الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفراد أسرتي يتمنون لي الموت ويضايقونني، فكيف أتصرف معهم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 14 سنة، يتيمة الأب، أتعرض لمضايقات أسرية كثيرة، والدعاء علي بالموت، وأسرتي تتكون من أمي وثلاثة أخوة وأختين، أخ واحد أكبر مني بسنة والبقية كلهم أصغر مني، وقد حاول أخي الكبير قتلي من خلال وضع قطع بلاستيك صغيرة في أذني وتحريكها.

علما أني أظهر أمامهم الشجاعة، وأبكي في الخلوة، ماذا أفعل؟ كيف أتصرف معهم؟ دائما أشعر أني لست من هذه العائلة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوتيلا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك – ابنتي العزيزة – وأشكر لكِ تواصلك مع الموقع، سائلاً الله لكِ العون والتوفيق والصبر والحكمة والرشاد وأن يجعل لكِ من أمركِ فرجاً ومخرجا.

- بخصوص سوء معاملة أهلكِ لكِ, فرغم تفهّمي وتعاطفي مع مشكلتكِ – سلمكِ الله من كل سوء ومكروه – إلا أنّي أحب أن أذكركِ بالآتي:
- يجب عليك تذكُر أن الله تعالى قدّر لحكمته ابتلاء عباده, مما يوجب عليه ضرورة التحلي بالصبر على البلاء, والشكر على النعماء والرضا بالقضاء وبالقدر خيره وشرّه من الله تعالى, قال تعالى: (ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والثمرات وبشّر الصابرين...).

- لا يخفى أن الأصل في العلاقة الأسرية هي المحبة والمودة والرحمة, فليس من الأمر الطبيعي أو الفطري أو الشرعي كراهية أهلكِ لكِ, بل العكس, مما يوجب عليك ضرورة إزالة الظنون السيئة من نفوس أهلكِ لكِ, لاحتمال وجود أهل النميمة الكاذبين في الإخبار عنك بالباطل, أو سوء فهم بعض أقوالك وأفعالك, وذلك بأن تتحلي بحسن التعامل معهم في أفعالك وأقوالك, وفي الظاهر والباطن بتقديم الطاعة والخدمة اللازمة, والهدية, والابتسامة, واعتنائك بدراستك ومحاولة التميّز بها وعلاقاتك بإيجابية واعتنائك بعبادتك والتعبير بلطف وحب عن ألفاظك ومشاعرك, والحذر من العبارات الجارحة أو نحوها والتي قد تقابل بسوء الظن وسوء الفهم، وبالتالي سوء المعاملة لك ظلماً, ولذلك يقول تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا), يأمرنا الله أن نختار أحسن الألفاظ والعبارات لمن حولنا, حتى لا يضخم الشيطان معانيها بالسوء فتكبر المشكلات والخصومات.

- احذري - ابنتي العزيزة - من تفسير سلوكهم معك بمقتضى الحساسية والعاطفة المبالغ فيها, كتوهم إرادة أخيك لقتلك من خلال تحريك قطعة البلاستيك بأذنك, وهو فعل يدل على الغضب فقط لا إرادة القتل, كما أن دافع الأخوة يستبعد معه إرادة القتل والسوء لك حتى ولو دعوا عليك أو مدّوا أيديهم بالسوء إليك. فاحذري - حفظك الله - من المبالغة في العاطفة وسوء الظن, واعلمي أنكِ في عمر ما زال صغيراً وهو محل لهذه العاطفة والتأثر السريع والانفعال, والتسرع في التعامل بالحزن وردود الأفعال.

فاحرصي - حفظكِ الله - على التعامل مع إساءتهم معك بالإحسان إليهم, كما قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم), وإذا كان هذا هو المشروع في حق غير الأهل بل ومع الأعداء, فالإحسان مع الأقارب من باب أولى , مما يوجب عليك التحلي بالصبر وسعة الصدر والحلم والهدوء ومحاولة العفو والمسامحة ما أمكن (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم).

- من المناسب والحكمة الدخول مع أخيك الأكبر في حوار هادئ لإزالة الإشكال عنكِ باختيار الوقت المناسب والأسلوب المناسب والهدوء والحكمة والحجّة, ويمكنكِ الاستعانة ببعض العقلاء المؤثرين من أهلك للقيام بواجب الإصلاح كما قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) ولا يخفى عليك أهمية وفضل صلة الأرحام في شريعة الإسلام, قال تعالى : (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم).

- تحلّي, بارككِ الله تعالى - بحسن الظن بالله, وفي الحديث القدسي الوارد في الصحيحين: (أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه حيث يذكرني...). والثقة بنفسك, والتفاؤل والأمل في التصحيح والإصلاح والتغيير إلى الأحسن – بإذن الله –, وفي الحديث: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.

- ومما يعين على تحصيلك لعون الله تعالى وتوفيقه وطمأنينة النفس أن تحرصي على زيادة الإيمان بالمحافظة على ذكر الله تعالى وقراءة القرآن وملازمة الطاعات والصحبة الصالحة، والحرص على طلب العلم النافع والعمل الصالح، وبر الوالدة وصلة الأرحام, قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) وقال سبحانه: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا) وفي الحديث : (احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك).

- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء خاصة الحرص على اختيار أوقات الإجابة كالدعاء آخر الليل وأدبار الصلوات المكتوبات, قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).

- وأنا كلي ثقة - بإذن الله تعالى -أن تتجاوزي همك ومشكلتك قريباً, وهي مسألة وقت فقط كما ستلمسين ذلك بنفسك (إن مع العسر يسرا) فعلقي قلبك بربك, وتقربي أكثر من أهلك, وخذي الأمور ببساطة وسماحة, وسترين البشرى بالخير قريباً أسعدكِ الله.

أسأل الله -يا ابنتي العزيزة-أن يفرّج همك وييسر أمرك ويشرح صدرك, ويرزقكِ التوفيق والسداد ويلهمك الحِلم والصبر والصواب والرشاد, ويصلح ذات بينكم ويجمع شملكِ وأسرتكِ على محبة وخير, ويدفع عنكم السوء والبغضاء ووساوس الشيطان ويرزقكم سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً