الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني الانتظام في الصلاة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أستطيع الانتظام في الصلاة أبداً، حاولت كثيراً ولكن دون فائدة، أشعر بالفشل فأنصرف عن الصلاة، لا أستطيع الصلاة أمام الناس، ولا أحب أن يراني الناس وأنا أصلي، ولذلك أنا لا أصلي خارج المنزل، وهذا أحد أسباب عدم الانتظام لدي.

ساعدوني، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك مع موقع الشبكة الإسلامية، ونسأل الله أن يوفقك إلى كل خير، والجواب على ما ذكرت يكمن في الآتي:

بداية -أختي الكريمة- عليك أن تعلمي وتقرئي كثيرا عن منزلة الصلاة في الإسلام، ومما يمكن أن أذكرك به وله منزلة الصلاة في الإسلام، فالصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال تعالى: {فإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، [التوبة:5].

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).

الصلاة فرضها الله على سائر رسله وأنبيائه، قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وقال تعالى لموسى عليه السلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} وقال عن إسماعيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}، وقال سبحانه عن يونس: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، وفي حق شعيب: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، [هود:87].

قد أمرنا الله بالمحافظة عليها، قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}، أوجبها الله على كل حال، ولم يعذر بها مريضًا، ولا خائفًا، ولا مسافرًا، ولا غير ذلك، إلا المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء.

الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد من عمله، فصلاح عمله وفساده بصلاح صلاته وفسادها، فعن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ أَولَ ما يُحاسَبُ به العبد يوم القيامة من عَمَلِهِ: صلاَتُهُ، فإن صَلَحتْ، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدَتْ، فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً، قال الربُّ تبارك وتعالى: انظروا، هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك).

الصلاة آخر وصية أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، فعن أم سلمة قالت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في مرضه: (الصلاة الصلاة), وقد ذم الله المضيعين لها والمتكاسلين عنها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، وقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، وقال تعالى {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}.

بل إن ترك الصلاة مطلقا كفر بالله تعالى لما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)، وقال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وقال أيضا : (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة) وعن بريدة بن الحصيب قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (العَهدُ الذي بيننا وبينهم: الصلاةُ، فمن تركها فقد كفر) وقال عمر -رضي الله عنه-: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) وقال سعد وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-: (من تركها فقد كفر) وقال عبدالله بن شقيق -رحمه الله-: (كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة) ولعلك إذا أكثرت القراءة عن أهمية الصلاة فإنك سيكون لديك الانتظام.

مما ننصح به للانتظام في الصلاة عليك بكثرة الدعاء، وخاصة في ساعات الإجابة، وما تدعين به دعاء إبراهيم -عليه السلام-: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء)، وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)، [رواه مسلم].

أكثري من قراءة القرآن والذكر والاستغفار؛ وأكثري من قول -لا حول ولا قوة إلا بالله-، وأكثري من قول -حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم-، من قالها سبعا حين يصبح وحين يمسي إلا كفاه الله هم الدنيا والآخرة، وكما جاء في الحديث، كما أن عليك الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وحلقات العلم، فحضور هذه الحلقات مما يقوي الإيمان مما يؤدي إلى الانتظام في المحافظة على الصلاة.

أخيراً: (وأما قولك لا أستطيع الصلاة أمام الناس لا أحب أن يراني أحد أصلي)، هذا الخجل والخوف من وسوسة الشيطان الرجيم، ليمنعك من الصلاة، أو من الخوف من استهزاء الناس الذين يرونك تصلين، ولكن مع كثرة الذكر والاستغفار، ومحاولة تجاهل ردات فعل الناس عندما تصلين وهم يرونك، وتذكر أن الصلاة عبادة لله ولتحقيق رضا الله وأنه لا يجوز التفريط فيها، بل وتذكر أنك بإظهار الصلاة تكونين داعية وقدوة للناس حتى يحافظون على الصلاة، كل هذه العوامل وغيرها يجعلك أشد محافظة على الصلاة.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً