الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يرغمني على الزواج من فتاة بعينها وإلا سيغضب عليّ.. ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب مقبل على الزواج، أعمل في التجارة مع أبي، وقد كانت تعمل معنا فتاة من قبل أقل مني بسنة أبي يحبها كثيرا، (أكثر من أولاده) اقترحها علي، وأنا لا أريدها أبدًا، ولا أرغب فيها أبدًا, أبلغته برفضي فثار غاضبا وهددني أنه سيبتعد عني وعن إخوتي وأمي إن لم أقبل، وقال أيضا إنه يجب علي طاعته في هذا الأمر، وأنه حرام عصيانه، وأن ربي عز وجل لن يرضى عني إن لم يكن هو راض عني، وقال لي شيئا غريبا وهو إذا طلب مني إحضار الخمر له فيجب عليّ إحضاره، أما إذا رفضت فسيكتب علي ذنب.

أنا أعلم أنه مخطئ هداه الله، وأريد منكم النصيحة والحل.

بارك الله فيكم, والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نصر سلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك، وفرّج همك، ويسّر أمرك، وأصلحك ووالدك ورزقك الزوجة الصالحة, وجعل لك من أمرك فرجاً ومخرجا.. آمين.

- من المهم – أخي الفاضل – التأكد من مدى مصداقية والدك – غفر الله له – في إيقاع تهديده لك, فإذا كان مجرد غضبة عابرة، أو لمجرد إخافتك وفرض الأمر عليك، فالأمر قريب ويمكنك مراجعته وملاطفته ومناورته حتى يتراجع عن قراره.

- أما إذا تيقنت من إصراره وتعنته، وعدم إمكانية مراجعته وتراجعه, فإن أمكنك مراجعة نفسك والنظر في إمكانية زواجك من الفتاة من غير حرج زائد، فهو الأصل طاعةً لأبيك وحرصاً على نيل رضاه, ودفعاً لمفسدة تهديده في ترك أمك وإخوانك, حيث يحتمل أن تكون الفتاة على مزايا طيبة, وأن عدم رغبتك فيها لأسباب غير شرعية ولا واقعية كالمبالغة في شروطك في اختيار الزوجة المناسبة، أو الوقوف عند دعوى أن قلبك لا يميل إليها ولا يحبها والوقوع في توهمك ككثيرين أن الحب بين الزوجين قبل الزواج شرط وضرورة لاستمرار الحياة الزوجية وسعادة الزوجين، مع فساد هذا الفهم والوهم الخاطئ إذا كانت الفتاة على حظ طيب من الدين والخلق والأمانة والعفّة والجمال, حيث لا يخفى أن المبالغة مذمومة وغير واقعية, كما أن الحب كثيراً ما يكون بعد الزواج لا قبله، وهو ممكن إذا توفرت في الزوجة الصفات الطيبة المذكورة.

- أما إذا لم يمكنك الاقتران بها بحال لأسباب شرعية وواقعية, فأنصحك بالاستعانة ببعض أهل العلم كإمام المسجد أو خطيبه ممن يحظى عند والدك بالقبول والمصداقية والثقة والرضا والاعتبار, وتبيين الحكم الشرعي له في "عدم جواز فرض الأب زوجة معيّنة على ولده من غير اختياره ورضاه", وأن لسلطة الأب حدود معينة في ماله وقرار زواجه, وخطورة دعواه بمطلق الطاعة له ولو أمره بمعصية الله أو في غير معروف لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه مسلم, ومعلوم أنه ليس من المعروف طاعة الوالدين في معصية الله تعالى, أو انتهاك حقوق الأولاد وكرامتهم وحرياتهم المشروعة.

كما يمكن الاستعانة ببعض الأقارب ممن يتميزون بالحكمة ولهم صفة التأثير والإقناع لوالدك غفر الله له كأعمامك مثلا أو أصدقاء والدك, لبيان الأثر السلبي النفسي والاجتماعي في فرض والدك عليك زوجةً لا ترضاها شريكةً لحياتك, وتنبيه الأب أن زواجاً مثل هذا مصيره دمار نفسية الزوجين وإفضاء الزواج إلى مصير الفشل ولو بعد حين.

وتنبيهه أيضاً هل يقبل والدك أن يكرهه أبوه بالزواج ممن لا يرغب؟ ولا تيأس – أخي العزيز – من هذا الحل وعاوده مرةً بعد أخرى متحرياً التحلّي بحسن الخلق والمعاملة والطاعة والخدمة لوالدك طاعة لله وللتأثير عليه لمراجعة نفسه في إصراره وتعنته, كما يمكنك إطلاع والدك على فتاوى كبار العلماء المعتبرين لإقامة الحجّة عليه وإزالة الشبهة لديه وكسر تعنّته غفر الله له.

- أما إذا أصر الأب على تعنّته، فإن أمكن الإيعاز إلى الفتاة من جهة مقرّبة لديك بأن يكون الامتناع من جهتها وعدم رغبتها في الزواج منك, أو بيان عدم رغبتك فيها, أو التورية لدى والدك بأعذار مناسبة بعدم رغبتك في فكرة الزواج أصلاً لأي مبرر من المبررات المعقولة والمقبولة فهو من الحيل والمخارج المشروعة كما فعل خليل الله إبراهيم عليه السلام في كذباته الثلاث المعروفة، ومنها قوله لقومه: (إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين), وقوله حين كسّر الأصنام إلا كبيرا لهم: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون)، وكذلك حيلة نبي الله يوسف عليه السلام: (وجعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون) وغير ذلك كثير قال تعالى: (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقد ورد في الصحيح إباحة الكذب لإصلاح ذات البين, ولعل مشكلتك – أخي العزيز – قريبة من هذا الباب؛ وهو من باب فقه الموازنات في ارتكاب المفسدة الأدنى دفعاً للمفسدة الأكبر؛ حيث وإن كلاً من أمر زواجك بمن لا تريد, وإيقاع والدك لتهديده مفاسد أكبر ولا شك من مفسدة التورية عليه.

- أوصيك بالإكثار من صلاة ودعاء الاستخارة, واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء بأن يهدي والدك الكريم، ويصلحه ويهدئ من غضبه وإصراره, متحرياً أوقات الإجابة لا سيما ونحن في هذا الشهر الفضيل.

- أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يلهمك الهدى والخير والرشاد, وأن يلين قلب أبيك ويشرح صدره للحكمة والصواب, ويرزقك الزوجة الصالحة، والحياة السعيدة والآمنة والكريمة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً