الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب الشديد دمر حياتي، فكيف أتخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة، أصبت بمرض مزمن سبب لي القلق والتوتر، وفي فترة ما أصبت باكتئاب شديد لدرجة كنت أقول في نفسي يجب أن أموت بأي طريقة، لكن -للأسف- ما زلت حية.

لا أعتقد سبب الاكتئاب المرض بحد ذاته، بل ما حدث قبل اكتشاف المرض، وفترة العلاج الصعبة، وما بعد المرض، فبالرغم من ألمي الشديد، ورؤية أهلي في المنزل، مما كنت أعانيه إلا أنهم كانوا يقولون لي إنها حالة نفسية، وأنا لا أعاني من شيء، وهو مجرد توهم، بعد أن أكد الطبيب أنه ليس لدي أي مشكلة، مع أن مرضي قلب حياتي رأسا على عقب.

كنت أستيقظ يوميا في منتصف الليل على مغص فظيع وتقيؤ وحرارة، ويستمر لليوم التالي صباحا، حتى يهدأ تدريجيا، كانت عيني لا تغمض من شدة الألم، وبسبب ما كان يُقال لي، كنت عندما أستيقظ ليلا أقف أمام المرآة وأقول لنفسي: أنت كاذبة، أنت لا تعانين من شيء، كنت أكلم نفسي كالمجنونة، فبالرغم من كل الألم لا أحد يصدق.

فترة العلاج كانت صعبة وطويلة، أصبح المنزل مليئا بالتوتر والقلق بسبب شكواي وتذمري وحزني المستمر، حدثت أمور كثيرة لا أستطيع ذكرها هنا، كان لها تأثير كبير أيضا.

بعد التدخل الجراحي المؤلم جدا، وتناول الهرمونات القاتلة التي تسبب الكثير من الأعراض المزعجة تعالجت -والحمد لله- (استمرت فترة العلاج سنة) لكن المشكلة أنني ما زلت غير مرتاحة نفسياً أبدا حتى بعد انتهاء العلاج، دائما أفكر لماذا حدث كل هذا؟ فأنا متألمة منذ سنين، واشتد الألم بشكل يومي لثلاثة أشهر متواصلة، عشتها في الجحيم، لماذا كل هذا؟ ولماذا لم أتعالج منذ البداية، ولماذا وصلت إلى هذا الحد من الألم؟

لا أستطيع نسيان ما حصل معي أبدا، أنا أعيش في الماضي، وأتذكر كل لحظة ألم عشتها، وعندما أتذكر أعود للبكاء، وكأن لحظات الألم تُعاد مرة أخرى، حتى أن هناك أشخاصا أشعر بضيق شديد عند رؤيتهم، وأتجنب الحديث معهم، لأنهم يذكرونني بما حصل معي، لا أستطيع مساعدة نفسي على التخلص من كل هذا.

غير ذلك أنا مرضي مزمن وسيعود مرة أخرى، لذا علي تناول الهرمونات طيلة حياتي، وأنتم تعلمون جيدا أن الهرمونات تسبب القلق والتوتر، وعدم القدرة على النوم، والآلام الجسدية أيضا، فيستحيل أن أمضي بقية حياتي بهذا العذاب.

أريد أن تصفوا لي دواء يخفف عني بعضا من هذا العذاب، ولا يحتاج لوصفة طبية، وتوضيح كيفية تناوله، ولا يؤثر على الدورة الشهرية، والهرمونات في الجسم، ويقلل من فاعلية الهرمونات التي أتناولها وهي "فيزان" أو "هرمون مانع حمل"، وأنا الآن توقفت عنها، لكن أقصد في حال عدت لها، فعودتي لها لابد منها، وأرجو ذكر الأعراض الجانبية المحتملة له، من فضلكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وردة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أسأل الله تعالى لك العافية والشفاء، وأحزنني كثيراً قولك: يجب أن أموت بأي طريقة، هذا كلام مؤلم جداً للنفس، حتى على نفسي أنا. -أيتها الفاضلة الكريمة- المؤمن لا يتمنى الموت، الموت آتٍ ولا مشورة حوله، ويجب أن نعمل لما بعد الموت مهما كانت آلامك جسدية أو نفسية أو اجتماعية، -فإن شاء الله تعالى- الفرج موجود، والله هو مفرج الكرب، وتذكري مناجاة سيدنا يونس عليه السلام لربه وهو في بطن الحوت: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، أنا أقدّر مشاعرك وأتعاطف معك جداً، لكن أختلف معك في أن مفاهيمك حول الحياة فيها سلبية كثيرة، وهذه السلبية هي التي زادت من آلامك النفسية والجسدية.

يجب أن تكون صلبة، يجب أن تقاتلي، وأن تكوني صامدة، كما فعل ذلك الكثير من الناس قبلك، فأنا أعرف منهم الكثير والكثير، فغيري هذه المفاهيم الفكرية السلبية، وارتقي بنفسك وارتفعي بها، أنت بخير، وهنالك من يتناول علاجات أسوأ من علاجاتك، بل هنالك من لهم أسقام وأمراض لا علاج لها -نسأل الله تعالى الستر-، أنت محتاجة لتغيير فكر ليكون فكراً واقعياً أصيلاً ثابتاً قوياً، ومتفائلاً، وهذا هو الذي يفيدك، ولتغيير نمط حياتك لابد من القراءة، والاطلاع، والتواصل الاجتماعي، وتخصيص وقت لحفظ شيء من القرآن الكريم، وممارسة شيء من الرياضة اللطيفة، والتمارين الاسترخائية، وأن تحسني من تواصلك الاجتماعي، هذه كلها علاجات -أيتها الفاضلة الكريمة- وبهذه الكيفية يهزم الاكتئاب ويقهر الاكتئاب.

نصيحتي لك -بل رجائي منك- أن تكوني إيجابية في تفكيرك وأفعالك ومشاعرك، وهذا ممكن جداً، لا تجعلي للشيطان طريقاً ووسيلة ومنفذاً ليهيمن على كيانك الإنساني الطيب ووجدانك.

بالنسبة للدواء أتفق معك أنك محتاجة لأحد محسنات المزاج، وكنت أتمنى أن تذهبي إلى طبيب نفسي، أنت لست حقيقة مريضة نفسية، لديك ظاهرة نفسية قلقية اكتئابية تشاؤمية مع فكر سلبي، وما ذكرته لك من إرشاد هو جوهر العلاج، -كما ذكرت- إن كان بالإمكان أن تذهبي إلى طبيب نفسي هذا أفضل، وإن لم يكن ذلك ممكناً يمكن تناول أحد محسنات المزاج مثل الزولفت والذي يسمى سيرترالين، فهو دواء راقٍ وجميل وسليم، ولا يؤثر أبدا على الهرمونات النسوية، ولا يسبب الإدمان، فقط ربما يفتح الشهية قليلاً نحو الطعام في بعض الأحيان.

الجرعة التي أريدك أن تتناوليها هي جرعة صغيرة، وهي حبة واحدة في اليوم، علماً بأن الجرعة الكلية 4 حبات في اليوم، وبهذه الجرعة الصغيرة لا أتوقع -إن شاء الله تعالى- أي أعراض سلبية، اصبري على الدواء، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به، الجرعة هي أن تبدئي بنصف حبة 25 مليجرام، تناوليها يومياً لمدة شهر ثم اجعليها حبة واحدة يومياً ليلاً لمدة عام مثلاً، وهذه ليست مدة طويلة، ثم بعد ذلك اجعليها نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر.

أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في استشارات الشبكة الإسلامية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً