الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من طيبتي وأقتحم لجج الحياة؟

السؤال

السلام عليكم

أشكركم من كل قلبي على جهودكم المتواصلة في حل مشاكل الشباب.

الحقيقية مشكلتي هي عبارة عن مشاكل متراكمة مع الزمن، وأسبابها متعددة، فأنا شخص لم أكن اجتماعيا منذ الصغر، وحساس، وهذه أيضا مشكلة عامة في أسرتنا، وخجول، وخلال مراحل دراستي كلها كنت مقتصرا على صديق أو اثنين، مع بناء علاقات طيبة مع البقية.

حصلت مشكلة بين أقرب الأصدقاء لي، وهذا سبب لي صدمة جعلتني أنعزل كليا عن الناس، وأصبحت حياتي بيت ومدرسة، ولم أعد أشكل أي صداقات، أو أخرج مع أي شخص، وطبعا هذه الحالة امتدت معي إلى الآن في الجامعة.

خلال هذه السنوات أدمنت لعبة أخرجتني من الواقع تماما، ربما أسوأ من المخدرات، وبقيت مدمنا عليها 7 سنوات تقريبا، فهي تأخذ وقتي وجهدي، طبعا بدون أي فائدة.

بعد محاولات كثيرة أخيرا استطعت التوقف عنها نهائيا منذ 5 أشهر، لكني حزين، ومكتئب أغلب الوقت، هذه السنين من حياتي لم تعد عليّ بفائدة أبدا، لا بتطوير مهارة، ولا بشيء آخر.

مستواي الدراسي جيد، لكني أشعر أني لم أنجز شيئا، فعمري 21 عاما، وأرى من هم في عمري يمتلكون محلات وتجارة بيع، ولهم دخل نهاية الشهر، وأنا هنا جالس فقط أدرس، ولا شيء آخر، إنما هي دراسة ونوم.

ومشكلة أخرى وهي الأهم: أني أخاف جدا مقابلة شخص كان معي في الماضي، وأعرف أين أصبح أو أين وصل! هذا الشعور يقتلني من الأعماق، فعندما أرى شخصا كان معي في مرحلة دراسية، وتغير جسمه للأفضل، أو تفوق بدراسة، أو أنه يشارك بفعاليات، أو لديه تجارة.

لا أحب أن أسمع أخبارهم، أو أعرف أين وصلوا؛ لأنه بمجرد معرفتي أو لقائي معهم؛ أصاب بإحباط شديد، وأشعر أني لم أنجز شيئا، والحقيقة أنه ليس لدي أي طموحات مثلهم في الحياة، حتى إن كان لدي أجد نفسي بدون حافز للوصول إليه.

آخر مشكلة لدي وأظن أنه لا يوجد لها حل وهي الطيبة، معروف عن كل أفراد عائلتي من والدي وأمي أننا أشخاص طيبون، وعلى نيِّاتنا، وهذه المشكلة أتعبتني، كل الأشخاص يأخذوني على محمل أن هذا شخص بسيط، وعلى نيِّاته، لا أحد يأخذني بجدية، والكل يحسب نفسه ذكي علي، حتى إن بعضهم يصل به الأمر لتعجب أنه كيف لشخص مثلي بسيط وطيب أن يكون لديه قدرات عقلية أفضل منه، وهذا أيضا ساهم بأن الأغلبية تبتعد عني.

لا أدري ما الحل أو من أي أبدا؟!

أرجو أن ترشدوني، ولكم كامل الشكر والعرفان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا بهذه النقاط الهامة من حياتك، والتي من الواضح أنك تعاني من مضاعفاتها، أعانك الله وخفف عنك.

من الطبعي أن تشعر ببعض الغيرة أو المشاعر السلبية عندما ترى بعض أصحابك قد نمى وتطور، بينما تشعر أنك في مكانك ولم تتقدم، ولكن...

ما فائدة هذه المشاعر السلبية إن لم تحولها لخطوات إيجابية على طريق التغيير وبناء حياتك ومستقبلك.

والأمر الثاني أنه لا يفيد البكاء على حليب قد انسكب، وكما يقول المثل الانكليزي، والأفضل منه هو تجميع الإمكانات والطاقات والعمل على التغيير الإيجابي.

وأنا أشعر بأنك قادر بعون الله على إحداث منعطف التغيير، وهناك عدة مؤشرات لهذه القدرة، ومنها أنك وصلت للجامعة، وأنك استطعت التوقف أو التخفيف من ألعاب الكمبيوتر وخاصة اللعبة التي اعتدت أو أدمنت عليها، بالرغم من صعوبة هذا التغيير إلا أنك قمت به ولله الحمد.

وطبعا طرح سؤالك عدة جوانب، ومنها شيء من الارتباك أو الرهاب الاجتماعي، وبعض ضعف الثقة بالنفس... وربما هذا كان وراء اعتزالك الناس، وتفضيل الجلوس في البيت للعب ألعاب الكمبيوتر حيث يجنبك هذا مواجهة الناس والارتباك أمامهم.

لقد أصبحت مشكلة التعامل مع النت والألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي مشكلة عند الكثير من الشباب، وهناك الآن حديث جديّ عن "إدمان الإنترنت" و"إدمان البلاك بيري" وغيرهما من هذه الوسائل، وهناك أيضا مراكز متخصصة لعلاج هذا الإدمان، والذي يدخل تحت مسمى "السلوك الإدماني"، وقد كنت أعمل استشاري للطب النفسي في واحد من هذه المراكز.

ربما أهم نقطة في قضية إدمان النت والألعاب ليس كيف تترك النت، وإنما ما هي الأعمال التي ستقوم بها عندما لا تكون على النت أو اللعب، أي ما هي البدائل؟

فطالما لا يوجد عندك شيء مغري ويشجعك على قضاء بعض الوقت معه، فلماذا تترك جهاز الكمبيوتر، ولماذا تهجر النت، طالما لا يوجد عندك بديل، فهذا أفضل من الجلوس هكذا تنظر في فضاء السماء.

فإذا، حدد أولا ما هي الأعمال، والأفضل ما هو العمل الذي تريد القيام به، عندما تتاح لك فسحة من الوقت، هل هي الدراسة؟ وأي مادة وأي كتاب وأي فصل...؟

فعندما تحدد ما هو المطلوب منك، ما هو العمل الذي تريد أن تجلس عليه ساعة أو ساعتين، فقد يسهل عندها ترك الكمبيوتر، والتفرغ لهذه الدراسة.

طبعا هناك أمور أخرى كثيرة يمكنك القيام بها، وأذكر هنا بعض الاقتراحات على سبيل المثال، لا الحصر:

• أغلق الجهاز، وضعه بعيدا عنك.

• أعطِ الجهاز لأحد أفراد أسرتك، واطلب منهم أن لا يعطوك إياه إلا بعد ساعتين مثلا أو أكثر.

• اترك الجهاز في البيت، وحاول أن تدرس وتنهي أعمالك في مكتبة الجامعة مثلا أو المكتبة العامة.

• حدد وقتا لاستعمال النت، وبحيث بعد ساعة مثلا أطفئ الجهاز، أي لا تنقطع كليا عنه، وإنما حدد وقتا مخصصا.

• ادرس مع صديق لك، وبحيث تلتزم بالجلوس معه طول مدة الدراسة.

• خصص يوما في الأسبوع لا تستعمل فيه الكمبيوتر، وإذا استطعت يمكن أن تجعلها ليومين.

• حدد وقتا في المساء كآخر ساعة تستعمل فيه الجهاز، فمثلا لا استعمال بعد الساعة 8 مساء.

• حدد وقتا في أثناء النهار بلا جهاز، مثلا بين الساعة 12 ظهرا، و8 مساء، وبحيث تكافئ نفسك على الدراسة باستعماله بعد هذه الساعة.

وهكذا ترى أن هناك وسائل كثيرة يمكننا من خلالها أن ننظم أمور حياتنا، وبحيث نسيطر على ظروفنا ولا نجعل "ظروفنا" تتحكم بنا، وربما العنصر الأساسي في نجاح هذه الإجراءات هو صدق العزيمة، واتخاذ الأسباب، وكما يقول تعالى في موقف مشابه عن مدى استعداد الإنسان للقيام بعمل ما يحتاج صبرا وعزيمة، "ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة" (التوبة: 46) فهل أعددت العدة، وهل أنت مستعد؟

أرجو منك الآن، وبعد قراءة جوابي هذا أن تطفئ الجهاز، ولا تعود إليه إلا بعد ساعتين من الآن، وسترى كيف يمكنك علاج المشكلة، ومن نفسك، ولكن لا بد من اتخاذ الخطوات البسيطة هذا.

وفقك الله ويسر لك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً