الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الرهاب الاجتماعي وتقلب المزاج، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا أود أن أشكر كل القائمين على هذا الموقع الرائع، وأسأل الله أن يجعل عملهم في ميزان حسناتهم.

تتلخص مشكلتي منذ فترة المراهقة حين ابتليت بمرض الرهاب الإجتماعي، فكنت أخشى مواجهة الناس، وخصوصا التعامل مع الجنس الآخر إلا أصدقائي الذين أعرفهم جيدا، وكنت أتجنب الاجتماعات، حتى أنني كنت أميل للإنطوائية والعزلة في بعض الأحيان، علما بأنني تمتعت بطفولة شبه مثالية، واحتواء أسري، ولم أتعرض لأي مواقف أو صدمات، ولكنني ظللت للأسف أمارس العادة السرية لمدة تتجاوز الـ 10 سنوات، وكنت أتركها لفترات متقطعة، وأعود إليها من جديد، ولكن بفضل الله تركت هذه العادة القبيحة، ولي قرابة العام لم أمارسها، وبإذن لله أنوي وأصر على عدم الرجوع إليها مرة أخرى لما سببته لي من أضرار نفسية وجسمانية.

أنا الآن عمري 21 سنة، وبدأ الرهاب في التزايد بشكل كبير في الثلاث سنوات الأخيرة عند الانتهاء من المرحلة الثانوية، ودخولي الجامعة حتى لاحظت أنه أثر على مستوى دراستي، فقد كنت أتهرب من الذهاب غلى الجامعة، وأفضل الجلوس في المنزل، وازداد الأمر سوءًا حين أصابني شرود ذهني رهيب بدون أي مقدمات، وكنت لا أقدر على المذاكرة والتركيز لمدة دقيقتين حتى! وكنت كثير السرحان في أي شيء يخطر في بالي، مما أدى ذلك إلى عدم قدرتي على الدراسة، ورسوبي في السنة الماضية، واضطررت إلى إعادة السنة الدراسية -والحمد لله على كل حال.

عندما أواجه الناس أو أتعرض لأي موقف يبدأ وجهي بالاحمرار، وأتلعثم بالكلام، فقرأت عن حالتي واكتشفت أن الكثير يعانون من نفس المرض وهو الرهاب الاجتماعي، فبدأت بالبحث عن مشكلتي في النت، وبفضل الله هداني الله إلى هذا الموقع العظيم، وبدأت أقرأ الاستشارات على موقعكم التي تشبه حالتي، فوجدت أن أفضل دوائين لحالتي هما (لوسترال)، و(الدوجماتيل فورت)، فبدأت في تناول اللوسترال بجرعة حبة واحدة لمدة أسبوعين، ثم رفعت الجرعة إلى حبتين (100) ملغم، وأتناول الدوجماتيل بجرعة حبة واحدة (200) ملغم، علما أنني أداوم على الفترة العلاجية لفترة خمسة أشهر، وبفضل الله تحسنت حالتي كثيرا، ومازلت أداوم على العلاج.

إلا أنني في الفترة الأخيرة أصبحت هادئا، وقليل الكلام، ومتقلب الحالة المزاجية، ولكنني لا أشعر بالانطوائية والعزلة التي كنت أشعر بها قبل العلاج، وهذا الأمر يزعجني كثيرا، وأصبح شاغلا لبالي؛ لأن هذا عكس شخصيتي، فقد عرفت وسط الناس أنني شخص كثير المزاح، ويحب الناس الاختلاط به والجلوس معه -الحمد لله، كما أنني أشعر أيضا هذه الفترة بتشتت الأفكار، وعدم القدرة على التعبير عما بداخلي عندما أريد توصيل فكرتي لشخص ما، فقرأت ووجدت أن عقار (البروزاك) جيدا للقلق والوساوس، ومحسن للمزاج.

فهل أبدأ في تناول البروزاك أم أزيد جرعة اللوسترال إلى (150) ملغم؟ أم أنني أحتاج إلى دواء آخر يساعدني في تحسين حالتي المزاجية؟ وهل يمكن لحضراتكم أن تصفوا لي دواء يساعد على زيادة النشاط والتركيز؟ لأنني أحيانا أشعر بالخمول والكسل، خصوصا أنني مقبل على فترة امتحانات.

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمرو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أولاً: أود أن أهنئك لتوقفك عن العادة السرية، فهي ليست سرّية، وإنما هي قبيحة، وأضرارها كثيرة جدًّا، فما قمت به الآن عمل ممتاز، عملٌ موفّق بإذن الله تعالى، فكن ثابتًا على ذلك، واحتسب عند الله الأجر، وأوجد لنفسك البدائل، والبدائل كثيرة جدًّا، هنالك أشياء جميلة في الحياة يمكن للإنسان أن يُدمنها.

حالة الرهاب التي تعاني منها أراها بسيطة إلى متوسطة، لكن ربما تكون أطبقت عليك لأنك لم تقم بمحاولات حقيقية من أجل تفتيت هذا الرهاب والتخلص منه. المجاهدات السلوكية مطلوبة، وهي مهمة جدًّا، وقد أشرنا إليها في كثير من الاستشارات. الدواء يُساعد بنسبة 30% تقريبًا، والترتيبات السلوكية تُمثِّل 70% من العلاج، أضف إلى أن العلاج السلوكي حين يُداوم عليه الإنسان هذا يُقلل تمامًا من فرص الانتكاسة، أما الاعتماد على الدواء لوحده حتى ولو تحسَّن الإنسان بنسبة 100% غالبًا ما تحدث انتكاسات بعد التوقف من الدواء.

فأنا أريدك أن تأخذ الرزمة العلاجية كاملة، الدواء زائدا العلاج السلوكي والعلاج الاجتماعي، وهذا مهم جدًّا، وأبسط علاج سلوكي هو تحقير فكرة الخوف وبناء ثقة جديدة في نفسك، والاقتناع بأنه لا أحد يُراقبك، ولن تفشل أمام الآخرين، والتغيرات الفسيولوجية من تسارع في ضربات القلب هي تجربة خاصة بك أنت ولا يطلع عليه.

هذه الحقائق مهمّة، واستيعابها والأخذ بها سيكون إن شاء الله تعالى زاد سلوكي حقيقي بالنسبة لك. ولا بد أن تكون هنالك تطبيقات سلوكية مباشرة، مهما كانت درجة الخوف أريدك أن تذهب وتشارك الناس في مناسباتهم، اذهب إلى الأسواق، احرص على الصلاة مع الجماعة، مارس رياضة جماعية، بل أريدك أن تُحفِّز نفسك أكثر من خلال الانضمام لأي عملٍ اجتماعي أو خيري أو ثقافي، من خلال مثل هذه التجمُّعات تستطيع أن تتخلص تمامًا من مخاوفك ورهابك.

بالنسبة للعلاج الدوائي: الـ (لسترال) عقار ودواء جيد، وأعتقد أنه قد أدَّى دوره كاملاً، وكل المطلوب منك هو تدعيمه سلوكيًا.

لا أراك في حاجة في هذه المرحلة أن تنتقل عن اللسترال، فهو دواء - كما ذكرتُ لك - من أفضل الأدوية إن لم يكن أفضلها لعلاج الرهاب الاجتماعي. لكن الذي قد تحتاجه هو أن تُخفف الـ (دوجماتيل) حتى تتوقف عنه، أعتقد المزاج الذي تمر به الآن وهو قلة الكلام والهدوء الشديد: ربما يكون الدوجماتيل قد لعب دورًا في ذلك، فخفض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا فقط يوميًا لمدة أسبوع، ثم توقف عنه، واستمر على اللسترال بجرعة المائة مليجرام ليلاً، حبتين كافية جدًّا، لا أعتقد أنك في حاجة لترفع الدواء إلى مائة وخمسين مليجرامًا يوميًا، ولا أعتقد أن هنالك حاجة أيضًا للانتقال إلى عقار (بروزاك)، كل الذي تحتاجه هو التفكير الإيجابي، والمثابرة، وتحسين الدافعية، والإصرار على التحسُّن.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً