الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خلافات أمي وأبي وتفكك عائلتي حرمني الكثير وسلب سعادتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الإسلامي العظيم.
أنا شاب نشأت في أسرة أنهكتها الخلافات الأسرية, وأثرت هذه الخلافات على نفسيتي كثيراً, عشت ما يقارب ال 25 عاما ولم أذق طعم السعادة في هذا البيت، تخرجت من الثانوية العامة وأبي لا يكلم أمي، ثم تخرجت من الجامعة وأيضا أبي لا يتحدث مع أمي، تلك اللحظات الجميلة عشتها حزيناً، لا يعلم أحد مقدار الجرح العميق الذي يختلج نفسي من الداخل, ما أصعب أن تعيش في أسرة مفككة, ما أصعب أن يمر عليك العيد ولا تفرح، وأن يمر عليك رمضان ولا تفرح, غفر الله لأبي على ما أوصلنا إليه.

لا أملك منبراً حتى أخطب بالناس فيه، ولست داعية لأحكي العبر من قصتي, لكنني والله لا أريد أن يذوق أي مسلم هذا الألم، وهذا العناء، وأحتسب الأجر عند الله, طلبي منكم في إسلام ويب هو توعية الآباء حول عقوقهم تجاه أبنائهم, حول حجم الدمار النفسي الذي يمكن أن يتعرض له الأبناء بسبب خلافاتهم, إذا فتحنا على المواقع الدينية وجدناها تضج بالدروس حول عقوق الأبناء و-العياذ بالله- منه, ولكن لا أحد يتكلم عن عقوق الآباء لأبنائهم، انشروا المقالات، وسجلوا المقاطع التوعوية, بالله عليكم لماذا يتناسى الوعاظ الآية الكريمة في كتاب الله حينما أوصى الله عباده بأولادهم, والله لا تكفي ساعات من الكتابة لأصف ما أنا به، ولكن لا أقول إلّا الحمد لله على كل حال, ببساطة لا أريد أن يشعر أحد بما أشعر به.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلقد أحزنتني وآلمتني رسالتك، وأسأل الله أن يفرج همك، ويجمع شملك وشمل أسرتك على مودة ومحبة وصلاح وخير.

لقد اعتدنا أن نسمع عن ظاهرة عقوق الأبناء لآبائهم, وذلك كون الأبناء محلاً للتقصير والضعف أحياناً في الجهل والنسيان لحقوق الآباء, أما أن نسمع العكس من عقوق الآباء لحقوق الأبناء فهذا محل استنكار وتعجب أكبر، وذلك لما فطر الله تعالى عليه الآباء وجبلهم من حب أبنائهم، والعطف عليهم، والرفق بهم، والإحسان إليهم، في بذل كل وجوه الخير لهم ودفع كل وجوه الشر عنهم، حتى اشتهر قول بعض الحكماء: (كل إنسان يحب أن يكون أفضل من غيره إلا الآباء, فإنهم يحبون أن يكون أبناؤهم أفضل منهم).

ولا شك أن لعوامل الجهل والأنانية والطمع وضعف الوازع الديني والأخلاقي وغيرها آثارها السيئة في ظهور هذه الآفة والعياذ بالله.

ومن صور عقوق الآباء للأبناء، ممارسة بعض أساليب الاضطهاد، والاستبداد، والعنف، والتعسف معهم، في سلبهم بعض حقوقهم الأساسية والضرورية، في التربية والنفقة الواجبة ونحوها, أو حرمانهم من القيام ببعض واجباتهم الدينية أو الطبيعية, أو فرض عقوبات معينة عليهم بدون أي سبب، أو التفريق في المعاملة بين الأبناء، مما يورث هذا التمييز بينهم الشحناء، ويعمق بالتالي حقدهم عليه، وعقوقهم له.

وربما تمثل عقوق الآباء لأبنائهم لا بإهمالهم وحرمانهم فحسب، بل وهو الأسوأ، بتربيتهم وتنشئتهم على الانحرافات الدينية والفكرية والأخلاقية.

إلا أن هذا العقوق من الآباء لا يعفي الأبناء من التعامل معهم بالمثل، لما أمر الله تعالى به الأبناء من البر بآبائهم، والإحسان إليهم في قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا}، وذلك بجلب الخير لهم، ودفع الشر عنهم ما أمكن، ولا أبلغ من الأمر بصحبتهم بالمعروف، ولو كان الآباء كفاراً مشركين, بل ويأمرون أبناءهم بالشرك، ويجاهدونهم على اعتناقه كرهاً، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}، أي صاحبهما بالمعروف شرعا وعقلا وحساً وفطرةً، وذلك بالتعامل معهما بمقتضى البر، وهو اسم جامع لكل أفعال الخير.

لا ينبغي لك -أخي العزيز- المبالغة والإفراط في الشعور بالهم والقلق والحزن، لما لذلك من آثار نفسية سيئة وصحية وغيرها عليك في دينك ودنياك، وفي حاضرك ومستقبلك.

وبصدد علاج هذه المشاعر السلبية، يمكنني أن أوصيك بالأمور التالية:
1- تعميق الإيمان بالله تعالى، وذلك بطلب العلم النافع، والعمل الصالح، ولزوم الصحبة الطيبة، وملازمة الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، قال تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، وقال سبحانه: {من يعمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة}، واحذر من الابتلاء بالغفلة عن الذكر والاستسلام للهموم، فإن ذلك سلاح الشيطان الرجيم ترسيخ مشاعر الحزن والاكتئاب، قال تعالى: {ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}، وقال سبحانه: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا}.

2- الإيمان بقضاء الله وقدره، حلوه ومره من الله تعالى، فلا يقع في الكون شيء من المصائب والمتاعب، ومنها المشكلات الاجتماعية والأسرية وغيرها إلا بمشيئة الله، {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، وهذه المشيئة ليست عبثية، بل هي وفق علمه تعالى وحكمته، قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما}.

3- عدم الاسترسال والاستسلام لمشاعر الحزن والقبول بسيطرة المشاعر السلبية علينا، بل فإن المسلم العاقل يحول هذه المشاعر السلبية إلى إيجابية، كمن يصنع من الليمون الحامض شراباً حلو المذاق كما يقال، وذلك بالابتسام لها، وعدم الثرثرة والشكوى، والإكثار من شرب الماء، والقراءة الجادة والمثمرة، وإعطاء النفس حقها من الراحة والنزهة والرياضة والمسامحة على الأخطاء، ونسيان الماضي، وعدم المقارنة بالآخرين، وعدم تحميل النفس أخطاءهم، فإن الحياة قصيرة فلا ينبغي تضييعها بهذه المشاعر السلبية المؤلمة والمحزنة، كما يلزمك أيضاً أن تجتهد بالمعالجة الواقعية والإيجابية للمشكلة، وذلك في سد الفراغ، والقيام بالواجب الديني والأخلاقي تجاه والدتك وإخوانك وأخواتك وعموم أهلك وأقاربك.

4- حسن الظن بالله تعالى، واستشعار حكمته في قضائه وقدره، واستحضار ثواب الشكر على النعماء, والرضى والصبر على البلاء, وإدراك أن الحياة مدرسة، وأن المشكلات بمثابة امتحان صعب، لكنه يسير على من استعد له نفسياً وتربوياً وعلمياً وإيمانياً.

5- اللجوء إلى الله تعالى بالدعــاء أن يفرج همك، ويجمع شمل أهلك على المحبة والوئام والسعادة والطاعة والخير.

هذا وأسأل الله لك ذلك، وأن يرزقنا وإياك التوفيق والسداد، ويلهمنا الصواب والرشاد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً