الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني التخلص من الرهاب الاجتماعي حتى أكمل دراستي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد استشرتكم في حالتي وهي الرهاب الاجتماعي من قبل، وأيضا لدي بعض الوسواس القهري، ولكن لم أتمكن من تناول أي من الأدوية النفسية.

أنا سأقدم على دراسة جامعية، وغالبا سوف تكون في بريطانيا لدراسة العلوم السياسية، وهذا يزيد الأمر سوءا؛ بسبب خجلي وقلقي من الناس، وخصوصا الإناث منهم.

قرأت الكثير حول أدوية الرهاب والعلاجات السلوكية في موقعكم وغيره، ولكن تحيرت في تناول الأدوية الصحيحة، فأنا أريد تناول دواء للرهاب والخوف مثل الزيروكسات أو الزولفت، وأيضا دواء للقلق والتوتر، فما هو الدواء الأفضل؟ ولا أريد الفلونكسول لأسباب لا تتعلق بالدواء.

فهل هناك أدوية للقلق، تكون ممتازة، وإن تأخر مفعولها، وخصوصا لو كانت أدوية بدون وصفة طبية، وما هي المواجهات المطلوبة مني في العلاج السلوكي المعرفي؟ وكيف أتدرج في المواجهة؟

وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ nawar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونصيحتي الأولى بل الوصية الحتمية والقوية لك هي: ألا تحرم نفسك من نعمة العلاج، تقدَّم نحو العلاج وقابل طبيبًا وتابع معه، وما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فتداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام.

هذه يجب أن تكون قناعاتك – أيها الفاضل الكريم – ويا حبذا لو ذهبت إلى طبيبٍ نفسي، الأمر في غاية البساطة، قلق المخاوف الوسواسي الآن منتشر، وعلاجه الآن أصبحَ سهلاً بفضل الله تعالى.

من الناحية الدوائية: الأدوية المتوفرة سليمة، ونحن لا نصف إلا الأدوية السليمة، لأن السلامة يجب أن تأتي قبل فعالية الدواء، عقار (زولفت) والذي يُعرف علميًا باسم (سيرترالين) دواء مثالي ومفيد جدًّا وغير إدماني وغير تعودي، فقط ربما يفتح الشهية قليلاً نحو الطعام، وبالنسبة للمتزوجين ربما يؤخر القذف المنوي قليلاً، لكنّه لا يؤثِّر على الصحة الإنجابية أو ذكورية الرجل.

الجرعة التي تبدأ بها هي نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا – تناولها يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة لمدة شهرٍ، ثم اجعلها حبتين – أي مائة مليجرام – ليلاً، وهذه هي الجرعة العلاجية التي تفيد في علاج قلق المخاوف الوسواسي، أما الجرعات التي هي أقل من ذلك لا تُفيد، وبعض الناس يحتاجون إلى الجرعة القصوى، وهي أربع حباتٍ في اليوم.

استمر على الحبتين يوميًا لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، لأن قلق المخاوف الوسواسي ذو طابع انتكاسي في بعض الأحيان، إذا لم يُعالج بصورة حاسمة وقوية، بعد انقضاء ستة أشهر انتقل للجرعة الوقائية، وهي حبة واحدة ليلاً لمدة أربعة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذه هي الطريقة العلمية الصحيحة، أي أن تتبع الخطوات العلاجية السليمة حسب مراحلها ودرجاتها: الجرعة التمهيدية، ثم الجرعة العلاجية، ثم الجرعة الوقائية، ثم جرعة التوقف التدرُّجي عن الدواء، مَن يتبع هذا المنهج -إن شاء الله تعالى- يفرح وينتصر، لأن الأعراض سوف تنقضي.

الدواء الآخر - وهو دواء بسيط ويُعتبر داعمًا – هو عقار (سلبرايد) ويعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل) تناوله بجرعة كبسولة صباحًا ومساءً لمدة شهرٍ، ثم كبسولة صباحًا لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناوله، لكن يجب أن تستمر في تناول الزولفت بنفس الكيفية التي ذكرتها لك.

أيها الفاضل الكريم: بالنسبة للمواجهات السلوكية: أول مواجهة سلوكية هي أن تُحقِّر هذه المخاوف، وأن تُناقش ذاتك حولها: لماذا تقبلها؟ أنت لستَ بأقلَّ من الآخرين، واعرف أنها مكتسبة، أي متعلَّمة، ليست وراثية، والشيء المكتسب يُفتقد من خلال التعليم المضاد أو المعاكس.

وهنالك العلاجات السلوكية العامة، وهي: ممارسة تمارين الاسترخاء، وممارسة الرياضة، والحرص على النوم الليلي المبكر، والتوازن الغذائي... هذه علاجات سلوكية أيضًا، والعلاج السلوكي الآخر هو: حسن إدارة الوقت، وعدم إتاحة الفرصة للفراغ الذهني أو الزمني الذي يُهيمنُ على الإنسان ويسيطر عليه ويحرمه من نعمة الإنتاجية والفعالية.

بعد ذلك تأتي لعلاجات نفسية خاصة متدرّجة: أولاً يجب أن يكون لك حضورًا واضحًا داخل الأسرة، هذا نوع من التعريض أو التعرُّض. دائمًا كن صاحب مشاركاتٍ إيجابية، وعلِّم نفسك فنيات التخاطب اللفظي، والتخاطب عن طريق لغة الجسد، انظر إلى الناس في وجوههم حين تتحدث معهم، خاصة مَن تعرف ومَن لم تعرف، واعرف أن تبسُّمك في وجه أخيك صدقة.

بعد ذلك انتقل إلى المرحلة الأخرى وهي الصلاة مع الجماعة، هذا علاج عظيم، لأن فيه نوع من التعريض في محيطٍ آمن. ابدأ حتى بالصفوف الخلفية، لا بأس في ذلك، بعد ذلك تقدَّم وتدرَّج في تقدُّم الصفوف حتى تصل إلى الصف الأول، كن في يمين الصفِّ أولاً، ثم انتقل إلى منتصفه لتكون خلف الإمام. بل تصور أنك يمكن أن تقوم مقام الإمام إذا طرأ عليه طارئ أو تخلَّف ولم يكن هناك من ينوب عنه إلا أنت مثلاً.

اذهب إلى المطاعم مع أصدقائك مثلاً متى ما كان ذلك مناسبًا، مرة أو مرتين في الأسبوع، شارك الناس أفراحهم ومناسباتهم.

هذه كلها علاجاتٍ مفيدة، وهذا هو التعريض السلوكي المتدرِّج، ونحن دائمًا نحاول أن نُعطي تطبيقاتٍ من واقع الحياة، فهي الأفيد، وهي سهلة التطبيق إذا عدَّ الإنسان نفسه للإعداد النفسي السليم، وأراد فعلاً أن يتغيَّر، فأرجو أن تتبع هذه المنهجية العملية، وتكون أساليبك التطبيقية حازمة، أي أن تجعل لنفسك الكوابح والضوابط التي تُبعدها من الهفوات التي تؤدي إلى الانتكاسات المرضية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على تواصلك مع استشارات إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً