الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركت الدراسة واعتزلت العالم الخارجي وفقدت ثقتي بنفسي.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 18 سنة، أعيش في أسرة مستقرة ماديا، غير ملتزم بالعبادات للأسف، كنت متفوقا وذكيا في دراستي، إلا أنني أهملتها بشكل كبير، وحاليا أدرس بآخر سنة بالمرحلة الثانوية -وحدي بالمنزل- للمرة الثانية بسبب إهمالي بالمرة الأولى، ولأنني تركت المدرسة وذهبت للعمل لفترة قصيرة، وفي هذه الفترة أنا لا أخرج من المنزل أبدا؛ بحجة الدراسة، مع العلم أنا أقضي معظم الوقت على الإنترنت.

أهلي يزعجونني كثيرا بكلامهم حول إهمالي الدراسي، ولعدم خروجي من المنزل، أشعر بأنني أريد الخروج والانطلاق بحياتي، فأنا لا ينقصني أي شيء، شكلي جيد جدا، وعلى قدر من الوسامة، ولكن هناك شيء يمنعني من ذلك وهو الخوف من نظرة الناس، فأفضل البقاء بالمنزل وإراحة نفسي من التفكير بهذا الأمر، حتى أنني عندما أمشي بالشارع أكون مستقيم القامة، وصوتي عالي بالحديث مع الناس، ولكنني من الداخل أشعر بانعدام الثقة والتحسس من أي كلمة.

أشعر بأنني أقل من الناس، على الرغم من ثقتي العالية، وأشعر بالارتياح مع الشخصيات الضعيفة، وأنني مسيطر وعفوي وأحب فرض رأيي، أنا متناقض، على عكس الذين أشعر بأن ثقتهم عالية، فأنا أتصنع كثيرا معهم.

بقائي بالمنزل يزعج أسرتي كثيرا، ويدفعهم إلى مقارنة وضعي بوضع أولاد عمي، فينتقصون مني حتى أكون مثلهم، وذلك الأمر يغضبني، وأشعر بأن المقارنة ظالمة، ثقتي عالية، وشخصيتي قوية مع المقربين فقط، فأنا عفوي لأقصى درجة، وأعطي رأيي بكل ثقة، وأعطي النصائح وأنتقد براحة كبيرة، ولو أن أحد الأشخاص الذين أعرفهم رأى رسالتي هذه لن يصدق أن المرسل أنا، فأنا أعيش في تمثيل وتصنع.

كل ما أريده هو تعزيز ثقتي بنفسي مع الجميع، وأن لا أتحسس من أي كلمة جارحة بشكل مبالغ فيه، وأن لا أهتم إلى نظرة الناس، إريد الانطلاق بحياتي، وفعل كل شيء أفكر فيه دون تردد أو خوف، أريد وأريد وأريد.

آسف؛ لأن سرد الأفكار غير مرتب، فالشرح يطول ولكنني أحاول الاختصار، أتمنى مساعدتي فأنا محطم، وأشعر بأن حياتي لا قيمة لها، وأريد الموت بسبب الاكتئاب، ولا أريد فعل أي شيء بحياتي سوى الجلوس في غرفتي واستخدام الهاتف، ولا أحب أن يذكرني أي شخص من أهلي بمعاناتي، فأنا أغضب كثيرا إن فعلوا ذلك.

ملاحظة: عندما كنت بالمدرسة كان أصدقائي يستهزؤون بي من باب المزاح، وكنت أضحك معهم ولا أشعرهم بتأثري -الشخص المرح-، ولكنني من الداخل أحترق، وعند العودة للمنزل أكتئب وأفكر كثيرا بالأحداث، وهذا أحد الأسباب وراء ترك المدرسة.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن الفراغ والوحدة والعزلة عن الناس، وإدمان الأنترنت لساعات طويلة، كلها أسباب كافية لتصل بالإنسان إلى الاكتئاب، والحزن، وضعف الشخصية، والشعور بالانهزامية أمام الناس، وفقدان الرغبة في التواصل مع أقرب الناس إليه.

وقد يكون انعزالك عن الناس، وميلك إلى الوحدة، والجلوس في غرفتك وحيداً نوعاً من الهروب من مشكلة الفشل الدراسي.

لكن سؤالي الآن: هل هذا الهروب سيحل لك مشكلتك؟
هل ستنجح وتتفوق إن أنت اعتزلت الناس؟
هل عزلتك ستمحو من ذاكرة الناس أنك فشلت وغيرك نجح وتميز؟
ما الشيء الكفيل بجعل الناس تنظر إليك نظرة إعجاب وتقدير؟
أسئلة تستحق منك التفكير والإجابة.

وأنت مازلت في مقتبل العمر، وفشلك مرة في الدراسة لا يعني أنك فاشل على الإطلاق، بل على العكس، هذا الفشل كفيل أن يعطيك قوة وحافزاً لتثبت لنفسك أولاً ولمن حولك ثانياً أنك قادر على النجاح والتفوق من جديد، لا سيما أنك كنت طالباً متفوقاً وذكياً في دراستك، وما فشلك بالدراسة إلا لأنك أهملت دراستك كثيراً.

وهذا أيضاً يحتاج وقفة تأمل منك وتسأل نفسك:
- ما السبب الذي جعلك تهمل دراستك؟
- لماذا تدنى مستواك الدراسي بعد أن كنت متفوقاً؟
- هل اللهو بالإنترنت؟
- هل هو صحبة السوء؟
- هل لأنك أشغلت دماغك بأشياء لا تنفعك؟
الإجابة على هذه الأسئلة كفيلة بحل مشكلة التدني الدراسي الذي طرأ عليك.

فالمفتاح المناسب لحل مشكلتك أن تعود إلى الدراسة، ولكن مع تنظيم وإدارة للوقت، وإيجاد هدف يساعدك على الانطلاق.

لذا أنصحك بما يلي:
1- فكرة الدراسة بالبيت لا تجدي نفعاً، وإن كان المنهج الدراسي بالنسية إليك واضحاً، لذا عليك أن تسجل في معهد أو مدرسة، وتعود إلى مقاعد الدراسة من جديد، فهذا سيفتح لك باب التعليم والتفاعل، وهذا أكثر فائدة للطالب، حيث يساعد في ترسيخ المعلومات، وأيضاً سيعينك على بناء جسور تواصل مع الأخرين باعتبارك تقضي معهم أوقاتاً طويلة، و-بإذن الله- ستجد المعلم المربي الموجه الذي يأخذ بيدك ويحفزك ويدعمك.

2- ضع لنفسك هدفاً في هذه الدراسة، فنحن لا ندرس للدراسة فحسب، وإنما ندرس لنحقق هدفاً ما في هذه الحياة، ونقدم النفع لمن حولنا، فما هدفك من الدراسة؟ وماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ فإن حددت هدفاً فاكتبه على لافتة بخط واضح وجميل مع زخارف وألوان تشجيعية، أو لوحة تعبيرية تكون لك رابطاً، واجعله دائماً أمام نظرك، واقرأ عن الشخصيات التي تميزت في المجال الذي اخترته، كل ذلك سيعطيك قوة لمتابعة الدراسة بجد واجتهاد.

3- تنظيم الوقت: نظم جدولاً مكتوباً للدراسة، وقيده بالوقت والتاريخ، واتبع مبدأ التحفيز الذاتي، حيث تكافئ نفسك كلما التزمت بالبرنامج، أو حزت علامة عالية في الامتحانات الشفهية أو غير ذلك، وايضاً اختر من أصدقائك على المعقد الدراسي منافساً قوياً لك.

4- البعد عن الله يورث اضطراباً وقلقاً وخوفاً من المستقبل، بينما إذا تقربت من الله سبحانه وتعالى من خلال المحافظة على الفرائض والسنن النافلة، وقراءة القرآن، والأوراد والأذكار، وحضور مجالس العلم، فستجد الأمن والأمان، والطمأنينة والسكينة، وكلما تقربت من الله أكثر كلما فُتحت لك أبواب التوفيق، ووجدت بركة في الوقت، ومحبة في قلوب الناس من حيث لا تدري.

5- بر الوالدين من أهم أسباب التوفيق والفتوح، ورضاهم سبيل ليذلل لك كل عسير، فاحرص على رضاهم بالتقرب منهم والتودد إليهم، من خلال القيام بما يحبونه من أعماله، والجلوس معهم، واستشارتهم بما تعاني منهم فستجد منهم نعم العون والسند.

6- كل ما تعاني منه من حزن واكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين والميل إلى العزلة، سيتلاشى إن تحقق لك ما ذكرناه أعلاه -بإذن الله-، بالإضافة إلى التوقف عن النظرة السلبية لنفسك، بل عزز ثقتك بنفسك برسائل إيجابية ترسلها صباح مساء.

أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح والصلاح اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً