الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أعد أرغب في الحياة بسبب ما فقدته، أشيروا علي.

السؤال

السلام عليكم.

هذه أول مشاركة لي في هذا المنبر الطيب.

أنا شاب مثقف حاصل على عدة شهادات جامعية عليا وشهادات مهنية متخصصة، حيوي ونشيط ومحبوب من الجميع لأنني أفضل الناس على نفسي، من عائلة محافظة ومعروفة، ملتزم بعلاقتي مع ربي، لم يعرف التدخين أو الكحول أو النساء طريقا لحياتي، بل بالعكس كنت كمن يسير في الظل، كنت صاحب مهنة مرموقة وأمتلك سيارة، وفجأة انقلبت حياتي رأسا على عقب، تعرضت للخيانة من أعز أصدقائي في التجارة، وتلاها زجي في السجن بسبب مهنتي -نشاط سياسي وحقوقي- في تهمة أصر كل من عرفني بأنني برئ منها، ووقفت عائلتي معي، لكن ما حصل معي حطمني اجتماعيا ومهنيا، فقدت احترامي وكرامتي، وأضحيت مديونا، ومنعت من السفر والتنقل.

استغفرت وقمت الليالي بشكل شبه يومي، دعوت الله أن يخرجني مما أنا فيه، وأن تشفع لي مسيرة حياتي الفاضلة، ولمدة أكثر من سنة والأمور تزداد سوءا.

الله لا يحمل نفسا إلا وسعها، لكني انتهيت، ولا رغبة لي في الحياة، كنت أدعو على الأقل أن يكون تفريج همومي بسبب بري بوالديّ، وأن يكون هذا التفريج لإنهاء معاناتهم معي، أعرف علاقتي بربي جيدا بحكم ثقافتي وإطلاعي العميق على ديني، لكن هل أستحق ما أعانيه وعائلتي، لعل ربي يكرهني لسبب ما حتى أعاني ولا يقبل دعائي لإنهاء معاناة أبي وأمي في المقام الأول.

أفكر في الموت وأنا أعي جيدا ما يعنيه، لكن أدركت بأن قلبي قد مات وخوفي مما سأقدم عليه بسبب الغضب العارم مما حصل لي، أعرف جيدا بأن هذه مداخل الشيطان، فلماذا لا يترحم ربي على حالي أو على الأقل بأمي وهي تراني أذوب وأذوب يوميا.

آسف على الإطالة، فأنتم عائلتي الثانية لتفريغ مكنونات قلبي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

- كن على يقين أن كل ما يدور في هذا الكون يسير وفق ما قضاه الله وقدره، ولا يخرج عن ذلك شيء أبدا صغر أم كبر، يقول ربنا سبحانه (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

- ما يصيب العبد من البلايا والمحن قد يكون بسبب ذنوب ارتكبها كما يقول الله سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، والمخرج من ذلك يكون بالتوبة النصوح، بعد تقليب صفحات الحياة والنظر إن كان ثمة ذنب حصل في ساعة غفلة وسوَّف العبد من التوبة منه، ففي الحديث النبوي (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وفي الأثر: (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة).

- قد يكون حلول البلاء بالعبد امتحانا من الله تعالى ليرفع بذلك درجات العبد يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖوَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، والبلاء ليس علامة بغض الله للعبد بل قد يكون من علامة حبه له كما ورد في الحديث: (من يرد الله به خيرا يصب منه)، وتفكر في حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيف عانوا وابتلوا فهل كان ذلك علامة على بغض الله لهم يقول عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) ويقول تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) ويقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) ويقول: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) والآيات والأحاديث في هذا المجال كثيرة.

- تذكر ما حلّ بنبي الله داود -عليه السلام- وما حصل ليوسف -عليه السلام- وما حل بنينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأذى يهُن عليك مصابك.

- عليك بالصبر فعواقبه حسنة، ولا تتضجر من قضاء الله وقدره، بل عليك أن ترضى وتعمل بالأسباب المشروعة من أجل خروجك من هذه المحن، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ففي الحديث (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).

- ظن بالله خيرا وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).

- لا تتمن الموت فذلك أمر مخالف للشرع، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وإن كان فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي).

- من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، وقد وعد الله أن ينتصر للمظلوم من الظالم ولو بعد حين.

- تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وسله أن يرفع عنك البلاء وأن يفرج همك، وخاصة في جوف الليل حين يتنزل الرب سبحانه في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فينادي (هل من صاحب حاجة فأقضيها له).

- أكثر من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

- عليك أن تُصبر والديك وأن تطلب منهما الدعاء فدعوة الوالد مستجابة.

- قد يكون ما حل بك رحمة الله تعالى ليحميك مما هو شر من ذلك، فالعبد لا يدري ما كان سيقدر له ألا ترى كيف أن بعض الناس يكون متهيئا للسفر مع زملائه ثم يأتيه مانع قبل السفر بساعات فيعتذر عن السفر فيأتيه الخبر في منتصف النهار بحادث أودى بحياة جميع زملائه، أليس من رحمة الله بهذا الشخص أن عوقه عن السفر.

- أكثر من تلاوة القرآن وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يفرج همومك وأن يكشف عنك الضر والبلوى، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر وليد رمضان

    والله أحزنتني علي حالك، ورد الشيخ عليك أكثر من كاف، ويا أخي تأكد أن بلاء أناس آخرين أضعاف أضعاف بلاءك وتأكد من ذلك، ويكفي هذا سببا لترضي بقسمتك.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً