الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ينتابني خوف شديد بأنه سيحدث لي مكروه!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة، بدأت قصتي في أحد الأيام عندما انتهيت من الدراسة، وأثناء مغادرتي الجامعة أحسست بأنني غير قادر على المشي، وفقدت توازني، وجلست على الأرض، وكانت حالتي لا تفسر، ولم أعرف سبب ما حدث لي!

ذهبت إلى الطبيب في اليوم التالي، فقال لي: أن سبب ذلك هو السمنة المفرطة، فكان وزني 96 كغ، وطولي 168 سم، وأعطاني فيتامينات وأدوية للقولون والمعدة، وشفيت بعد مرور شهر، وفي 28 من رمضان عاودتني الحالة ذاتها، ففقدت التوازن والقدرة على المشي، وبعد العيد ذهبت للطبيب مرة أخرى، وقمت بعمل إيكو، وكانت النتيجة أن كل الأعضاء سليمة، فقط وجود غازات كثيفة في البطن، فأعطاني الطبيب الأدوية وشفيت.

بعد مرور الشهر عاودتني الحالة ذاتها، ولكن بشكل أقوى، ولم أتمكن من المشي، وفقدت توازني بشكل تام، فعدت للطبيب وأعطاني أدوية أخرى للقولون، ولكن دون فائدة، فراجعته مرة أخرى، وأعطاني مقويات وفيتامينات، لكن زادت حالتي سوء إلى أن نقلت للمستشفى بسبب آلام قوية تحت القلب، وقمت بعمل تحاليل الدم، وأشعة للصدر وكانت سليمة، وذهبت لطبيب آخر ففاجأني بأن سبب المرض الذي أعاني منه هو القلق المفرط، وشرح لي أن سبب آلام القولون هو القلق، وأعطاني شراباً مهدئاً للأعصاب، وأقراصا للقولون، وما أعاني منه الآن هو الخوف الدائم بحدوث شيء سيء لي، حتى عندما أكون في حالة جيدة ينتابني شعور بالخوف أن حالتي ستسوء، وأصبحت غير قادر على التركيز، وعندما أمشي في الشارع بمفردي، أشعر بأنني سأسقط، وينتابني الخوف.

أصبحت حالتي صعبة جداً، ولم أعرف ما الذي يجب القيام به لتجنب حالات الخوف الذي أعاني منه، رغم أن تحاليلي كانت جيدة، وأشعة الصدر جيدة، وكل الأطباء الذين زرتهم أكدوا لي أن قلبي سليم تماما، لكن أعاني من ذعر شديد لا أجد له أي تفسير، وفقدان للشهية لخوفي من آلام بعد الأكل، لذلك فقدت 12 كغ من وزني، فما تشخيصكم لحالتي؟

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الذي تعاني منه يُعرف بقلق المخاوف، وقلق المخاوف فعلاً قد يُعطي الإنسان الشعور بفقدان التوازن في بعض الأحيان، وقد تُوجد أعراض نفسوجسدية مثل الآلام في القفص الصدري، أو الشعور بالنغزات، أو آلام القولون العصبي مثلاً.

إذًا حالتك -أيها الفاضل الكريم- هي قلق مخاوف أدى إلى أعراض نفسوجسدية، والأسباب لا تُعرف، هنالك من يتحدث عن الاستعداد الوراثي، وهنالك من يتحدث عن تجارب حياتية سلبية، مثلاً يتعرض الإنسان في طفولته إلى نوع من الرهبة أو التخويف، هذه قد تتجسّد على مستوى العقل الباطني ثم تظهر في وقتٍ لاحق، فهذه كلها نظريات، قد تلعب دورًا أو قد لا تلعب، المهم في الأمر ما هو وضعك الآن، وما الذي يجب أن تقوم به؟

الذي يجب أن تقوم به أن تفكر دائمًا أنك -الحمد لله تعالى- سليم البدن والنفس والجسد، وهذا الذي بك ناتج من القلق، والقلق يُعالج من خلال التجاهل والتحقير، وأن تسعى لأن تعيش حياة صحية، أول شروط الحياة الصحية هو أن يلتزم الإنسان بصلاته، هذا أمرٌ مهم جدًّا، وأن يسعى دائمًا في مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، وأن توسّع من شبكتك الاجتماعية، وأن تحرص على بر والديك، وأن تسعى لأن تطور ذاتك فيما يتعلق بالمحيط الدراسي ومحيط العمل.

هذه هي النقطة الأولى، والنوم الليلي المبكر يُرمم خلايا الدماغ بشكل إيجابي جدًّا، وكذلك ممارسة الرياضة، هذا الذي أحدثك عنه علاجات، علاجات ذات طابع نفسي سلوي اجتماعي، فاجعلها هي ديدنك، وسوف تجد أن القلق والخوف أصبح يتجه اتجاهات أخرى أكثر إيجابية، ويتقلص المكون السلبي فيه.

نصيحة مهمة جدّا: ألا تُكثر التردد على الأطباء، ولا تترك مجالاً للفرغ -الفراغ الذهني أو الفراغ الفكري أو الفراغ الزمني-، حسن استغلال الوقت هي من أعظم ما يمكن أن يُقدمه الإنسان لنفسه ليكون نافعًا لنفسه ولغيره، وكما تعلم -أيها الفاضل الكريم- الواجبات أكثر من الأوقات، فأنت -الحمد لله- في بدايات سن الشباب، وأمامك الكثير الذي يمكن أن تقوم به، هذه الطاقات العظيمة التي وهبك الله تعالى إياها لا تُضيعها تحت وطأة الخوف والوسوسة والقلق، أنت أفضل مما تتصور.

النقطة الأخيرة في هذا الاسترشاد هي أنني أريد أن أنقل لك بشرى، وهو أنه الآن توجد أدوية فعّالة جدًّا، أدوية تُعالج القلق والخوف والوسوسة من هذا النوع الذي تتحدث عنه، كما أنه تُحسِّن المزاج، لكن الدواء لا بد أن يُؤخذ بانتظام وللمدة المطلوبة، ولا بد أن تُفعل الأدوات والطرق السلوكية التي تحدثنا عنها سلفًا، فالعلاج يجب أن يكون بيولوجيًا -أي دوائيًا- ونفسيًا واجتماعيًا وإسلاميًا، هذه الأربعة علاجات حين تجتمع مع بعضها البعض تعطيها الصورة العلاجية المثالية، هكذا اتفق العلماء حتى غير المسلمين منهم، تحدثوا عن العلاج النفسي والاجتماعي والدوائي والروحي، ونحن نقول عن العلاج الروحي العلاج الإسلامي، والذكر وقراءة القرآن والدعاء حافظ ومُذهب للكدر والضغوط النفسية.

الدواء الذي أريدك أن تستعمله يعرف باسم (ديروكسات CR) ابدأ بـ 12.5 مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12.5 مليجراماً يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم 12.5 مليجراماً يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم 12.5 مليجراماً كل ثلاثة أيام لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك وجزاك خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السودان mohammed omer ahmed

    كلام جميل ومفيد لدرجة قف تأمل

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً