الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أن جميع الناس يحملون بداخلهم جانبا مظلما شريرا.

السؤال

السلام عليكم

منذ بضعة أيام لم أعد على ما يرام بسبب مشاهدة أحداث قاسية كالتحرش واختطاف الأطفال والقتل وغيرها من أحداث كثيرة، ودائما ما أتساءل لماذا يوجد جانب مظلم في هذه الحياة؟ لماذا يقدم الناس على فعل أشياء سيئة وبشعة؟

لقد تغيرت نظرتي للحياة، لم أعد أشعر بالاطمئنان وبدأت أفقد الثقة في الكثير من الناس حولي، وأنظر لهذا العالم بصورة سيئة، أشعر أن جميع الناس يحملون بداخلهم جانبا مظلما شريرا يمكن أن يتحولوا إلى وحوش في أي وقت، أعتقد أن ما يحدث معي هو بسبب عمري، فأنا في 18 من عمري.

أخشى أن أتعرض يوما ما للخطر، ولا يمكنني فعل أي شيء، أشعر أنني ضعيف جدا في هذا العالم، ولا قيمة لي في هذا المجتمع أبدا.

أتمنى أن تفيدوني ببعض الكتب في تنمية الفكر، أو أي مجال طبعا إن أمكن، ولا مشكلة إن كانوا بالإنجليزية أو العربية، لأنني أعتقد أن القراءة هي الحل الوحيد لتوسيع الوعي لدي.

المهم ختاما شكرا لكم على الإجابات التي تقدمونها لنا بالمجان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ayoub حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أود أن أنطلق معك من خلال سؤالك: لماذا يوجد جانب مظلم في هذه الحياة?
ألا تتفق معي أن من طبيعة الأشياء الخير والشر، ووجود الأبيض والأسود والليل والنهار، إن في ذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله.

ولا شك أن الله سبحانه الله وتعالى جعل الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وجعل الإنسان فيها مسافراً عابرا، ليتزود منها بالعمل الصالح، ويكمل رحلته إلى دار المستقر.

إن الدار الآخرة هي التي لا خوف فيها ولا هم يحزنون، وهي التي فيها النعيم المقيم، ولو كانت الدنيا كلها نعيماً مقيماً وكلها مشرقة لما كان للآخرة معنى.

ولو كانت الحياة كلها لوناً واحدا: أبيض .. حيث لا يوجد شر، ولا مصائب، ولا امتحانات... أكانت ستكون دار امتحان، واختبار ثبات؟
ولو كانت الحياة الدنيا ينعم بها الإنسان بالراحة والنعيم والسعادة، ولا يرى إلا ما يحب ويرضى، كيف سينال درجة الصبر؟ وكيف يميز بينها وبين الآخرة ونعيمها الدائم
نعم، كما ذكرت في رسالتك، للأسف أصبح العالم من حولنا مملوءًا بالمآسي والأحداث والحروب والجوع والقهر والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، والقلوب تألم لما تراه كل يوم وما تسمعه.

ولكن اعلم أن ذلك إنما مرده إلينا، وبما قدمت أيدينا، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن أعمالهم، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم.

فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم العقوبة على جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.

أخي الفاضل: إن الحل والمخرج لما تراه حولك، هو أن يعود كل واحد منا إلى نفسه، ويصلحه ويقومها، ويردها إلى جادة الحق والصواب، ولا يلقي مسؤولية ما يحدث على الآخرين، بل لكل منا دوره إن التزمه وأداه كما يجب بإذن الله سيرفع البلاء عن أمتنا.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ فعلينا أن نبدا التغيير من أنفسنا وذاتنا، أما التركيز على الجانب السلبي كما ذكرت في رسالتك، فإنه سيوصلك إلى التراجع والسلبية، فقد ذكرت أنك بدأت تفقد الثقة في الكثير من الناس حولك، وأنك تنظر إلى هذا العالم بصورة سيئة، وتشعر أن جميع الناس يحملون بداخلهم جانباً مظلمًا شريرًا يمكن أن يتحولوا إلى وحوش في أي وقت حسب تعبيرك، فهذا سينعكس سلباً على نفسيتك، وربما يسبب لك إحباطاً واكتئاباً وأشياء لا تحمد عقباها، ففي دنيانا خير وشر ... أبيض وأسود... وبدلاً أن تأخذ دور الناقد المراقب المتصيد للأخطاء والزلات، عليك أن تكون المبادر إلى الإصلاح والتقويم، قد تقول في نفسك وماذا أنا في هذا الكون، وماذا عسى أن أغير فيه؟

وأقول إذا بدأ كل منا بإصلاح نفسه فإن القانون الإلهي سيتحقق، إذا أردت أن تغير العالم من حولك فابدأ بنفسك، وأخلص النية لله وكن على يقين، أن ذلك ليس على الله ببعيد، بل سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون.
أما قولك: أشعر أنني ضعيف جداً في هذا العالم ولا قيمة لي في هذا المجتمع أبداً.

أقول قيمة الإنسان بما يقدم من النفع لمجتمعه، لذلك عليك أن تضع لنفسك هدفاً واضحاً قوياً وتسعى بخطىً ثابتة نحو تحقيقه، كما أنك ذكرت أن عمرك ثمانية عشر عاماً وهذا العمر، يكون كتلة متوقدة من الحيوية والنشاط والرغبة بالعطاء والإنجاز، والطموح الجامح في طريق النجاح، هكذا عليك أن تكون لا أن تسلم نفسك طواعية للأفكار المأساوية التي تسيطر عليك، كن قوياً بعلمك، بثقافتك، بمهاراتك، بخبراتك، بوعيك، بتحقيق هدفك، كل ذلك سيجعل منك شخصية قوية ومؤثرة في الآخرين ولها بصمة لا تنسى.

أنصحك بقراءة كتب في تحقيق الذات، وإعداد القائد الناجح، وغير ذلك من الكتب التي تساعدك في التركيز على بناء العقل وتطويره وعلى النجاح والتفوق والإنجاز.

أسأل الله أن يجعلك من عباده الصالحين المصلحين اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المملكة المتحدة عبدالله

    نفس الشعور يراودني وكذلك العمر

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً