الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوفيق بين الزوجة وأم الزوج

السؤال

والدتي -حفظها الله ورعاها- أم لستة أولاد وأربع بنات، وهي ملتزمة، وتؤدي صلاتها وصيامها على الوجه الأكمل، تعيش مع الوالد وأختي وأخي الأخيرين، ولكن طباعها حادة جداً مع الجميع، مع التفاوت، وأحس أن طباعها معي أشد من الجميع، مع أني لم أقصر معها ومع والدي وإخواني بشيء! فأنا أفضل إخواني من الناحية المادية، وقد بنيت منزلا بالقرية وتركتهم فيه، وألزمت إخواني وأخواتي جميعاً بمبلغ شهري يعطى لهم، وأصرف لهم أضعاف ما التزمت به، وأتحمل أنا وحدي مصاريف رمضان والعيدين ومواجهة أي مرض يصيبهم، وذهبت بهما إلى الحج، ومرتين إلى العمرة، وكنت أنا السبب في توظيف أخواتي الأربع، وزواجهن أيضا!

الخلاصة أن جهودي هذه -بتوفيق الله- لا ينكرها أحد، بل أنا محل احترام وتقدير لدى العائلة والأقارب، بل والقرية، ولكني عندما أجلس مع الوالدة، أحس بعدم تقديرها لكل ذلك، وأحس بعدم وجود رحمة الأم المعهودة في الأمهات على أولادهن؛ فتشتكي كثيراً من قلة المصاريف والأثاث، وترغب في جلب المزيد من أي شيء إليها، ودائماً ما تقول لنا جميعاً ـ وأنا خاصة ـ أنتم تهتمون بزوجاتكم وأولادكم أكثر منا!

والسبب معي بالذات أني أعيش بالعاصمة، ولي علاقات وظيفية ودعوية مع كثير من الناس؛ فأضطر إلى إكرامهم ومساعدة البعض، وتظن الوالدة أن الحال هكذا على الدوام، مع أني بعض الأيام لا أجد ريالا واحدا!

ثانياً: علاقة الزوجة بالأم سيئة منذ الزواج قبل 20 عاماً ـ كما هي مع زوجات إخواني ـ ولكنها مع زوجتي أشد؛ فهي ترى أنها تقف أمام رغباتها وطلباتها التي لا تنتهي، وأنها تمنعني من إعطائها ما تطلب. وهذا غير صحيح!

منذ الزواج وهي لا تترك أي فرصة؛ للخلاف مع الزوجة، حتى في الحج، وفي العمرة، وفي الزيارات الدورية الشهرية التي نزورهم أنا والزوجة والأبناء السبعة! مع أنهم جميعاً لا يرغبون بالزيارة؛ لعلمهم بنتائجها مسبقا! وفي كل مرة يحدث شيء من العناد والجرح والامتعاض في المدة التي لا تتجاوز اليوم والليلة!

أخيراً: هل أنا مقصر في حقها؟ تأخذني حسرة عندما نأكل مع الأولاد شيئاً لا يوجد معهم؛ فهل علي شيء؟ أكره بعض تصرفاتها التي يكرهها منها إخوانها وأقاربها، هل أنا مؤاخذ بذلك؟ أحياناً تضطر الزوجة للشكوى والبكاء منها، وتقول إن إخوانك يشدون عليها؛ فتحترمهم، وأنت تخاف معصيتها؛ فتغتنمها فرصة لإيذائنا جميعاً (عبارة فيها جزء كبير من الحقيقة)! فماذا أعمل للزوجة؟

في عمرة هذا العام حدث جدال مع الوالدة حول الهدايا، فقالت إحدى بناتي: "يا جدة، أشتهي هدية لأختي التي لم تأت معنا للعمرة؛ أسوة ببنات أعمامي" فصاحت فيها ـ كما هي عادتها ـ وقالت لي (نكاية بالزوجة): "أنا غير سامحة لك بالعمرة مع زوجتك إلا وأنا معكم" وهي تعلم أني لا أرتاح في سفري إلا مع الزوجة، فهل أنا عاص إذا سافرت بدونها؟

رؤيتهم عني ليست صحيحة، ولم أستطع إقناعهم بأني لست غنياً ـ كما يشعرون ـ وأني مديون، فماذا أفعل؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أيمن حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل العظيم أن يوفقك للبر بوالديك! وأن يلهمنا رشدنا! ويعيذنا من شرور أنفسنا!

فإن المسلم يجتهد في نيل رضا والديه، ويعلم أن طاعة الله في طاعة والديه، ومثلك لا يخفي عليه هذا الأمر، ومهما كانت طباع الوالدين، فالإحسان إليهما، والصبر على ما يبدر منهما هو شأن المسلم الموفق.

ولا شك أن الوالدة أيضاً تقدر ما تقوم به، لكنها ترغب في المزيد، وأرجو أن تجد عندك ما يشفع رغباتها في حدود المعقول، ولابد أن تعلم أن الوالدة تسعد جداً إذا علمت أن مكانتها محفوظة بعد زواج أبنائها، ويخطئ كثير من الناس حين يقصر في الاهتمام بأمه بعد الزواج، وربما يظهر أمامها الحفاوة والاهتمام بزوجته، وهذا الأمر يصعب على الأم تحمله والصبر عليه، والرجل العاقل يطلب من زوجته الاهتمام بوالدته، ويخبرها بأن منزلتها في قلبه ترتفع بمقدار تقديرها لأبويه، وصبرها على الأذى، والرجل أيضاً يهتم بأهل زوجته ويحتفي بهم.

ويعتبر التوفيق بين الزوجة والأم من أصعب المشاكل التي تواجه الرجال، والشريعة تأمرك بالإحسان إلى والدتك وتمنعك من ظلم زوجتك. وإذا وهب الإنسان مالاً ورفعةً؛ فعليه أن يرفع والديه معه، فهم أولى الناس بالإكرام والاهتمام، كيف لا وهما سبب وجودنا بعد الله.

وعلى كل من يصعد إلى المعالي ألا ينسى الذين كانوا يسندون السلم الذي صعد عليه، ولن يختفى هذا الشعور إلا إذا بدأت بوالدتك في العطايا والاهتمام، وحفظت لها مكانتها ورأيها، وسوف تسر الوالدة إذا علمت أنك تحسن الاستماع، وتهتم بتوجيهاتها، وتجتهد في تلبية رغباتها.

ولا تنس أن الأم هي التي ربت وسهرت، وجاء من يشاركها في جيب ولدها وحبه، وأرجو عدم التوقف عن إكرام من يستحق الإكرام شريطة أن تنال الوالدة الحظ الأوفى، ولا مانع من بيان ظروفك ووضعك الحقيقي للوالدة، واطلب منها أن تدعو لك بسعة الرزق.

وإذا شعرت الأم بتغير في تعامل أبنائها معها بعد الزواج، فإنها تتهم زوجة الولد، وأرجو أن تطلب من زوجتك تقديم هدايا للوالدة، ومن الضروري أن تطلب منك أمام الوالدة بضرورة أن تلبي طلبات والدتك، فهي صاحبة معروف بالنسبة للزوجة، وكيف لا وهي التي أخرجت لها هذا الرجل الذي تعيش في كنفه!

وأرجو أن تهتم بزيارة الوالدة مهما كانت الظروف، ولا بأس من تقليل زمن كل زيارة، واحرص على زيارة الوالدة وحدك أحياناً، واحرص على اصطحاب الأطفال دون الزوجة في أحيان أخرى، ولابد أن نحترم الكبير، ونصبر على الأذى.

وأرجو أن تجتهد في أن توفر لها العيشة الكريمة بحسب ما يتيسر لك، وإذا شاهدت عندكم طعاما أو شيئا ورغبت فيه، فالأفضل المسارعة بتوفيره لها، ولن يضيع مال تنفقه على أولى الناس بك.

وإذا كان إخوانك يعاملون الوالدة بشدة، فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن تتشبه بهم، فإنه ما بر أباه أو أمه من أحدّ إليه النظر عند الغضب، كما قالت أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ وتذكر أن القرآن نهانا عن هذا اللون من العقوق، فقال تعالى: (( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ))[الإسراء:23-24].

فاصبر على هذا الجفاء واحتسب الأجر عند الله، وشجع زوجتك على الصبر، وأحسن التعامل معها، واشكرها على احتمالها وصبرها، وسوف يعوضكم الله بأبناء بررة إذا التزمتم الأدب مع الوالدة.

واحرص على تعليم بناتك احترام الجدة، وعدم إثارة الكلام الذي يجلب غضبها وعنادها، وإذا كان إحسانك لإخوانك وبناتهم يسر الوالدة؛ فهذا لون من البر بالوالدة والصلة لأخواتك، ومعلوم أن الوالدين ترضيهم الكلمة الطيبة، والله وحده الذي يعلم من الذين يعيش ليحج أو يعتمر، وسوف لن تخسر شيئاً إذا طيبت خاطر الوالدة بكلمات بسيطة، وربما كان هناك سبب أو أسباب لإصرار الوالدة على مصاحبتك في حلك وترحالك، وليس هناك عيب في البحث عن هذه الأسباب لتفاديها مستقبلاً.

وتخطئ بعض الزوجات حين تعزل زوجها عن أسرته، وتمنعه من البر والوفاء لهم، وهي أول من يخسر، والجزاء من جنس العمل، ولا يخفى أن بعض الزوجات تشتري لأهل زوجها أشياء بسيطة، وتبالغ في شراء الهدايا لأهلها، ولن يقصر الأشرار في المقارنة بين ما جاءت به الزوجة لأهلها ولأهل زوجها، فإذا علمت الأم بمثل هذه الأشياء فإن عناصر الثقة تنعدم، ويأتي العناد والمشاكل.

وحاول دائماً أن تكون صاحب القرار، وكان من الممكن أن تشتري لبيتك ما تريد دون أن تشعر الوالدة وقبل أن تتكلم البنت بما يغضب جدتها.

ولا مانع من السفر بالوالدة وحدها، وإكرامها وشراء الهدايا التي تعجبها، وبعد مدة تنطلق بأهلك إلى البلد الحرام دون أن تقول أمامها أنا لا أرتاح إلا مع زوجتي، فهذا الكلام يؤثر في الوالدة، وإذا شعرت الوالدة أنها تقدم على غيرها، وأن مكانتها محفوظة، فإن كافة المشاكل سوف تنخفض بحول الله وقوته.

ونوصيك بتقوى الله وطاعته، ومن طاعة الله طاعة هذه الوالدة، والصبر عليها، وعليك باللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، ونسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية!

والله ولي التوفيق!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً