الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من اكتئاب وخلل عقلي ونفسي، ولا يوجد طبيب قريب مني، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 18 سنة، أعاني من خلل عقلي ونفسي، كما أعاني من حالة اكتئاب، ولا يوجد طبيب نفسي في المنطقة التي نعيش فيها، وحاولت أن أسمع آيات قرآنية تزيل العين والهم، لكن دون جدوى، أحافظ على صلاتي، وأصوم في الأيام التي كان نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-يصومها غير رمضان، لكنني لا أشعر بقربي من الله، ولا أرغب في الحياة، ولا أريد الآخرة.

أتعرض لمضايقة الناس، ونعتهم لي بالمجنون والمتخلف، لا أشتم، ولا أتحدث مع البنات، ولا أحب التكلم كثيرا مع الآخرين، وأتعرض لضرب والداي منذ الصغر، وأدخلوني لجامعة لا أريدها، ولي شقيق سلبي جدا، يعكر علي مزاجي، فإذا أردت أن ألعب مباراة كرة قدم يصيح علي ساخرا، أنه لا داعي للعب، لأنني لست إنسانا، ولا أستحق الحياة.

كما أن التخصص الجامعي الذي اختاره لي أهلي وهو الطب زاد حالتي سوءا، رغم علمي أن الطب مهنة نبيلة، إلا أنني لا أستطيع الحفظ، كوني كنت مصابا بالصرع منذ ولادتي ثم شفيت منه، زرت عدة أطباء قالوا: لا يوجد دواء مناسب لحالتي، ولا أريد الجامعة بسبب الاختلاط والمنكر، ولا أحب أن تدرسني نساء مسترجلات تصرخ على الذكور، وبنات يجلسن مع الذكور، ويمسكن أيديهم، ويتحدثون في المنكرات، ولا أستطيع غض بصري وحفظ ديني من ذلك.

فكرت في تغيير تخصصي، والاتجاه للرياضة التي أحبها، ولا يوجد فيها اختلاط، لكنني أخاف من ضرب والداي لي، أصبحت بلا مشاعر، ولا أهداف، ولا روح، وأرغب بالموت فقد ضاقت بي الحياة، لكنني أعلم أن الانتحار حرام، فما تشخيصكم ونصحكم لي؟

أرجو التوضيح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك أعجبتني جداً حقيقة في طريقة صيغتها، واللغة الرزينة التي كتبت بها، وهذا الفكر المتسلسل بالرغم من أن المحتويات محزنة، لكن الرسالة في حد ذاتها تدل على مقدرات كبيرة وعظيمة، فأحمد الله على ذلك، هذه نقطة البداية، وهي نقطة إيجابية، أنك صاحب مهارات وصاحب فكر، حتى وإن كان فيه ما لا نتفق نحوه، لكن يجب أن لا نهضم حقوقك فمقدراتك بينه وجليه.

أيها -الفاضل الكريم- أنا أرى أن سقف التشاؤم عندك قد ارتفع جداً دون أي مبرر، أنت تعاني من عدم القدرة على التكيف، عدم القدرة على التوافق، لا يوجد توافق مع ذاتك ولا يوجد توافق مع أسرتك ولا يوجد توافق مع مجتمعك، ولا يوجد توافق مع الحياة، ولا يوجد توافق مع مرفقك العلمي، فيجب أن تسأل نفسك وتتوقف ما الذي يحدث، لماذا كل هذا، لماذا لا أكون مثل الآخرين؟ أنا صاحب مقدرات حباني الله بأشياء كثيرة جميلة فلماذا لا أتوافق مع ذاتي، لماذا لا أقبل ذاتي؟ وإن قبلت ذاتك بصورة صحيحة سوف تقبل كل شيء، فهذه النقطة الجوهرية التي أنبهك لها.

واحتجاجك على ما يجري في المجتمع هذا نشكرك عليه، نشكرك على حرص حقيقة على النظم القيمية النبيلة والكريمة، ولكن ليس بهذه الطريقة، الإنسان أيضاً يجب أن يتعلم أن يقبل الناس كما هم لا كما يريد، ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

اجعل لنفسك نصيبا من هذه الكيفية من الفكر، أنا لا أدعوك للسلبية أبداً، ويجب أن تتذكر أنك مع جانب هذه المهارات أنت في بدايات الحياة، أنت في بدايات سن الشباب، ومن هم مثلك ومن هم في مثل عمرك ووضعك وقدرك لا، الحياة طيبة والحياة جميلة يمكن أن تعيشها بكل قوة، والأمر الآخر في موضوع الدراسة ونوعية الدراسة وطبيعة الدراسة، لماذا ترفض الطب، الطب تخصص ممتاز، وإن كانت هذه رغبة أهلك وذويك فلماذا لا تحققها؟ أنا لا أريد أن أجرك جراً نحو هذا التخصص، لكن أرى أن لديك المقدرة، فأقنع نفسك أيها -الفاضل الكريم- بهذا التخصص، وإن لم توفق فيه فاذهب إلى تخصص آخر، وأريدك أن تقابل أحد أساتذة كلية الطب من المختصين في الصحة النفسية، أنت ذكرت أنه لا يوجد طبيب نفسي لكن قطعاً ما دام هنالك كلية طب فبها أخصائي نفسي، ولا شك في ذلك، تواصل معه واحكي له صعوباتك التي تواجهها وتقابلها، -وإن شاء الله- سوف تجد منه المساندة، كن أيضاً مرتبطاً بإمام مسجدك، وأي من العلماء الذين تثق بهم في منطقتك، وحاورهم حول أفكارك خاصة حول الحياة والموت والدين والآخرة.

يجب أن يكون هنالك تفريغ نفسي لأفكارك هذه، وقطعاً سوف تجد من يوجهك ويرشدك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، أسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً