الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع زوجتي وهي تسيء إليّ في كلامها وتصرفاتها؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا متزوج منذ تسع سنوات، لدي طفلان، بنت وابن، صرت دائم الخلاف مع زوجتي، وصوتها عال، والنقاش معها لا يؤدي إلى نتيجة، وكلامها جارح، وفي كلامها دائماً نبرة التهديد!

حاولت معها بشتى الطرق، الهجر والصمت، وعند الإهانة أيضاً والصوت العالي والضرب أيضاً، ولكن دون جدوى، ولم أجد حلاً، ولا أي فائدة من ذلك.

بدأت في النفور منها، وعدم الرغبة فيها، وأيضاً عندما أكون في العمل لا أرغب في العودة إلى المنزل، فأنا فعلاً لا أقدر على العيش معها، علماً أنها مريضة بمرض العناد في كل شيء.

عندما تحس بخطئها لا تقدر على الاعتراف به، فكبرياؤها يمنعها، فتطلب مني أي شيء، مثل: آتنا نقوداً لنشتري بعض الأشياء، علماً أننا لسنا بحاجة لذلك إلا أنها من باب العناد، فهي أيضاً مهملة لأولادها في بعض الأشياء، مثل التحضير للذهاب للمدرسة، والقراءة معهم، وبالتالي الأولاد يكرهون المدرسة.

هي تجهل بعض الأشياء التي تؤدي إلى النفور منها، ترى نفسها على الصواب وأنا على الخطأ من وجهة نظرها، وأشياء كثيرة لا أتذكرها، لقد مللت من حياتي، وفكرت أن أتزوج بأخرى، وفكرت أن أطلقها، فماذا أفعل؟

أفيدوني، وشكراً على صبركم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الكريم- في الشبكة الإسلامية، ورداً على استشارتك أقول:

لعلك تعجلت في الزواج، واكتفيت بالصفات الظاهرة، ولم تكلف نفسك بالبحث عن جوهر صفات شريكة حياتك، وأهم ذلك الدين والخلق، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع لدينها وجمالها ومالها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ومعنى تربت يداك التصقت بالتراب، فلا خير في زوجة لا دين لها، ولا بركة فيمن كانت سبب فقر زوجها.

اجتهد في تقوية إيمان زوجتك، فسوء الخلق والنشوز مرتبط بالإيمان ارتباطاً وثيقاً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (والله لا يؤمن ثلاثاً، قيل من يا رسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه).

سلط عليها بعض نساء أصحابك الصالحات، يختلطن بها، وينصحنها، فمن الناس من جعلهم الله مفاتيح للخير مغاليق للشر.

ما حل بالإنسان من بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، فاجتهد في التخلص من كل الذنوب، وفتش في صفحات حياتك علك تجد ذنباً قديماً لم تستغفر الله منه، وأنا هنا بالطبع لا أتهمك بشيء، بل هو من باب محاسبة النفس، فالتوبة من الذنوب والتخلص منها تنعكس سعادة على الحياة.

الزم الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهما من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

وثق صلتك بالله واجتهد في تقوية إيمانك تنل الحياة الطيبة كما وعد الله تعالى، فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

اقترب من والديها أكثر وقدم لهم الهدايا حتى تتوطد العلاقة بينكم ومن ثم أسر لهم بمعاناتك من ابنتهم واطلب منهم نصحها وتوجيهها بشرط ألا تعرف أنك أخبرتهم بذلك.

اطلب هدايتها من الله تعالى وتضرع بالدعاء بين يديه وأنت ساجد وتحين أوقات الإجابة فلعلك توافق ساعة إجابة فيستجيب الله لك وأكثر من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

لا بد أن تراجع نفسك وتنظر في تعاملك معها هل هو كما ينبغي؟ فلعل بعض التصرفات تصدر منك عفوياً تكون سبباً في بعض سلوكياتها كردة فعل، فغالباً ما نتغاضى نحن الرجال عن تصرفاتنا، ونوجه اللوم كله على المرأة!

لا بد من تنويع أسلوب التعامل معها، وإن كنت قد فعلت شيئاً من ذلك، ولا بد أن تجلس مع زوجتك جلسة خاصة تعد لها، وتكون قد جهزت هدية رمزية تفرح قلبها، وتسل سخيمة صدرها، وقبل تسليمها الهدية افتتح الجلسة بالذكريات الطيبة في حياتكما ثم بُح لها ما بقلبك من الحب لها، ولا تُبقِ كلمة تؤثر فيها حبيسة صدرك، ثم قدم لها الهدية، واطلب منها أن تذكر لك ما تنتقده عليك من تصرفات، وعدْها بأنك ستتقبل ذلك بصدر رحب، وستعمل على تلافي كل قصور.

بين لها أنت بعض تصرفاتها التي تنكد حياتك، واذكر أهم القضايا ولا تسردها كلها حتى لا تغضب وتنفر، وابدأ بالأهم قبل المهم، وغض الطرف عن الكثير من تصرفاتها فلعلها تجاهد نفسها من أجل تركها، أو أن تصبر فترة؛ فإن أصلحت ما ذكرت لها جئت بعد ذلك لما تبقى والرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.

تغيير السلوك يحتاج إلى صبرٍ وتأنٍ، فتلك السلوكيات التي تربت عليها فترة طويلة من عمرها لا يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها إلا أن يشاء الله.

الحياة لا تستقيم إلا مع غض الطرف عن بعض الأخطاء والتصرفات والتغافل عنها والتغافل خلق نبوي كريم، فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام حين أخرجت زوجته بعض السر الذي أسر به لم يذكر لها كل ما أفشته قال تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ).

كذلك نبي الله يوسف عليه السلام، تغافل عن بعض ما ذكره إخوته عنه قال تعالى عنه: (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ)، بين لها أن الحياة لا تقوم إلا بالتعاون بين الزوجين، وأن كثرة المشاكل تؤثر على حياة الأبناء وتربيتهم.

أتمنى أن توسع صدرك، وأن تتصبر، فالطلاق لن يحل مشكلتك بل سيزيدها تعقيدا والزواج بالثانية قد يشعلها أكثر وقد يؤدي إلى الطلاق وتهديم بيتك وتشتت أسرتك، فقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

حافظ على وردٍ يومي من القرآن الكريم، وداوم على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نتمنى لك السعادة وراحة البال، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً