إليه بما يجول بخاطره، وبما يملأ قلبه من مشاعر حب وعواطف فياضة، سواء من حنان الأمومة أو الأبوة أو الأخوة أو غير ذلك.

لذلك أقول: نعم أنت ربما افتقدت إلى حنان عائلتك، إذ أن أمك تعاملك بطريقة رسمية كما ذكرت، وهي أبعد ما تكون عن منحك الحب والحنان، ولعل أباك كذلك.

إن افتقاد الإنسان إلى حنان أسرته، غالباً ما يلجأ للبحث عن شخص يملأ ذلك الفراغ العاطفي لديه، ويمنحه مشاعر الحب والحنان والاهتمام ، حتى ولو كان ذلك بالخيال، ولكن ما استوقفني أنك متزوجة!

ألم يكن زوجك كفيلاً بملء ذلك الفراغ العاطفي الذي تشعرين به بسبب غياب حنان والدتك؟! ألا يبادلك الحب والحنان والعاطفة والاهتمام، والإصغاء إليك، ومشاركتك اهتماماتك وأفراحك وأحزانك ؟!

ألم يكن حبه كافياً لإرواء ذلك الجفاف العاطفي الذي كنت تعانين منه مع أمك؟! وطفلك ألا يجعلك تشعرين بالسعادة وأنت تغدقين عليه حباً وحناناً تنسين عنده كل ما مررت به؟

لماذا تتركين زوجك وتلجئين للخيال لملء الفراغ العاطفي؟! لماذا لا تحاولين التقرب من أمك والتودد إليها، بدلاً أن تعيشي عواطف ومشاعر وهمية في خيالك؟

انطلاقاً من هذه التساؤلات أبدأ معك وأنصحك بما يلي:
- قد تكوني فعلاً مررت بفراغ عاطفي، ولم تجدي حباً ولا عاطفة، ولكن أنت متزوجة، وزوجك من أقدر الناس على ملء الفراغ العاطفي لديك، وغمرك بالحب والحنان، فإن كان طبعه جافاً أيضاً ولا يعبر عن عواطفه، لا بأس كوني أنت البادئة، وشجعيه على التعبير عن عواطفه بذكائك، وحنانك، وأسلوبك، وحكمتك، فالأنثى إن أحبت زوجها، أبدعت في طرق كسب قلبه، فبدلاً من استنزاف عاطفتك بخيالات لا تعود عليك بنفع، استغلي ذلك الوقت بالتقرب من زوجك والتودد إليه فذلك كفيل بملء الفراغ العاطفي الذي لديك، فإن كنت تجهلين الطرق والأساليب فعليك أن تتطلعي وتقرئي وتسألي حتى تصلي إلى مبتغاك.

تذكري أنك أم لطفل رائع، يحتاج إلى كل ذرة حب وعاطفة، فلا تضيعيها في الأوهام والخيالات، بل احشديها وامنحيها لطفلك، وما فاتك من حنان والدتك عوضيه في منحه لطفلك، وحذار أن تكرري خطأ والدتك في البعد والجفاء والاكتفاء بالواجب الوظيفي للأم الذي يقتضي إطعام الطفل والحفاظ على نظافته، فالطفل يحتاج إلى الحب والحضن الدافئ، والقبلة الحنونة، حتى لو لم يعبر، ولكن ذلك يسبب له اكتفاء عاطفياً ونفسياً فينشأ سوياً بإذن الله، فباللحظة التي يأخذك بها الخيال تذكري أن طفلك أولى وأحق بهذا الوقت، وكذلك زوجك.

من المؤكد أن علاقة الأم بأبنائها وهم صغار تختلف كثيراً عندما يكبرون، فعليك أن تتقربي منها، وتتوددي إليها، وتعامليها بإحسان، لا تحملي في قلبك غلاً لها ولا حقداً عليها، لأنها لم تمنحك الحنان يوماً فلكل منا طريقته في البذل والعطاء، اقلبي الصفحة وابدئي معها من جديد، فقد تكونين أنت البعيدة لا هي.

اشغلي نفسك بالطاعات والعبادات والتقرب من الله سبحانه وتعالى، من خلال المحافظة على الصلوات المفروضة، والسنن الراتبة، وأوراد الصباح والمساء, والأذكار فهذا من أهم الأشياء التي تملأ الفراغ الذي يشعر به الإنسان.

اعلمي أن الخيال يكون من الوحدة فاخرجي عن وحدتك بأي أعمال أخرى، واعلمي أن الخيال من هذا النوع وإن كنت أستبعد أن يصل إلى درجة الشرك بالله لأنه من الواضح أنك مؤمنة بالله، وأنك تحبين الله أكثر من كل شيء، إلا أن هذا الخيال والاستمرار فيه خذي حذرك منه، لأنه قد يوصلك إلى الإعجاب والتعلق بالمخلوقين في مراحل متقدمة، ومن جهة أخرى فإنه يرهق الأعصاب والدماغ، ربما لا تشعرين بآثاره وقت التخيل، ولكن بعد الانتهاء من التخيل لو أنك راقبت نفسك ستجدين نفسك مرهقة أو مصابة بدوار وصداع.

احذري من الإعجاب بالشخصيات الإعلامية أو من يظهرون في التلفاز أو وسائل التواصل، واحذري من تقمص شخصياتهم، فإن أولئك لن يفيدوك بشيء، وركزي على واقعك وأولادك، وعلى أعمال البر التي تجعلك في الآخرة من الصالحات، ومن أهل الفردوس الأعلى.

أسأل الله أن يلهمك الحكمة في العمل، ويقر عينك بزوجك وطفلك اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً