الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشك بأن أخي الأصغر يعاني من حالة نفسية!

السؤال

السلام عليكم..
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه.

استفساري -يا دكتورنا الفاضل-: أنا الابن الأكبر لأب مصاب بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وكانت جدتي مريضة نفسيا، ولكن لا أعلم ما اسم مرضها –رحمها الله-، ولدي أخي الأوسط مصاب بنفس المرض، وحالتهم مستقرة، ولكن لدي أخي الأصغر مرت عليه فترتان، الأولى في الاختبارات قبل ٥ شهور، حيث يكون فيها كثير الكلام، ويرسل رسائل بالواتساب كثيرة على من يعرف وعلى من لا يعرف جيدا، ويكون جريئا على غير العادة، ويكون لديه حالة فرح زائدة قليلا، أتوقع أن اسمه لديكم (القطب الانشراحي)، ويضع الأسرة في موقف محرج، وخصوصا أبي وأخي المصابين، لأنهم يخافون أن يكون لديه نفس المرض، ويضحك بصوت عال، وينصح أبي ويقول لا تقل كذا وكذا، ولا تحطمني، علما بأن ردود فعله مبالغ فيها، وأبي ما قصر بتربيتنا جميعا.

والفترة الثانية: قبل أسبوع، وكان عنده اختبارات، والآن رجع طبيعيا.

ماذا أفعل؟ هل هو مصاب بنفس المرض؟ وهل توجد أدوية وقائية أم لا، أم أنتظر حتى تخرج علامات المرض -لا قدر الله- وأذهب به إلى المستشفى؟ فهو الآن طبيعي، ويستحيل إقناعه، علما بأني ذهبت للمستشفى اليوم وقابلت دكتورا نفسيا ولم يقنعني، يقول لي انتظر، فقد يكون هذا بسبب ضغط الاختبارات.

وهل توجد علامات مبكرة لكي أطمئن على بقية إخوتي؟ وهل تنصحنا بزواج الأقارب لمن هم ليسوا مرضى من إخوتي؟

للقارئ الكريم: أرجو عدم أخذ المسألة بأكبر من حجمها، والامتناع عن تزويج الحاملين لنفس المرض، ومعاملتهم بدونية، فهم بشر، ولكن ابتلاهم الله، والحمد لله أن أبي مصاب بنفس المرض ولم نرَ إلا الخير، صحيح أنه تحدث أوقات حزن وكرب أيام الانتكاسات، وهذا من جهل العائلة بالمرض وقلة الوعي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب، ونشكرك كثيرًا على درجة الوعي والإدراك التي أردتَّ أن توظفها لفائدة أسرتك.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية تلعب العوامل الوراثية فيه دورًا من حيث السببية أو إثارة المرض الكامن في بعض الأحيان، إذا توفرت العوامل البيئية التي تؤدي إلى ظهور المرض.

ويا أخي الكريم: الذي يُورَّث ليس المرض ذاته إنما الاستعداد له، والشيء المهم جدًّا في علاج هذه الحالات هو أن تُعالج بحزم وعدم تهاون، وأن تكون هنالك متابعة دقيقة مع الطبيب المختص الذي يثق به المريض.

بالنسبة لهذا الابن –عافاه الله تعالى وشفاه– أنا أقول: إن التدخل المبكر مطلوب، وكل الجهود البحثية والتطبيقات العملية الآن تُشير أن التدخل المبكر من حيث العلاج أو الوقاية أو خلافه يؤدي إلى نتائج رائعة جدًّا، وتُوجد في بعض المراكز المتقدمة متابعة الأبناء والبنات الذين لديهم اضطراب الفصام أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، هؤلاء يُتابعون منذ طفولتهم، هذا الأمر يجب ألا يكون مزعجًا لأنه أمر جيد وقائم، وإن ظهرت هنالك أي علامات مرضية حتى ولو مؤشرات بسيطة جدًّا يجب أن يحدث التدخل العلاجي المفيد.

أنا أرى أن هذا الابن يجب أن يُعرض على طبيب نفسي، وأنت لم تذكر عمره، لكن إذا كان عمره أقل من 18 عامًا فيُفضل أن يُعرض على طبيب نفسي مختص في الأمراض النفسية لليافعين والمراهقين، وبهذه الكيفية نكون -إن شاء الله تعالى- قد ضمنا أن حالته لن تتدهور، هو الآن في وضعٍ جيد، وهذا أمرٌ جيد لا شك في ذلك، لكن تجاهل النوبة السابقة لن يكون أمرًا جيدًا.

لا أريد –أخي– أن أدخل فيك أي نوع من الخوف أو الانزعاج الشديد، لكن الذي ذكرته هو مجرد تنبيه.

وإذا ذكر لك الطبيب أنه يجب أن يكون هنالك انتظار حتى تظهر بوادر نوبة أخرى: هذا الكلام أيضًا قد يكون مقبولاً، لكن يجب أن نكون شديدي الملاحظة دون أن نُشعر هذا الابن بأنه مراقب، أي نوع من التغيرات التي قد تكون مؤشرات لظهور بوادر المرض يجب أن يكون التدخل مبكرًا جدًّا.

هنالك مدارس نفسية تقول في مثل هذه الحالات يجب أن يُعطى العلاج لمدة ثلاث سنوات، ليس العلاج الكامل، إنما جرعات وقائية، مثلاً عقار (دباكين) يُعطى بجرعة صغيرة يوميًا لمدة ثلاث سنوات، لكن هذه المدرسة قد لا تكون هي المهيمنة في الوقت الحاضر، المراقبة الدقيقة والتواصل مع المختص هو المطلوب، ويا ليت المختص يكون لديه قوة علمية في الاضطرابات الوجدانية ثنائية القطبية.

بالنسبة للزواج: أنا لا أراه ممنوعًا أبدًا –أخي الكريم-، لكن هنالك تحوطات يجب أن تُتخذ، وهي: أن عمر المتزوج -رجلاً كان أو امرأة- يجب أن يكون عمرًا معقولاً، أي لا يقل عن خمسة وعشرين عامًا، فهنا فرصة ظهور المرض قليلة جدًّا، وكذلك النضوج النفسي يُعتبر آلية تعويضية ممتازة.

وبالنسبة للزواج أعتقد أن هذا يُعتبر حلًّا معقولاً، يعني لا نحرمهم، لكن نتحوط، والذرية إن شاء الله تعالى حين تأتي، حين تُنشأ التنشئة الصحيحة، وفي بيئة جيدة، فهذا سيُقلل كثيرًا من فرص التأثير الجيني، لأن الوراثة أصلاً ليست وراثة مباشرة، إنما هو نوع من الاستعداد الوراثي إذا تهيأت له الظروف الأخرى، ربما يظهر في شكل مرض، والظروف الأخرى قطعًا أهمها الظروف البيئية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك كثيرًا -أخي- على ثقتك في استشارات إسلام ويب وإثراء هذا الموقع برسائلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً