الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بأني لست كبقية الناس في التفكير والملاحظة، فما المشكلة؟ وما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أشعر بأني لست كبقية الناس، وذلك لأني أعاني من عدة مشاكل، وهي:
- أحيانا تجد الكل يجمع على أن هذين الشخصين متشابهان، بينما أنا لا أراهما كذلك، ولا أعرف صراحة كيف لهم أن يجدوا الشبه بين الأشخاص ويحددوه بدقة، وأنا لا أستطيع ذلك إلا إذا كان الشبه كبيرا وواضحا جدا.

- لا أستطيع أن أحدد إن كان الشخص الذي أمامي جميلا أم قبيحا، فأحيانا أراه جميلا، وبعد أيام أراه قبيحا، ويوما آخر عاديا، وأرجع بعد مدة أقول إنه جميل، لا أعرف ماذا يجري لي! وكأن هناك أناسا آخرين بداخلي ولكل واحد نظرته.

- هناك أمر يجري معي، وأخشى أن بحث به أن أتهم بالزندقة والكفر، وهو أني كلما حمدت الله على شيء موجود عندي أفقده بعد ذلك بسرعة، مثلا لو أني قلت الحمد لله أن معدتي لا تؤلمني وأستطيع تناول ما أريد في العشاء، فإني فجأة أشعر بالألم بدون سابق إنذار، وكأن أحدا ما يعاقبني على حمدي لله.

- عندما أتمنى شيئا فإنه يحدث عكسه تماما، مثلا في رمضان وعندما كانت الدورة الشهرية في أيامها الأخيرة، قلت أتمنى لو تذهب اليوم كي أصوم كبقية الناس ولا يزداد الدين علي من أيام، وإذ بي أجدها، ومرة أخرى كنت أشعر بالعطش فقلت سأذهب لأرى إن كانت الدورة موجودة لكي أشرب، ولكنها كانت قد ذهبت فبقيت عطشى طوال اليوم، وبعد ذلك صرت أخدع نفسي وأقول حسنا لا بأس إن ذهبت الدورة هذا اليوم، فهذا جيد كي أصوم، وإن بقيت فهذا أيضا جيد كي أشرب الماء، ولكنها تخدعني بأن تأتي بشكل مغاير كمادة بنية مثلا وحينها أصبح في شك ولا أستطيع أن أشرب؛ لأنه لم ينزل دم حقيقي، وفي نفس الوقت أكون مجبرة على قضاء ذلك اليوم بعد رمضان؛ لأنني لم أكن طاهرة بسبب نزول اللون البني (دورتي غير منتظمة سواء في الموعد أو في عدد الأيام).

- أحيانا كثيرة أقرأ بعض الكلمات بشكل معاكس لمعناها أو بعيد عنه تماما، مثلا جملة (هيئة الثقافة)، قرأتها (هيئة التفاهة)، وجملة (مؤسسة الإبداع الرقمية) قرأتها (مؤسسة الإبداع الراقصة)، وحتى عند قراءة الآيات القرآنية سواء في القرآن أو في الكتب الدينية، فإني أقلب المعاني رأس على عقب، فيا أيها المؤمنون أراها أيها الكافرون، وسيدخلون النار أقرأها يدخلون الجنة، وغيرها الكثير.

أعتذر على الإطالة، ولكني متعبة حقا مما أعانيه، وأريد مساعدتكم، فلا تقسوا علي، أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مايا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
رسالتك هامَّة؛ لأن الظواهر التي تحدَّثتِ عنها بالفعل هي غريبة بعض الشيء، وتُدخلك في حيرة وفي قلق وفي تردد وعدم تأكّد من ذاتك.

أنا حاولت أن أُحلِّلها بكل دقة، والذي وصلتُ له أن الذي يحدث لك هي ظواهر وسواسية، الوسواس القهري له عدة طرق وعدة أشكال وعدة محتويات، أحد المحتويات النادرة هو ما تحدَّثتِ عنه، هذا النزاع الذي يأتيك وهذه التقلبات والتفسيرات المختلفة والمتضاربة وأن تري ما لا يراه الناس... وهكذا: هذا كله يأتي في نطاق الفكر الوسواسي النمطي.

وعلاجه -أيتها الفاضلة الكريمة- يكون عن طريق التجاهل، وألَّا تدخلي في تفسيرات متدقِّقة لهذه الظاهرة، يعني لا تتعبي نفسك في الاسترسال، لأن هذا النوع من الفكر يستحوذ أكثر، وحاولي أيضًا أن تصرفي انتباهك، بأن إذا أتتك فكرة من هذه الأفكار أو دخلت عليك فابدئي أن تشغلي نفسك في شيء آخر.

وعليك أيضًا بالتدريب على ما نُسمِّيه بـ (تمارين الحضور الذهني الاسترخائية)، يعني مثلاً: حين تأتيك الفكرة ركّزي على التنفُّس عندك، أو ركّزي على حركة الأرجل لديك، وكوني منتبهة بدقّة جدًّا لتنفّسك، الشهيق، الزفير، قومي بعدِّه مثلاً. بهذه الكيفية تكوني قد صرفت انتباهك عن الفكرة واستبدلتِها بشيء آخر في مُحيطك الذاتي، وهذا قد وُجد نافعًا، ويمكن لأخصائي نفسي أو أخصائية نفسية من المختصين أن يُدرِّبك على ما نسميه بالحضور الذهني الاسترخائي، أو ما يُعرف العلاج عن طريق التأمُّل.

وأنا أرى أيضًا أنك سوف تستفيدين كثيرًا من تناول أحد مضادات الوساوس، هنالك عقار يعرف باسم (فافرين) واسمه العلمي (فلوفكسمين) سيكون جيدًا، خاصة أنه سليم، ولا يؤدي أبدًا إلى أي اضطرابات هرمونية، وليس إدمانيًا، وأنت لا تحتاجين له بجرعة كبيرة، إنما بجرعة صغيرة، تبدئين بخمسين مليجرامًا ليلاً بعد الأكل، تتناولينها لمدة أسبوعين، ثم اجعليها مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم خفضيها إلى خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الفافرين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً