الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش في الغربة، ومبتلى بشرب الخمر.. كيف أتخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا شاب عمري ٢٧ سنة، مسلم وأدرس في الخارج، من عائلة محترمة ومعروفة، تزوجت قبل ثلاث سنوات ونصف من زوجة ذات دين وخلق، وأهلها أناس طيبون وعلى دين.

قبل زواجي وعندما كنت في الخارج قبل ٥ سنوات بدأت بشرب الخمر، وكنت قاطعاً عهداً على نفسي أن لا أعود له بعد الزواج، وكنت أرى أن الزواج باب للصلاح والاستقرار والابتعاد عما حرم الله، وعما لا يليق بالمسلمين من السهر في الخارج وشرب الخمر.

مرت الشهور الأولى وبعد غضبي في يوم من الأيام عدت للشراب، وندمت على فعلي، وقطعت عهدا مع زوجتي أن لا أعود، وسامحتني، ومرت سنة ونصف أخرى -ولله الحمد- وأنا بعيد عن هذا الخبيث.

وبعدها عدت بعد خلاف مع زوجتي، فهجرت بيتي واستاء الحال، وتدخل والدي وأصلح بيننا، واستقام بيتي من جديد وزوجتي صبرت علي؛ لأنها تحبني وتخاف على بيتها، وعلى سمعتها وعلى أهلها.

والآن بعد ٨ شهور لآخر مرة عدت له بعد أن ضعفت للمرة الثالثة، وعلمت زوجتي بهذا، الحياة في الخارج تسهل وجود هذا المنكر، ويعلم الله ما في نيتي وأني لا أراه الحل لكل المشاكل، ولا هو همي الأكبر، بل إنني أندم أشد الندم بعده أن أقوم بهذا الفعل، وأعلم في نفسي أنه ليس سر سعادتي في هذه الحياة، بل إنني أحب زوجتي، ولا أريد أي شيء يعكر صفو حياتنا.

زوجتي الآن محتارة في أمرنا، وصعب عليها أن تبقى معي؛ لأني عاهدتها مرتين سابقتين، ولا زالت زوجتي غير راضية عني لفعلتي، ووعودي السابقة.

في الغالب حياتنا سعيدة، ونحب بعضنا، وصبرنا على مشاكلنا الكثيرة، والآن أنا تائب هذه المرة بلا رجعة، وبدأت في المواظبة على الصلاة من جديد وبقوة أكثر من السابق لعلمي أنها مفتاح السعادة والصلاح.

أرجو النصيحة لي ولزوجتي الصابرة -جزاكم الله خيراً- علماً بأنه ليس لدينا أطفال؛ لانشغالنا بالدراسة وللمشاكل التي مررنا بها سابقاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أخي الكريم في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:

فمن فضل الله عليك أن رزقك الله امرأة صالحة تحبك، وتخاف على سمعتك، وصابرة عليك، فيجب عليك أن تشكر الله على هذه النعمة، وأن تحافظ عليها بفعل الطاعات، وترك المنكرات.

لقد حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الإقامة في بلاد الغرب لما في ذلك من المفاسد الكبيرة على دين المرء وسلوكياته، فقال عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) قالوا يا رسول الله: ولم؟ قال: (لا تتراءى ناراهما).

رخص أهل العلم لمن ذهب لأجل الدعوة أو التعليم خاصة لتلك التخصصات التي لا تتوفر في بلاد المسلمين، وتلقي تلك العلوم قد يكون من باب فروض الكفايات التي يؤجر عليها الإنسان.

يجب على المسلم أن يكون متحصنا بالإيمان الذي يقيه من ارتكاب المخالفات الشرعية، وأن يكون سفيرا للإسلام بسلوكياته وأخلاقياته.

عليك أن تصاحب الأخيار الذين يدلونك على الخير ويعينونك عليه، وتترك الرفقة السيئة التي تجرك إلى فعل الحرام، فالصاحب له تأثيره السلبي والإيجابي على سلوك الإنسان، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

كن على صلة دائمة بالمراكز الإسلامية التي تتواجد في منطقتك أنت وزوجتك، ففيها ستجدون الرفقة الصالحة.

وثقا صلتكما بالله تعالى واجتهدا في تقوية إيمانكما من خلال المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل، فذلك سيقوي عندكما الإيمان، وينمي المراقبة لله تعالى، ويجلب لكما الحياة الطيبة كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

يجب عليك أن تتوب توبة نصوحا، والتي من شروطها: الإقلاع عن الذنب، والندم والعزم على ألا تعود مرة أخرى.

شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، ويجر إلى كبائر أخرى عياذا بالله.

إن وقعت في أي محرم -ونسأل الله ألا يكون- فبادر بالتوبة، فالله يغفر الذنوب جميعا.

على زوجتك أن تصبر؛ فإن الطلاق ليس بحل، وعليها أن تعينك على الطاعة والاستقامة.

اقترب منها أكثر ورمم علاقتك معها، ونم الثقة بينكما، وعوضها عن كل ما تفتقده.

اهد لها بعض الهدايا الرمزية ما بين الحين والآخر؛ فالهدية تسل سخائم الصدور وتقوي المحبة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا).

عليها أن تتعامل معك كبشر، ومن صفات البشر الوقوع في الذنوب، وليس كملك لا يعصي الله تعالى.

تعلما غض الطرف، وتجنبا التدقيق والمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة؛ فذلك مفسد للحياة.

الحياة لن تخلو من المشاكل والحل يكمن في الصبر والحكمة والفقه في التعامل معها.

إعانتها لك على الاستقامة وصبرها عليك فيه أجر وثواب لها فلا تحرم نفسها من ذلك.

إن صَدَقْتَ الله في توبتك أعانك على الاستقامة، وعليك أن تتذكر دائما الآثار السيئة لشرب الخمر، وارتكاب الذنوب، ولو لم يكن إلا مقت النفس وضيق الصدر، وضنك الحياة لكفى قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.

احذر أن يأتيك الموت وأنت على معصية، فأنت تعرف أن الموت يأتي فجأة دون سابق إنذار.

وجه طاقاتك كلها نحو التحصيل العلمي، وتذكر أن أمتك بحاجة إلى خبراتك وطاقاتك، فلا تهدر أوقاتك، وكن شحيحا بخيلا بها إلا مع زوجتك، فالوقت سنسأل عنه بين يدي الله تعالى كما صح في الحديث: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه).

تذكر دائما عظمة من تعصي، ولا تنظر إلى حجم ذنبك، فذلك أحرى أن يزجرك عن اقتراف الذنب.

نسعد كثيرا بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بالتوبة والاستقامة، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً