الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعلقت بالطبيب الذي يعالجني..فكيف أتخلص من هذا التعلق؟

السؤال

السلام عليكم..
أنا بنت بعمر 25سنة، متفوقة في دراستي، ومقدمة على الماجستير، وأنتظر القبول، وحاليا أبحث عن وظيفة، خلال السنتين القادمتين تعرضت لمشكلة صحية سببت لي ضغطاً نفسياً بسببها، بعدها راجعت طبيبا طمأنني كثيرا عن حالتي الصحية، وينصحني كي أنتبه لنفسي، ويسألني عن أسباب قلقي، وكيف أتغلب عليه، وأني يجب أن أكون هادئة حتى لا تتأثر صحتي، لأني أعاني من القولون، وأحيانا من الإسهال، وأحيانا يسألني عن دراستي ويثني علي؛ ( لأنه في أول زيارة كان أبي يشرح للطبيب بأني مجتهدة، ولا يريد شيئا يؤثر علي)، وكان أسلوبه هادئا ومطمئنا، وأتابع معه إلى الآن.

لست مثل باقي البنات متحمسة للزواج، بل على العكس أنا متخوفة منه، ولا أفرح بالخطبة؛ لأن عندي شروطا معينة تكون بشخصية الرجل، من أهمها: اللين، واحترام المرأة، وعدم منعها من العمل.

صحيح أني أرغب بتكوين أسرة وأستقر، وقد تمت خطبتي عدة مرات ولكني لم أجد الشخص المناسب.

مع ميلي للرجال إلا أنني محافظة، ولم أضعف عند أي رجل، لأنه بغض النظر عن الحرام أعتبر المشاعر بين الرجل والمرأة يجب أن تكون بإطارها الصحيح، فالمشاعر غالية على كل إنسان.

لكن مشكلتي أني تعلقت بالطبيب الذي أعالج عنده، على الرغم من أني محترمة ومحتشمة في لبسي، ودائما ما أذهب بصحبة مرافق في الزيارات الدورية، ولكني دائمة التفكير فيه، وأقدره كثيرا، مع أنه بالأربعينيات، ومحترم جدا، ورسمي معي.

تعبت من نفسي، لماذا مشاعري انجرفت معه؟ أنا لست كذلك، فقد مر علي الكثير من الشباب الوسيم وكنت أتعامل معهم برسمية خالية من المشاعر.

أحس بالذنب، وأدعو الله أن يزله من تفكيري، لدرجة أني كلما فكرت به ضربت يدي لأقطع تفكيري به، فأصبح يظهر لي بالأحلام، مع أن شغلي يملأ وقت فراغي، حيث أني أدرس بمعهد انجليزي، وأمارس الرياضة، وأراجع دروسي.

صرت أنظر لنفسي بالدونية، كيف أن ربي سهل أمر علاجي وتفكيري بهذا الشكل؟ كيف أضيع الساعات وهو في بالي؟ أحس أني مثيرة للشفقة.

هل ما أشعر به هو مجرد مشاعر امتنان وتقدير؟ لماذا أفرح إذا رأيت رسالة على البريد الالكتروني من عنده، أو سؤالا أو نتيجة؟ ما سبب هذا الاندفاع؟

أرجوكم ساعدوني، فقد تعبت من تفكيري السيء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على ثقتك في موقعنا، وعلى الكتابة إلينا بما في نفسك، أعانك الله على الخروج من هذا الحال الذي تشعرين بأنه غير مقبول، ولذلك كتبت لنا تسألين، ومن عدة مستشارين، ما شاء الله.

لا يفيد السؤال كثيرا لم تعلقت بهذا الطبيب بشكل خاص؟ مع أنك التقيت بالكثير من الرجال والشباب، وكما وصفت في رسالتك، فسؤال لماذا؟ وكيف؟ لا تفيد كثيرا، لأنك قد لا تصلين لجواب واحد مقنع.

المهم أنك الآن متعلقة بهذا الطبيب، وبهذا الشكال الذي ورد في سؤالك، ولهذا التعلق جانبان:
الجانب الأول: هو تعلق نفسي طبيعي بين فتاة شابة، وبين الطبيب الذي يستمع إليها ويشجعها ويدعمها على مواصلة حياتها، وبالتالي فأنت تحترمينه وتقدرين مساعدته لك... فكل هذا حتى الآن طبيعي، وربما الغريب أن لا تتعلقي وتحترمي مثل هذا الرجل الطبيب المساعد والداعم!

ولكن الجانب الآخر: هو أن يتجاوز هذا التعلق الحدود الطبيعية التي تربط الطبيب بالمريض، والذي تحرمه عادة المبادئ الأخلاقية لممارسة الطب، وكذلك الضوابط والمعايير المهنية، التي تحرم على الطبيب المعالج إقامة أي علاقة خاصة مع مرضاه، وخاصة بين الطبيب وأحد مرضاه من الشابات.

وأنا أفترض أن طبيبك هذا منضبط تماما أخلاقيا ومهنيا، وأفترض أن كل تواصله معك إنما هو في حدود العلاقة المهنية البحتة، وإن كنت استغربت قليلا أنه يراسلك بالإيميلات، بالإضافة للجلسات العلاجية، فربما هذا خرج قليلا عن المتعارف عليه في الممارسات الطبية.

أما ما ورد في سؤالك عن موقفك من الزواج، وصفات الرجل الذي ستتزوجينه فموضوع آخر، يفيد أن لا تربطيه بتعلقك بهذا الطبيب.

من حقك تماما أن توافقي على الزوج بالصفات التي وردت في سؤالك من اللطف واحترام المرأة وعدم ممانعته بعملك، فكل هذه الصفات وغيرها من حقك، ومثلك في هذا مثل بقية الفتيات، ولكن وكما ذكرت افصلي بين موضوع الزواج وبين موقفك وتعلقك بالطبيب.

عندي شعور بأنك تلاحظين بأن الطبيب يستلطفك نوعا ما، وربما يرسل لك رسائل ذات أكثر من معنى وأكثر من طريقة للتفسير، فإذا شعرت بفطرتك السليمة أن العلاقة بينكما قد تجاوزت الحدّ الطبيعي لعلاقة الطبيب بالمريض، فأرجو أن تعيدي النظر في هذه العلاقة، فربما إيقاف المتابعة معه لصالحك وصالحه.

ربما يفيد هنا أن لا تعاني بصمت، وإنما تتحدثي مع من تثقي فيها وبخبرتها في الحياة، كأحد أفراد أسرتك أو صديقة لك، فما خاب من استشار، كما يقال.

أرجو أن يكون في هذا ما يعين، وأترك للمستشارين الآخرين إبداء رأيهم، ولكن تخوفي أنك تعلمين بخطورة الأمر، وبرغبتك في إنها هذا، إلا أنك تبحثين عمن يقول لك أن الاستمرار في هذه العلاقة مقبول ولا بأس بها... والأمر في النهاية لك، والله أعلم.

وفقك اللهو ويسّر لك أمرك، وأعانك على اتخاذ القرار الحكيم.
__________

انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري الطب النفسي-.
وتليها إجابة الدكتور الشيخ/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية والتربوية-.
___________

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:

من خلال استشارتك تبين لي أنك تحملين صفات عظيمة تنبئ عن فطنتك ورجاحة عقلك وحسن فهمك للحياة ومتطلباتها، فأسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

ذكرت أنك تشترطين في صفات شريك حياتك صفات من أهمها: (اللين واحترام المرأة وعدم منعها من العمل)، وهذا أمر طيب إلا أنك أغفلت أهم الشروط التي أرشدنا إليها نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.

انجذابك للطبيب في رأيي لأسباب أهمها:
الأول: كونه طبيبك المعالج، ووجدت عنده لطف التعامل معك، وحسن استقباله لك، وانتقاءه للكلام الحسن، وطمأنته لك، ومتابعته لحالتك مباشرة وعبر البريد، وهذا أمر طبيعي، وهي طريقة الطبيب الناجح الذي لا يريد أن يفقد زبائنه، ويريد أن يكسب شهرة بين الناس، وهذا حق طبيعي، ولا يلزم أن يكون ذلك هو سلوكه في حياته، فقد يكون في أسلوبه مع زبائنه شيء من التصنع يقتضيه عمله، وأنا هنا لا أطعن فيه ولا أشكك، ولكن هذا واقع بعض الأطباء والمحامين وأصحاب بعض المهن، فطبيعة العمل تفرض عليهم التكلف في التعامل مع الزبائن، لكن لو نظرت لحياتهم في البيوت لوجدت أنها مختلفة تماما عن ذلك.

الثاني: أنك لمست فيه الصفات التي ترتاحين لها فانجذبت عاطفتك نحوه، وباجتماع السببين تولدت عندك طمأنينة، ونتج عنها امتنان لهذا الطبيب.

الثالث: قد تكون عاطفتك تغلبت على عقلك في هذه المرة، فلا بد أن تعيدي التفكير بعقل حتى يزول ذلك الأثر.

أخشى أن يكون الشيطان الرجيم وجد فرصة لإشغالك عن إكمال مشوارك العلمي بهذه الأفكار، فأكثري من الاستعاذة بالله منه وتلك الرؤى التي ترينها هي أضغاث أحلام من الشيطان كون الذهن متشبع بالفكرة.

لا تعطي لعقلك الرسائل التي تجعله يتبرمج معها، ويجعلك تتعلقين بهذا الطبيب، وأرسلي له الرسائل التي تصرفك عنه، وتجعلك تنظرين لمستقبلك.

أكثري من الحديث مع نفسك عن مستقبلك العلمي، وماذا تريدين أن تكوني، وما السبل التي ستوصلك لمرادك، وما العوائق والتحديات التي تقف أمامك.

تعاملي مع هذه القضية على أنها عابرة، وسببها كثرة الزيارات، وأسلوب الطبيب الحسن في التعامل معك، واجعليها تنتهي عند هذا الحد.

دوام التفكير بهذا الأمر سيشغل بالك، ويشتت ذهنك، ويؤثر على تحصيلك العلمي.

من المؤكد أن هذا الشخص متزوج، ولذلك فكرة الارتباط به غير واردة عندك، وربما عنده كذلك، وليس من المناسب أن ترتبطي بمن هو في مثل هذه السن، فإن فكرت بهذا مليا فسيكون سببا لانصراف عقلك ونفور نفسك عن ذلك الانجذاب.

لا تزوريه إلا إن دعت الضرورة فإن لم توجد حاجة فتوقفي عن زيارته والتعامل معه ولا تردي على رسائله إن راسلك حتى لو سأل عن صحتك.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسليه أن يصرف عنك هذه الأفكار، وأكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

حافظي على أذكار اليوم والليلة كاملة، ولا تنامي إلا على وضوء وبعد أن تأتي بأذكار النوم؛ فذلك كفيل بإذن الله أن يصرف عنك الأحلام المؤرقة.

نسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في حياتك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً