الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قررت أن أقدم شيئاً لآخرتي وأن أعبد الله حق عبادته، فما توجيهكم لي؟

السؤال

السلام عليكم

أنا بعمر ٢٢ سنة، توفي جدي وكان غالياً علينا، وحزنا لوفاته، وقررت أن أقدم شيئاً لآخرتي وأن أعبد الله حق عبادته، ومرت السنة ولم أفعل شيئاً، وتوفيت قريبة لنا شابة، مرضت فجأة وتوفيت.

أنا أريد أن أعرف كيف أعمل أعمالاً خيرية، حسنات جارية كي تبقى بعد موتي، فماذا أفعل؟ وكيف؟

الفردوس مبتغانا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن الله تعالى كتب الموت على عباده، فالموت حق، والآخرة حق، وإنما الحياة الدنيا طريق سفر، ودار عمل، فما زرعناه في الدنيا حصدناه في الآخرة.

والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على هذه الأرض وكلفه بأعظم مهمة ألا وهي: إعمار الأرض.

فمن كرم الله ولطفه بعباده أنه جعل أي عمل يقوم به الإنسان عبادة، مهما قل أثره أو كثر، المهم النية. عَن أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَر بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ الله تعالى عنهُ قَالَ: سَمعتُ رسُول اللهِ يَقُولُ: (إِنّمَا الأعمَالُ بِالنياتِ، وَإِنَّمَا لِكلّ امْرِئٍ مَا نَوَى...).

أما سؤالك كيف أعبد الله حق عبادته؟ فإليك هذا الحديث القدسي الشريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) رواه البخاري.

عليك بالمحافظة على الفرائض وأدائها حق الأداء من صلاة أو صيام وغير ذلك مما افترضه الله سبحانه وتعالى علينا، ومن ثم حصني نفسك بالنوافل، فبها تزدادين قرباً من الله سبحانه وتعالى، وذلك باتباع كل ما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال.

وعليك بالتزام حسن الخلق، والمعاملة الطيبة مع الناس، لتكوني من أقرب الناس مجلساً من نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

ومن الصفات الجميلة: العفو والصفح وسلامة القلب من الغل والحسد والتدابر والمقاطعة، فسلامة القلب وحدها تنجي الإنسان من أهوال يوم القيامة.

احرصي أن تكوني من عباد الله الذين اصطفاهم ومنحهم لقب الأهل والخاصة، وذلك بالبدء برحلة حفظ القرآن الكريم، ومن ثم بإمكانك فتح حلقات لتحفيظ القرآن للطالبات، فكل طالبة تعلمت منك حرفاً وعلمته ستكون لك صدقة جارية بإذن الله.

السعي لطلب العلم، وليس المقصود العلم الديني فحسب بل أي علم ينفعك ومجتمعك، لتكوني ممن خصهم الله بالتمايز والتفاضل ونيل أعلى الدرجات، إذ بالعلم يرقى الإنسان، وتسمو نفسه، وفيه تزكية للروح، وقرباً من الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة الزمر.

أما العمل على تقديم النفع للآخرين: فربما يكون ذلك من خلال المساهمة في الأعمال التطوعية، وزيارة دار المسنين، وكفالة يتيم ولو بمبلغ يسير، وتقديم المساعدة مثلاً لطالبات في مادة تصعب عليهن دراستها، أو غير ذلك مما قد تتوقد بها أفكارك الإبداعية.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ) صحيح الجامع.

أما سؤالك عن أعمال تكون لك صدقة جارية: فأقترح عليك الأفكار الآتية تاركاً باب الإبداع والابتكار مفتوحاً أمامك.

التعليم مهمته مهمة من الأعمال الجاري ثوابها بإذن الله لما يجره من نفع تتوارثه أجيال وأجيال، وإنشاء دار لتحفيظ القرآن، أو رعاية الأيتام إن كان ذلك يتناسب مع إمكانياتك المادية.

والمساهمة في رأس مال مشروع خيري يكون ريعه وقفاً لأحد الملاجئ أو الجمعيات الخيرية.

كذلك أن تجعلي من نفسك يوماً تطوعياً للعمل وتقديم المساعدة في جمعية، أو دار للأيتام أو المسنين وتحرصي على تعليمهم ما ينفعهم.

أسأل الله أن يرزقك الحكمة في القول والعمل ويلهمك إلى ما يرضي الله ويقربك إليه اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً