الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تدهورت حالة أمي النفسية بعد وفاة والدتها، فكيف أتعامل معها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا سيدة، والدتي محافظة على صلاتها، ومداومة على قراءة وردها اليومي، -أسأل الله أن يثبتها ويزيدها من فضله-، لكن بعد وفاة والدتها بدأت تشعر بالاكتئاب، وتنظر للحياة بنظرة سوداوية، تضخم الأمور، وتفتعل المشاكل من أتفه الأسباب، لا تشعر بالسعادة حتى أثناء وجود مسببات السعادة، متقلبة المزاج والآراء، تشعر بوحدة شديدة.

حاولنا كثيرا أن تقوم بمراجعة الطبيب لكن دون جدوى، فأصبح الموضوع مقلقا لأن حالتها في تدهور ملحوظ، فما العمل؟ وهل هناك دواء يمكن صرفه بدون مراجعتها للطبيب، وبدون تأثير على صحتها على المدى البعيد؟

مشكلتها أنها دائماً تشعر بضيق شديد، ورغبة في العزلة بسبب أو بدون سبب، تغضب بسرعة ولأتفه الأسباب، أحياناً تكون في سعادة، لكن فجأة وبدون سبب تشعر بهمّ وغم وضيق بصدرها، حتى وإن كانت بين أهلها وأحبابها، دائمة التفكير بكل الأمور صغيرها وكبيرها، وتخاف من حدوث مكروه, تخاف من الناس وكلامهم, تخاف من القرارت الجديدة وتتردد كثيرا, أحياناً تكره نفسها وتكره كل شيء في الوجود، وإذا كانت بمكان عام, ترى أن الناس مثل الوحوش الذين يعيشون بالغابة, في سرعة حركاتهم وفي كل أمر طبيعي يتصور لها خلاف ذلك.

وأحياناً يراودها شعور أن الجميع لا يحبونها، تتمنى الموت أحياناً من شدة الهم والضيق الذي تشعر به، وتعاملها معنا إذا كانت في مزاج جيد تثني وتشكر, وغالباً ترانا لا شيء وتقلل من شأننا, ولا تحب أن تسمع رأينا، وعند نقاشنا معها أو طرح الآراء, ترى أننا نفرض أوامرنا عليها, وأن رأيها لا يهمنا، وتنظر لآرائنا على أنها تحدي لرأيها، فكيف نتعامل معها؟

أرجو الرد في أقرب فرصة، بارك الله فيكم ونفع بعلمكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ nadyh حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

من الواضح جدًّا أن والدتك تمرُّ بمزاج اكتئابي متوسط إلى شديد، وذلك بعد وفاة جدَّتك -عليها رحمة الله-.

الحزن بعد الوفيات خاصة إذا كان المتوفَّى مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالشخص الذي أُصيب بالحزن والكرب، تستمر هذه الأحزاب لمدة لا تقل عن ستة أشهر في بعض الأحيان، وإذا تعدَّتْ هذه المدة -أي مدة الستة أشهر- أو كان الحزن حزنًا شديدًا ومتضخمًا، أو كانت تبدر أو تصدر بعض الأفكار أو التصرفات غير الطبيعية من الشخص، نعتبر هذا الحزن حزنًا غير طبيعي، ونعتبره مرضيًا، وفي هذه الحالة لا بد من تدخل الطبيب النفسي.

وأنا لا أعرف التاريخ الذي تُوفيت فيه جدَّتك -رحمها الله تعالى- لكن في كل الأحوال -حتى وإن كانت المدة لم تكمل ستة أشهر- بوادر الاكتئاب وعُسر المزاج والشعور بالكدر والكرب وقلة السِّعة النفسية، بل الإصابة بالهشاشة النفسية واضحة جدًّا عند والدتك الكريمة.

عمر والدتك أيضًا لم يُذكر في الاستشارة، لكن أتصور أنها فوق الخمسين، وهي رفضت الذهاب إلى الطبيب النفسي، لكن يمكن أن تذهب إلى طبيب الباطنة أو الطبيب العمومي، من أجل القيام بفحوصات عامَّة مثلاً، هنا يمكن إقناعها للتأكد من مستوى وظائف الغدة الدرقية، ومستوى الدم، والسكر، ووظائف الكلى ووظائف الكبد، ومستوى فيتامين (ب12)، وفيتامين (د)، هذه فحوصات أساسية ومهمَّة، ونعرف أن هنالك حلقات ضعفٍ معروفة في حياة النساء.

فهذه التراكمات كلها تتطلب بالفعل أن تذهب الوالدة إلى طبيب، وحاولي إقناعها -كما ذكرت- أن تذهب إلى طبيب الأسرة، أو الطبيب العمومي، أو طبيب الباطنية، وهي تحتاج لمُحسِّنات المزاج، ومن أفضل هذه الأدوية العقار الذي يُعرف باسم (سبرالكس)، ويُسمَّى علميًا (استالوبرام)، هو سليم، وغير إدماني، ومفيد جدًّا، وفي معظم الدول يُصرف دون وصفة طبية.

الجرعة في حالة والدتك: أن تبدأ بخمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوع، ثم تجعلها بعد ذلك عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف من العلاج.

أما إذا لم تتحسَّن حالتها بعد أن تتناول السبرالكس بجرعة عشرة مليجرام لمدة شهرٍ، ففي هذه الحالة يجب أن ترفع الجرعة إلى عشرين مليجرامًا في اليوم، وهذه تُعتبر جرعة علاجية ممتازة وسليمة، وتستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى عشرة مليجرام لمدة شهرين، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين.

بجانب العلاج الدوائي قطعًا المساندة السلوكية أو الوجدانية والعاطفية من جانبكم سوف تُساعدها كثيرًا، ويجب أن تُشعروها دائمًا أنكم في حاجة شديدة إليها.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لوالدتك العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً