الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات للفتاة في بحثها عن عاطفة الوالدين ومواجهة أهلها بمجانبة الرجال وترك المنكرات

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنني فتاة حاولت أكثر من مرة أن أذهب إلى والدي لأسمعهما كلمة حب وأنهما أغلى ما لدي بعد الله والرسول عليه الصلاة والسلام، وأنني لا أستطيع الاستغناء عنهما، وأن لهما مكانة كبيرة في قلبي، ولكن لم أستطع فعله لشعوري بأنه سيكون مرفوضاً، وأنهما لن يصدقاني، وذلك لما كان لهما من صد من الصغر.

إنني أريد أن أقبل يديهما وأحضنهما، خصوصاً والدتي، لكن هناك شيء يمنعني من فعله، لم أعتد حضنهما من الصغر، ووضحت هذه النقطة لوالدتي، لكن لم يحصل أي تغير! إنني أبكي لعدم تمكني من فعل ذلك، أريد أن أشعرهم بأنني فعلاً أحبهم وأحرص عليهم، إنني أحاول فعل ذلك عن طريق مساعدة والدتي بأمور البيت، ومحاولة توفير الجو الهادئ لها ومساعدتها بتربية أخي الصغير، أيضاً أحاول أن ألتزم بما أمرني به ربي والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنهما غير ملتزمين كثيراً، ولم يشجعاني من الصغر على الالتزام بالصلاة وإعلامنا بأنها من الأمور المهمة التي يجب فعلها لتحقيق رضا الله سبحانه وتعالى، والتي تجلب السعادة والطمأنينة لبناء حياة ناجحة.

والحمد لله الذي أرسل لي صديقة لتحثني على أداء الصلاة، بعد التزامي بدأ والداي يشعران بأنه لا كلمة ولا احترام ولا تقدير لهما، مع أن حبي لهما زاد، وكم أتقطع ليلاً عندما أشعر بأنني فعلاً أريد أن أنطق بقول كلمة (إنني أحبكما، وأحرص عليكما)، وأريد تطبيق ما أمرني به ربي؛ حتى أكون بنتاً بارة بهما، وحتى لا أجعلهما يكسبان شيئاً من الإثم عندما يعترضان على فعل ما أمرني به ربي والرسول عليه الصلاة والسلام.

وكي يتبين لكم الوضع جيداً أود أن أعرض عليك موقفاً حصل بيني وبين والدتي حفظها الله:

بعد أن تخرجت من الثانوية العامة قررت والدتي أن تقيم حفلاً بسيطاً لذلك، وأن تستضيف بعضاً من صديقاتها، وفعلاً اتفقنا وكنا نخطط معاً على إقامة تلك الحفلة، لكن كان هناك أمر تريد فعله لا يرضي الله والرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، وهو وضع الأغاني والرقص أمامهم، لم أقل لها موقفي في نفس اللحظة، بل عدت إليها بعد يومين وقلت لها: أماه! لي طلب بسيط لديك بخصوص الحفلة، بكل هدوء واحترام، فقالت: ما هو؟ قلت لها: أريد وضع أناشيد دينية خالية من الموسيقى للطلبة الذين تخرجوا من الثانوية العامة بدلاً من الأغاني؛ فغضبت كثيراً، وظنت أنني لا أريد أن يكون لها صديقات، وأريد أن أفضحها، وأنني لا أحبها، ولا أكن لها المحبة أو الاحترام، وبأن ذلك تشدد، بل ظنت أنني سأصاب بالجنون؛ لأنني وصلت لتلك الدرجة من الإيمان، وغيره من الكلام الذي لا يطيب الخاطر!

وهناك كلمة كانت ترددها كثيراً منذ أن كنت صغيرة بأنني لا أحبها، أعاملها كأنها عدوتي، مع أن إخوتي حاولوا تغيير ما تفكر به، إنني أحاول قدر إمكاني أن أرضيها، لكن من الصعب جداً أن أكون مثالية دائماً؛ لذلك إن أخطأت بأمر أو نسيت فكل ذلك الكلام يخرج منها، وكم شكل حواجز بيني وبينها!

وهناك موقف آخر حصل بيني وبين والدي -حفظه الله- قبل أيام، هو كالتالي:

جاء ابن عمتي لزيارتنا من بعد مجيئه من السفر، ولقد طلب مني والدي أن أذهب وأسلم عليه وأهنئه على الخطبة التي قد تمت خلال سفره، لكنني اعتذرت لوالدي؛ لأنني لا أشعر بالراحة للخروج والسلام عليه، والجلوس معهم؛ السبب الذي يجعلني غير مرتاحة هو ما فيه من اختلاط، وإنني أشعر بأن حيائي يقل كلما كنت أجلس معهم؛ لأننا كنا نخوض في نقاشات ومواضيع، لذلك قررت عدم فعل ذلك إلا إذا كان هناك ضرورة أو حاجة لذلك.

الآن رفضي لعدم الذهاب جعل والدي يظن أنني لا أحترمه ولا أقدره، وبأن ذلك معصية كبيرة، مع أنني قلت له: إنه لا حاجة لي للذهاب، يكفي ذهابك أنت وإخوتي لتهنئته والترحيب به، فقال: بل أنا أرى أنه من الحاجة والضرورة! ومع إصراره لفعل ذلك لم أوافق على تنفيذ طلبه؛ مما أدى إلى غضبه، وعدم التحدث إلي، ووصفي بما لا يطيب له خاطر المسلم، وإنني أشعر بألم وضيق لما قد حصل.

إنني أريد أن أعيد الحياء الذي فقدته؛ لأنني كنت في مدرسة مختلطة، وكان والدي يجعل ذلك حجة للجلوس مع ابن عمتي، لكن الآن بعد أن انتهيت أريد فعلاً أن يعود الحياء إلى قلبي؛ لأنه أساس العفة والجمال في المرأة، ولأن الحياء شعبة من الإيمان أيضاً، إنني حاولت إيصال هذه النقطة لهم، لكنهم لم يهتموا لذلك كثيراً، بل هم فخورون لأنني أستطيع التحدث جيداً مع الجنس الآخر، وإن كان هناك مجموعة من الناس، وأعرضوا عن فكرة الحياء التي يجب أن تكون في الفتاة!

وهناك شيء آخر أنه لا يتوفر اللباس الشرعي الكامل الخالي من الزينة، وإنني أسعى للبس النقاب؛ لذلك يجب أن أعود نفسي عدم الاختلاط بالجنس الآخر إلا إذا كان هناك ضرورة أو حاجة، ومن الشروط التي قرأتها في موقعكم للجلوس مع الأقارب مثل ابن العم وابن الخال وغيرهم من غير المحارم أنه يجب توفر الشروط التي ذكرت في فتوى رقمها 10463، وإلا فلا يجوز الجلوس معهم، وفضلوا فصل كل من الجنسين في مكان لمنع حدوث الفتنة.

أسأل الله العظيم أن يكون ذلك وافياً لفهم مشكلتي، وأسأل الله الميسر أن يجعلكم سبباً لحل مشكلتي هذه، وأسأل الله الكريم أن يبارك فيكم وأن يجعل أعمالكم خالصة لوجه.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفضلى/ الفقيرة إلى الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فنسأل الله أن يقدر لك الخير، ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعاً رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

فإنه ليؤسف الإنسان أن يقول: إن هذه الشكوى تتكرر من الفتيات، مع أن حاجتهن إلى العاطفة لا تقل عن حاجتهن للطعام والشراب، ولا عجب؛ فإن المرأة هي مصدر العطف والحنان، وإذا لم تجد من يشبعها من العطف والحنان فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد يضطرها ذلك للانحراف والبحث عن العواطف المحرمة عند الذئاب المترصدة، ولكنك -ولله الحمد- ممن حفظها الله بتوفيقه، وبفضل صديقة الخير، وأنت -بإذن الله- مشكورة ومأجورة على مشاعرك الطيبة تجاه والديك، والله يعلم بصدقك، وسوف يجازيك على ذلك بفضله وكرمه.

وأرجو أن نلتمس بعض العذر للآباء والأمهات، فقد لا يحسنون التعبير عن مشاعرهم؛ وهذا يجعل شباب اليوم يظن أنهم بلا عواطف ولا أحاسيس ومشاعر، وهذا الاتهام ليس في محله، ولا يقبل على إطلاقه، ومهما قصروا فلا شك أن قلوبهم عامرة بحب أولادهم؛ ولهذا لم توص الشريعة الوالدين بحب أولادهم؛ لأن ذلك من الفطرة عند الإنسان والحيوان.

ومن الضروري أن يعرف الآباء والأمهات أن الأنثى تحتاج إلى العاطفة حتى بعد أن تكبر في سنها، خلافاً للرجل الذي يحتاج إلى العواطف في صغره، وتقل تلك الحاجة مع كل يوم يكبر فيه، وقد دخل الصديق رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها بعد زواجها، فقال: كيف أنت يا بنية؟ وقبلها.
ومن واجبك الإحسان لهما، والشفقة عليهما، والحرص على رضاهما، خاصة وقد علمت منزلة الوالدين في كتاب ربنا وسنة نبينا، وتلطفي في النصح لهما، واصبري على الأذى منهما.

ولا شك أن كثيراً من الشباب والفتيات يجد صعوبة في التعامل مع أسرته عندما يبدأ حياة الالتزام والتمسك بالأحكام الشرعية، وفي مثل هذه الحالات ننصح بما يلي:

1- أن نحرص على أن تكون البداية بالمنكرات الكبيرة، كتلك المتعلقة بمسائل العقيدة، ثم مسألة المحافظة على الصلوات، ثم نتدرج في الإصلاح.

2- لا تتأثري بهذا الصدود في الوالدة، وواصلي من إحسانك وبرك لها، فالله لا تخفى عليه خافية، وإذا رضي الله عنك فلا يضرك غضب الآخرين، وسوف ترضى عنك الوالدة في نهاية الأمر بإذن الله الذي يقلب قلوب العباد، ويصرفها كما يشاء.

3- حاولي تغيير أسلوب التعامل مع الوالدة، واطلبي من غيرك من الصالحات أن تتولى نصحها، واجعلي توجيهاتك غير مباشرة، وكان بالإمكان اختيار شريط مناسب ووضعه في التسجيل بلطف، شريطة أن يكون ذلك في غياب الآخرين؛ حتى لا تحرج الوالدة، فلعل الوسط الذي حولها ضعيف في تدينه، وهذا يجعل الطريق طويلاً، وأرجو أن تصبري وتحرصي على تغيير خطأ واحد في كل يوم بالحكمة والموعظة، فإن الناس إذا حملناهم على الحق جملة رفضوه جملة كما قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.

4- في حالة الزيارات العائلية فالأفضل الذهاب مع مراعاة الحشمة، واختيار مكان بعيد عن النظرات، وإظهار التشاغل مع إحدى القريبات بعد نصحها بعدم الجلوس مع الرجال، ثم بيان الخطأ في الجلسات المختلطة، وسوف تجدين من القريبات من تعاني من نفس المشكلة، لكنها كانت تنتظر من يعينها، واطلبي من بعض المحارم أن يقترح جلوس النساء في مكان منفصل عن الرجال؛ حتى يأخذوا راحتهم، وبعد كل هذه المحاولات لا مانع من الإعلان عن رأيك بعد أن تكوني قد كسبت من يؤيدك من الأهل، وسوف تثمر هذه الطريقة بإذن الله، وحاولي مناقشة الوالدة بهدوء مع ضرورة الاحتمال، ومواصلة البر والإحسان.

5- قولي للوالد: لقد عرفت خطورة الاختلاط خلال مرحلة الجهل، فإنه لا يعرف خطورة هذه المخالفة مثل من خاض التجربة، وها هم أهل الغرب ينادون بعزل البنات عن الأولاد، وانتشرت في بلادهم عدد من المدارس التي تمنع الاختلاط، وأما نحن فشريعتنا العظيمة تباعد بين أنفاس الرجال والنساء، وأفضل شيء للمرأة ألا ترى الرجال ولا يرونها، وأن يكون جمالها خاصاً ومحصوراً لزوجها، ونساء الجنة مقصورات في الخيام، ويقصرن طرفهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم، وهذا هو الكمال والجمال، والحياء هو أغلى ما تملكه المرأة، والحياء خلق الإسلام، وإذا فقدت المرأة حياءها أصبحت مثل الحلوى التي ضاع غطاؤها فهي عرضة للذباب والجراثيم، وسيري يا فتاة الإسلام على طريق الحق، ولا توحشك قلة السالكين، واتركي طريق الغواية رغم كثرة الهالكين.

ونسأل الله أن يرزقك السداد والرشاد، وأن ينفع بك أرحامك والبلاد والعباد.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً