الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس بأني فاشل ولا أشعر بلذة للحياة، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي: أحس بأني فاشل في كل شيء، رغم أني أدرس جامعة في تخصص ممتاز، وأمارس الرياضة التي أحبها. لكن ما يصيبني بالإحباط هو أني أقول في الأخير سأموت فلماذا أتعب بالدراسة؟ ولماذا أُتعب نفسي بممارسة الرياضة؟ إذاً كل هذا سيذهب خلال لمح البصر.

أنا لا أحس بلذة الحياة، فهل للحياة لذة؟ أم هي دار نكد وهم؟
والقشة التي قصمت ظهري هي الفتاة التي أحبها، قد يفوق حبها حبي لأمي (فقط لأوضح كم أحبها) طلبت منها أن نفترق لأني لا أستطيع أن أبقيها مرتبطة بي وأنا لا عمل لي ولا شهادة، ومستقبلي مجهول.

وقبل أشهر جاءني خبر أنها خُطبت. فأصبحت الدمعة لا تفارق عيني في كل مكان، فجأة أبكي كالطفل على فراقها.

قد يكون للماء طعم ورائحة ولون أكثر من حياتي، رغم أني أصوم وأصلي وأقوم الليل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عابر سبيل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فردا على استشارتك أقول:
- يجب أن تكون على علم يقين أن الله تعالى خلقنا من أجل أهداف ولم يخلقنا عبثا، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، وأعظم هدف أن الله خلقنا لعبادته كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، كما أنه خلقنا لعمارة الأرض فقال: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)، ومعنى استعمركم فيها: جعلكم عمارا لها، وعمارتها تتم من خلال العمل فيها وبناء حضارتها من خلال العلوم الدنيوية والاكتشافات العلمية المختلفة.

- إذا كان من المعلوم أن الكفار لا يعملون إلا أعمال الدنيا وليس لهم أي عمل صالح مقرب إلى الله، فإن تلك الأعمال الدنيوية يجازيهم الله بها في الدنيا بالصحة والعافية والزوجات والأولاد وبسط الرزق، ولا ينتفعون بها يوم القيامة، بل يجعلها الله هباء منثورا قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)، ومفهوم الآية أن المؤمنين يؤجرون في أعمالهم الدنيوية، قال أهل التفسير: وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وهو ما يُرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له، والمتابعة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

- لا أحد يخلد في هذه الحياة، فالجميع سيموتون، ومع هذا فهم يعملون ويبدعون قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)، وقال: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، وبعد الموت يكون الجزاء على الأعمال التي عملها الإنسان في هذه الحياة، قال تعالى: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، وقال: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ).

- إذا علم الهدف من وجودنا على ظهر الأرض؛ فيجب علينا أن نجد ونجتهد في تحقيق ذلك، وأن نرسم لأنفسنا هدفا في هذه الحياة نسعى لتحقيقه، والهدف الذي يمكن تحقيقه هو ما نميل إليه ونرغب فيه ولا يكون صعب المنال علينا، فالله تعالى قد وزع القدرات بين عباده، فكل مجموعة اتخذت منحىً في هذه الحياة، والجميع يتكاملون في عمارة الأرض، فهذا الطبيب، وهذا الجيولوجي، وهذا الكيميائي، وهذا المهندس، وهذا الحداد، وهذا النجار، وذاك البناء، وهكذا، (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، غير أن الأعمال كلها ومنها الدنيوية تحتاج منا إلى نية صالحة كي نؤجر عليها كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، وتمعن في قوله عليه الصلاة والسلام: (ابتسامتك في وجه أخيك صدقة)، وقوله: (وفي بضع أحدكم صدقة) أي مجامعة الرجل لزوجته. وقال معاذ بن جبل لأبي موسى الأشعري: (إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، فهذه أمور ليست تعبدية، ومع هذا فمع النية انقلبت إلى عبادات وأُجر عليها الإنسان، والأصل الجامع لهذا كله قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

- الله جل وعلا هو من أمرنا بالسعي في هذه الحياة لطلب الرزق، فنحن لا نصادم سنة الله حينما نعمل بالأسباب، قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

- اسع بنفسك برغبة وإرادة وقناعة لتحقيق هدفك، ولا تجعل الزمن يحركك كي تنجزه، لأن تحقيقك لهدفك بنفسك يعطيك نشاطا وارتياحا لما تنجزه، وإذا لم تتوفر القناعة في إنجاز المهام الموصلة للأهداف فإنك ستعيش في ضغط نفسي لا تستطيع معه إنجاز شيء وهذا ما يجعلك تشعر بالفشل.

- لو أن كل إنسان فكر بنفس تفكيرك فقال: طالما الموت هو النهاية الحتمية لي؛ فلماذا أعمل في هذه الدنيا؟ لم تقم حضارة ولم تنهض أي أمة.

- الرسالة السلبية التي تعطيها لنفسك بأنك شخص فاشل؛ لها تأثير على نمط حياتك اليومي، لأنها تلقائيا تجعلك تتصرف وفق تلك الرسالة على أنك شخص فاشل، ولو أنك أعطيت نفسك رسالة إيجابية لتصرفت بموجب تلك الرسالة، فلا بد إذن من تغيير نظرتك لنفسك، ولا بد من تعزيز الثقة بها، وتحدث بين الناس عن نفسك بثقة عالية، وإياك أن تتحدث عن عيوب نفسك أمامهم، لأن ذلك طريق لتحطيمها، وإن كان من محاسبة ومكاشفة فليكن بينك وبين نفسك كي تتلافى العيوب والسلبيات، وتقوي المناقب والإيجابيات.

- اصحب الناجحين وأصحاب الطموح، واعتزل الفاشلين والمثبطين، وتعلم كيفية ربط العلاقات مع المبدعين، فكسب الناس مرتبط بالنجاح في العلاقات العامة، والفشل في تلك العلاقات يسبب للشخص الحرج، ومن ثم نفور الناس عنه، فالشخص يتأثر ويؤثر بالمحيط الذي يعيشه، وتلك سنة الله.

- أنت عندك من القدرات والصفات ما عند الآخرين وربما أكثر منهم، فاستنهض تلك القدرات، وتفاءل فالفأل الحسن كان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم.

- مذاق الحياة في طاعة الله، ولا طعم لها ولا لون إن كانت في معصيته، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وكان صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، وكان يقول: (أرحنا بها يا بلال) أي بالصلاة.

- وَعَدَ الله من عمل صالحا بالحياة الطيبة الهادئة والمطمئنة المليئة بالسعادة شرط أن يكون مخلصا لله متابعا لرسوله عليه الصلاة والسلام، ووعد الله لا يخلف، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

- أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

- تضرع إلى ربك بالدعاء وأنت ساجد وفي أوقات الإجابة أن يوفقك في حياتك، وأن يصرف عنك وساوس الشيطان وخواطره، وأن يرزقك الاستقامة والنجاح، واجتهد في أن يتوفر فيك شروط استجابة الدعاء، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).

- تلك الفتاة التي كنت تحبها ليست من نصيبك، ولو كانت من رزقك فلن تتم خطوبتها ولن تتزوج، فلا تتحسر على أمر لست قادرا على تحصيله في الحال، وحسنا فعلت حينما طلبت منها المفارقة حتى تشق طريقها وتشق أنت طريقك، والله تعالى لم يضيق عليك في هذا الباب، فالفتيات غيرها كثر مهما كان في تلك الفتاة من صفات، ورزقك سيأتيك بإذن الله فلا مفر منه ولا مهرب، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها...).

أسأل الله تعالى أن يوفقك، ويأخذ بيدك للنجاح، وأتمنى أن تبشرنا عن نفسك وتكتب إلينا عن تطور حياتك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً