الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أندب نفسي لأني غير جميلة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي أني فتاة دائما ما أندب نفسي، فأنا أشعر بأني غير جميلة، وأبي ترك أمي وتزوج بأخرى، وأنجب منها ابنتين إحداهن جميلة، وأنا أكرهها بشدة، ودائمًا أتساءل هل أبي ترك أمي لأنها ليست جميلة؟

وأقوم بالمقارنة بيننا، وأظل أبكي بالساعات، وأشعر بأن الحياة ظالمة، فهم يمتلكون كل شيء، وأبي يحبهم كثيرا، وأنا أكره أبي بشدة، كما أني لا أستطيع مقابلة الناس؛ لأني أشعر بأنني قبيحة، وأنهم سيقولون أن أختي من أبي أجمل مني، فماذا أفعل؟ أحيانا أفكر أن أموت بسبب هذا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- اعلمي -ابنتي العزيزة- أن الحياة دار ابتلاء وممر لا دار إكرام ومستقر, وأن الإنسان فيها مبتلى ولا بد, فإما أن يبتلى ببدنه بالأمراض المتنوعة, وإما بماله بالفقر والجوع والديون, وإما بدينه –وهو الأعظم– بوقوعه في الانحرافات الفكرية والأخلاقية والعياذ بالله, ..وهكذا. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين). نسأل الله العافية.

- الجمال لا يلزم أن يكون كما تتوهمين -حفظك الله -, والكمال في الجمال أمر متعذّر, كما أن الجمال أمر نسبي فهو يختلف من فتاة لأخرى, ومن نظر واعتبار لآخر ,كما أنه عرضة للتغير مع مراحل العمر, فاحمدي الله على نعمة الدين والعافية, وأن وفقكِ لنعمة الحمد والشكر والرضا والقناعة بما أعطاك, وأن الله تعالى أكرم الشاكرين لنعمائه والراضين بقضائه بعظيم عطائه يوم لقائه.

- والجمال-من حيث الأصل- ليس دليل محبة وإكرام الله للإنسان, فإن أكثر أهل المال والجمال هم الكفار والمنافقون (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) (وكم أهلكنا قبلهم من قبل هم أحسن أثاثاً ورئيا) أي مرأى ومظهراً. وقال تعالى: (فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). وفي البخاري: قوله لعمر: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولا الآخرة؟ أولئك قومٌ عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا).

- فلنحرص على طاعة الله وشكره على نعمائه والصبر على بلائه والرضا بقضائه لتكون لنا الآخرة(وللآخرة خير لكمن الأولى).

- أما والدك –غفر الله له وهداه– فالعجب لا ينقضي من تجاهله لمشاعرك، أو بعدم العدل في التعامل مع أبنائه أو بناته؛ لمخالفة ذلك الطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية لاسيما إن كانت قسوة الآباء على البنات خاصة كونهن أكثر عاطفة وأرهف في الإحساس فهن بالتالي أولى باللطف في التعامل، لاسيما أن الجمال أمر اضطراري لا اختياري حيث لم يختره بنفسه فلا يجوز أن يعاب به لأنه فعل الله فالعيب عليه يستلزم اتهام الرب تعالى.

- أوصيك –ابنتي الفاضلة– بالجلوس مع والدك والحوار معه, ولو مستعينة بمن تثقين بحسن منطقه وحكمته وأمانته ومروءته في نصح والدك وتذكيره بواجبه تجاهك في التعامل بلطف ورحمة ورعاية وعدل.. و(الدين النصيحة) رواه مسلم.

- جمال الروح والأخلاق واللسان والعقل والثقافة أجمل وأكمل وأفضل لدى الفضلاء والعقلاء من الناس, فالجمال الحق ينبع من جمال الروح بأخلاقها وإيجابياتها, فكم من إنسان نظنه عند النظر إليه آية في الجمال، فإذا اختلطنا به علمنا أن روحه منفّرة وقبيحة ومريضة. وربّ وجه حسن أخفى نفساً خبيثة وقلباً شريراً.

جمال الوجه مع قبح النفوس ** كقنديلٍ على قبر المجوسِ
جمال الروح ذاك هو الجمال ** تطيب به الشمائل والخلال
ولا تغني إذا حسنت وجوهٌ ** وفي الأجساد أرواح ثقالٌ

ولا ينبغي لكِ أن تشعري بالهم والضيق والقلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية ولو افترضنا نقص حظّك من كمال الجمال؛ ذلك أن السعادة في الدنيا ليست منحصرة في المال والجمال, فكم رأينا من حصلهما من أهل السياسة والفن ثم عاشوا أسوأ أنواع العناء والشقاء.

ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ ** ولكن التقي هو السعيدُ".

فسر السعادة يكمن في القناعة والرضا بالله والثقة به ومناجاته والقرب منه والتوكل عليه وطاعته (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهو مهتدون) (ومن يعمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة).

كما أن المختصين يقررون أيضاً: بأن السعادة تكمن في فعل الخير وتعزيز العلاقات والصلة مع المقربين ورعاية النفس جسدياً ومالياً ونفسياً, فيمكن للإنسان أن يكون أكثر سعادة إذا اختار أن يكون سعيداً, وذلك بشراء السعادة فأنتِ المسؤولة الوحيدة فـ(المرء حيث يضع نفسه).

وما المرء إلا حيث يجعل نفسهُ ** ففي صالح الأعمال نفسكَ فاجعلِ.

- الحياة قصيرة جداً, وهي دار البلاء والغرور, فاحرصي على معالي الأمور وترك سفسافها بمزاولة الأعمال التي تكتسبين بها الخبرة والفائدة والمتعة كالقراءة وعمل الخير ومزاولة الأنشطة الرياضية.

كوني متفائلة ومبتسمة ولا تحزني على ما فاتك وانسي الماضي بسلبياته وتمتعي بحلالها, ولا تضيّعي وقتك في الشعور بالألم ولا تجعلي أفكارك السلبية تسيطر عليك وخذي الأمور بسلاسة وعقلانية ولا تقارني حياتك بمن هو أفضل منك كما في الحديث (انظروا إلى من أسفل منكم, ولا تنظروا إلى من هو فوقكم, فهو أجدر – أي أحق – أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم. وبذلك يمكنك –بعد الثقة بالله والثقة بالنفس– أن تحوّلي الطاقة السلبية النفسية إلى إيجابية والشكوى إلى عمل ونجاح وإنتاج والمحنة إلى منحة.

- أوصيك بقراءة كتاب (لا تحزن) للشيخ عائض القرني. وكتاب (استمتع بحياتك) للشيخ محمد العريفي.

- وأوصيك بتقوية الإيمان بطاعة الله، والذكر وقراءة القرآن، ولزوم الصحبة الطيبة، والدعاء لله تعالى أن يرزقكِ التوفيق والسداد ويلهمك الرشد والهدى والخير والنجاح والزوج الصالح والصواب وسعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً