الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت حياتي بعد استيقاظي من النوم فجأة مع الشعور بخوف وخفقان!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا امرأة أبلغ من العمر 29 سنة، أم لطفلين، وأعيش حياة جميلة وسعيدة ومستقرة -الحمد لله-، محبة للحياة ومتفائلة، حتى وإن تعكر صفو مزاجي أكون بحالة سعيدة، مشكلتي لا أعلم من أين بدأت.

قبل زواجي بسبع سنوات أختي الكبرى وأثناء صلاة التراويح سقطت على الأرض، وأخذت بالصراخ، واكتشفنا بعد فترة بأنها مصابة بالسحر، صدمت من أجلها، وأحضرنا لها راقيا شرعيا، وقرأ على الجميع وقال بأننا سليمون.

مضت الأيام وتزوجت وعشت حياة سعيدة، وبعد سنتين من ولادة طفلي الأول أصابتني حالة غريبة وأنا نائمة، استيقظت من النوم وأنا أشعر بخفقان سريع وتعرق وخوف ورجفة، ظننت بأنني سوف أموت، قمت للصلاة وهدأت نفسي ثم عدت للنوم، تغلبت على ما حدث، وعدت لوضعي الطبيعي، ومرت السنوات وكل شيء جميل إلى أن أتى الصيف الماضي، في شهر ذي القعدة، وكان موعد الدورة الشهرية -ربما ثالث يوم- أصبت بأمر غريب: حالة إحباط وكره للحياة وملل، قمت بالبكاء لأنني لا أريد هذا الشعور، وجاهدت نفسي بالذكر والقرآن، ولكنني حينما أرى أهلي وأبنائي وزوجي أستغرب، وأقول لماذا نضحك ونسافر ونشتري الجديد ونهايتنا الموت؟! أفكر متى تنتهي هذه الدنيا وأبكي، لأنني أعرف طبعي، فأنا محبة للحياة.

جاهدت جهادا عظيما استمر لمدة شهر إلى عيد الأضحى، وبعد العيد من الله علي بالعافية، وعدت سعيدة كما كنت ومتفائلة، ومرت خمسة أشهر وأنا سعيدة، وفي نهاية شهر جمادى الأولى، أصبت بنفس الأمر، وكانت فترة الدورة، وفي آخر يوم، وعدت أكره نفسي لمدة سبعة شهور.

ومن هذا الإحساس للحياة بأنها ممللة، ماذا سأفعل غدا وبعد غد؟ نفس الروتين، لا يوجد شيء، متى تنتهي الحياة، وفي قرارة نفسي أموت من هذا الشعور، لأنني أريد العودة لطبعي المتفائل، ثم قررت الذهاب إلى طبيبة النساء، وشرحت لها كل شيء، وصرفت لي دواء عشبة، و-الحمد لله- تحسنت، وخفت الأعراض، استخدمت أول حبة، وأسميتها حبة السعادة، لأنني شعرت فعلا بالسعادة، فلا أعلم هل هذا الشعور نفسي أم أنني ربطت نفسي به!

وضعي جيد، لكنني في وقت الدورة وقبلها وبعدها أشعر بالحزن والإحباط، وعدم جدوى الحياة، وماذا سأفعل بالغد وبعده؟ لا شيء جديد، ولكنني أستعيذ بالله وأذهب لزيارة الأهل أو اللعب مع أطفالي.

سؤالي: هل الأمر هو اضطراب نفسي؟ هل هو اكتئاب مرضي؟ لأنه يسبب لي الخوف، خوف من الحياة خوف من السفر، لأنني أقول لو سافرت ستعود نفس الحالة، والآن نحن بشهر ذي القعدة، وأشعر بالخوف منه، لأنني بنفس الشهر أتتني، وصرت أخاف دخول بيت أهلي، لأنني أصبت بها هناك، لم أترك الاجتماع مع الأصدقاء والأهل، ولم أهمل نفسي، وأنا مستمتعة أسمع عقلي الباطن يؤنبني على ضحكي واستمتاعي، أفكر بأننا سنموت فلماذا كل هذا؟

تحاليلي هي: فيتامين (د)، عندي 27، وفيتامين (ب 12) 160 من 200، وأخبروني بأنه ناقص، وربما هو السبب، ولكنني فضلت استشارتكم.

بالوقت الحالي لدي مجموعة من الكتب عن السعادة، وعن كيفية التغلب على المزاجية، وعند القراءة أشعر بالاندفاع والحماس، ثم أفكر هل أنا مكتئبة، هل أنا سعيدة، لماذا لم أعد كالسابق، لماذا أنا أصبحت هكذا؟ ثم أقوم وأغير وضعي وأتابع التلفاز أو أتحدث بالهاتف. هل أنا مريضة نفسيا؟ وهل أنا مضطربة؟ وهل هي مجرد مخاوف وأوهام؟

حينما أستمع للقرآن يصيبني الخوف بحكم ما رأيته بأختي، ثم أقول لماذا أخاف؟ بالتأكيد أنا محسودة أو مسحورة. أشعر أحيانا بالملل مع زوجي، لأنه قليل الكلام جدا، ويمر يومي كاملا دون كلام، قراراتي مترددة بسبب مخاوفي.

خائفة من أن أصاب بمرض نفسي أو اكتئاب. ساعدوني، ولكم خالص تقديري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية في أول مشاركتك، ورسالتك واضحة جداً، وقد تدارستها بكل تفاصيلها الواضحة بذاتها، وحياتك فعلا حياة طيبة ومستقرة منذ بدايتها، وبعد ذلك أتى الزواج، وأراه أيضاً زواجا طيبا.

النوبة التي حدثت لك بعد ولادة طفلك الأول وأيقظتك من النوم هي نوبة هلع، أو ما يسمى بنوبة الفزع أو الهرع، وهو نوع من القلق النفسي الحاد جداً، والذي يكون مصحوبا بقلق ومخاوف شديدة، وشعور كأن المنية قد دنت، وتكون هنالك أعراض جسدية أهمها التعرق، والانشداد العضلي، وتسارع ضربات القلب، وهذه النوبة انتهت، لكن ربما تكون تركت أثرا وهو المخاوف المتصلة، والتي ترتبت على نوبة الهلع السالفة الذكر.

بالنسبة لموضوع الدورة الشهرية وما يصيبك من توترات ومشاعر اكتئابية هذه الظاهرة معروفة أن الدورة الشهرية لدى النساء، ونسبة لعدم التوازن الهرموني فيما قبلها على وجه الخصوص، أو في أثنائها، وحتى بعدها قد يأتي هذا المزاج الاكتئابي بالنسبة لما وصفته من أفكار غبية وسخيفه، وهي بالفعل مزعجة، هذه ليست أوهاما، هذه أفكار وسواسيه، والفكر الوسواسي فعلاً هو فكر سخيف يقتحم كيان الإنسان ووجدانه، ويسبب له الكثير من عدم الاستقرار النفسي والوجداني.

جملة القول: أنك لا تعانين من مرض نفسي، فأرجو أن تطمئني، لكن لديك ظاهرة نفسية مهمة، هو أنك أصبت بنوبة فزع، وبعد ذلك بدأت عندك هذه الهواجس الوسواسية، ولديك أيضاً ما يمكن أن نسميه بالاضطراب المزاجي الدوري، فأعراضك تأتي بصورة دورية، كما أن اضطرابات الدورة الشهرية أيضاً تعتبر هي المثير الرئيسي لاضطرابك المزاجي.

الحالة -إن شاء الله- بسيطة جداً، وأنت لا تفضلين الذهاب إلى طبيب نفسي، وأعتقد أنك يمكن أن تتواكبي وتتواءمي بصورة أفضل، خاصة أن الإيجابيات كثيرة في حياتك، وحتى إن كان زوجك قليل الكلام، فيمكن استثمار اللحظات الطيبة معه لمناقشة بعض الشؤون الأسرية، وأن تكون دائماً إيجابية في تفكيرك، وأن تعبري عن ذاتك، هذا سوف يفيدك، وممارسة شيء من الرياضة التي تناسب المرأة المسلمة أيضاً يفيد في مثل هذه الحالات.

الفكر الوسواسي هذا يجب أن يحقر، ويجب أن لا تعطيه اهتماماً، لكن نسبة لاستحواذيته وأنه ليس تحت إرادتك الكاملة يفضل أن تتناولي أحد مضادات الوساوس، هنالك دواء ممتاز يعرف باسم بروزاك، معروف جداً وهو في الأصل مضاد للاكتئاب، لكنه أيضاً مضاد للوساوس، وإذا تناولته بجرعة كبسولة واحدة فقط في اليوم لمدة ثلاثة أشهر ثم توقفت عنه؛ أعتقد أنه سوف يشكل قاعدة علاجية دوائية جداً بالنسبة لك، علما بأن الدواء غير إدماني ولا يضر بالهرمونات النسائية، ونستعمله كثيراً في عسر المزاج المرتبط بالدورة الشهرية، وهو غير إدماني كما ذكرت لك.

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً