الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا في حيرة بين إرجاع طليقتي وإتمام زواجي الجديد، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم
كنت متزوجا لمدة ثلاث سنوات، ورزقت بطفلة، كنت دائما الخلاف مع زوجتي نتيجة اختلافنا في الطبع والتفكير، ولكن بيننا أيضا ذكريات كثيرة جميلة، ونتيجة مشاكل وتراكمات سابقة وتدخل الأهل، ازدادت وتفاقمت المشاكل ووصلت لقضايا إلى أن تم الطلاق، وكان من أهم أسبابي لطلاقها هو شعوري بأنها لا تحبني وتفضيلها لأهلها دائما علي.

بعد الطلاق قررت الزواج مرة أخرى، وخاصة أني أعمل بالخارج فارتبطت سريعا، مع ملاحظة أن خطيبتي لم يسبق لها الزواج وكانت مخطوبة فقط، وبالطبع قبلت بي أني متزوج سابقا ولدي طفلة؛ لأني مهندس وأعمل بالخارج، ومرتاح ماديا، مع أنها كانت رافضة في البداية لكن أهلها أقنعوها.

بقيت مع خطيبتي أسبوعا فقط، وسافرت بعدها، أحسست معها بالراحة في البداية يخلطها شعور باكتئاب داخلي نتيجة حياتي السابقة، وفراقي عن ابنتي وتفكيري الدائم فيها.

ومرت الأيام وكنت دائم التواصل مع خطيبتي، وكنا نتخاصم ونتصالح كثيرا، وبها صفات جميلة وصفات أخرى أكرهها، وأهلها ووالدها رجل محل تقدير واحترام، لكن والدتها لم أشعر بالارتياح تجاهها.

ومن صفاتها الجيدة أنها تحبني وتهتم بي وتحتويني وقت غضبي، لكنها تحب المال كثيرا والتي غالبا تزوجتني من أجله.

بعد فترة طلبت منها التحدث مكالمة فيديو فوجدتها على غير هيئتها وشكلها مختلف عما رأيتها عليه، فقد كانت أجمل بالمكياج، فشعرت بعدم القبول لشكلها وأيضا لشخصيتها.

تواصلت مع طليقتي بشأن ابنتي، فوجدتها تبكي كونها لا تستطيع التحدث معي كوني شخص غريب عنها، وأنها ما زالت متعلقة بي، وأيضا وجدت أنها طول مدة طلاقي عنها أكثر من سنة كانت تكتب خواطر ورسائل كأنها توجهها لي بالحب والدعاء بأن يجمع الله شملنا، كما أنها تعبت كثيرا وصحتها ضعفت نتيجة فراقنا، وصدمتي هو أنني أصلا سبب فراقي وطلاقنا هو أنني كنت أحسبها لا تحبني، ولا تريد الاستمرار بالزيجة، وشيء غريب بشخصيتها، ولكن في النهاية فهمت الآن أن ذلك نتيجة طبعها لا تعبر عما بداخليها بسهولة، وأن كبرياءها في الغالب يمنعها بالبوح بما داخلها وقت الخصام بيننا.

الآن أنا في حيرة كبيرة جدا في أمرين: إما أستمر في زيجتي الجديدة بما وصفتها من مزايا وعيوب، وفي هذه الحالة تصعب علي جدا طليقتي بما عرفته من شعورها ناحيتي، وفراقي لابنتي التي أحبها كثيرا وخوفي على حياتها ومستقبلها، وأيضا لكونها ليس لديها أخوة أو أنفصل عن خطيبتي، وفي هذه الحالة تصعب علي زوجتي الجديدة لأنها متعلقة بي كثيرا وتحبني كثيرا، وأيضا لأنها ليست مجرد خطبة، ولكن عقد قران، علما أنهما ترفضان الجمع بينهما.

أرجوكم أفيدوني، فأنا في حيرة شديدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك – أخي العزيز – وفرّج همك ويسّر أمرك وشرح صدرك وأعانك إلى ما فيه صلاح دنياك ودينك وحالك ومآلك, ووفقك إلى الزوجة الصالحة والحياة السعيدة.. آمين.

- من المهم – أخي المهندس الفاضل – أن يكون معيار ترجيحك بين زوجتك السابقة والحالية مبنياً على مقتضى الشرع في اعتبار معايير الدين والخلق والأمانة كما في قوله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) وحديث: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك)، والمعنى أن الصفات الأربع مطلوبة ومرغوبة لدى عموم الناس, لكن عند التزاحم والتعارض بينها يقدّم الدين، وكذا حديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه – وفي رواية: وأمانته – فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير), وهو وإن ورد بخصوص الرجال لكنه يشمل النساء أيضاً بجامع العلّة.

- كما ومن المهم أن نحذر من بناء الأحكام والمواقف على مجرد ظنون أو وساوس وأوهام مرضية لا رصيد لها من أدلة واقعية, وضرورة تحري التثبّت والاستشارة وعدم الاستعجال لا سيما في فهم النساء, لما يتلبس بفهم شخصياتهن من كثير غموض لغلبة العاطفة الشديدة عليهن أو اضطراب المزاج والشخصية بسبب الظروف المختلفة.

- والعاقل الحصيف مثلك – أخي المهندس العزيز – يدرك أن الكمال المطلق لله, وأن الكمال البشري عزيز وأن (كل بني آدم خطّاء, وخير الخطائين التوابون)، فمقتضى المصلحة الشرعية والعقلية الحرص على (فعل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما, وارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما)، والتعامل مع الزوجة بمقتضى المعروف وحسن العشرة والمسامحة ما أمكن على الأخطاء والعيوب الطبيعية والبشرية, كما قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) وفي الحديث: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) رواه مسلم.

- وعليه, فإن خير ما أنصحك به هو البناء على أصل البقاء مع زوجتك الأولى أم ابنتك, وذلك حفاظاً على مصلحة ابنتك الصحية والنفسية وغيرها, ووفاءً لذكرياتكما الجميلة, وكونك لا تحتاج إلى خوض مغامرة جديدة مع النساء والزوجات, ولما ذكرته عن عدم رضاك واطمئنانك إلى زوجتك الجديدة لغلبة حب المال عليها, وعدم ارتياحك إلى جمالها، لا سيما مع زوال شبهة عدم محبتها لك, وإدراكك منها العكس من ذلك، وذلك من عظيم محبتها لك وتعلقها بك وأن جفاءها العاطفي إنما هو مجرد طبع غلب عليها، فيمكنك بالتالي التعايش معه أو تعديله -بإذن الله- ولتشترط عليها عدم تدخّل أهلها في شؤونكما الخاصة, أو تقديم طاعتهما على طاعتك, وأما مجرد التفضيل العاطفي في المحبة ونحوها فأمر لا ينبغي الانزعاج منه مالم يترتب عليه إضاعة حقوقك الزوجية.

- أما إذا غلب على ظنك استحالة أو تعذّر ومشقة العيش معها والتكيّف مع أخطائها لما ذكرت من كثرة الاختلافات بينكما لاختلاف الطبع والتفكير, فيترجح عدم العود إليها وتكرار التجربة الخاطئة, وإن كان هذا لا يظهر لي من خلال رسالتك؛ حيث ولم تذكر أموراً يتعذّر بموجبها الرجوع إليها, والله أعلم.

- أما بصدد تعلّق زوجتك الحالية بحب المال, فهو أمر طبيعي وفطري وليس بمعيب إلا إذا كان على حساب الدين والقيم والمبادئ, حيث يخشى أن تتغير محبة الزوجة لزوجها فيما إذا تغيرت ظروفه المادية مثلاً, أو يؤدي بها حب المال إلى مخالفة الشرع والطمع الزائد والشُحْ والأنانية والمخالفات الأخلاقية.

- وإذا ثبت لديك أن حقيقة جمالها الذي اطلعت عليه في الحقيقة لم يكن على الحقيقة لدخول التدليس والزيف عليه بالمكياج, فلا شك أن هذا من الغش المحرّم, وفي الحديث: (من غش فليس منا) رواه مسلم, ومعلومٌ أن رضا الزوج عن جمال زوجته أمرٌ مهم لتحقيق مصالح العفّة وغض البصر وإحصان الفرج كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (فإنه أغضٌ للبصر وأحصن للفرج).

- كما وأوصيك باللجوء إلى الله تعالى بالاستخارة والدعاء (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما)، والإكثار من الذكر والطاعة وقراءة القرآن؛ تحقيقاً لعبادة الله ونيل محبته ورضوانه وتوفيقه.

- وإذا تقرر لديك واطمأن قلبك إلى مراجعة الزوجة الأولى أم ابنتك, فلا بد من حسن التعامل مع زوجتك الجديدة وأسرتها الكريمة بالاعتذار الحسن والهدايا القيمة والمسامحة المالية وغير ذلك من محاسن الأخلاق المعروفة.

- أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يلهمك الهدى والخير والرشاد والصواب, ويرزقك الزوجة الصالحة ويوفقك إلى ما يحبه ويرضاه إنه سميعٌ عليم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • فرنسا معلقة

    اعطي طليقتك فرضة ثانية

    فعائلتك اولى بك

    الزواج الثاني يمكن اتمامه لاحقا اذا لم تنجح الامور بينك وبين طليقتك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً