الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكار وسواسية تلتهمني وتفتك بعقلي، كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا سيدة، عمري 25 سنة، كانت تنتابني حالة من الخوف والرعب الشديد قبل الاختبارات، وأفكار غريبة تتسلط علي بأنني سوف أرسب، وأتساءل كيف يكون شكلي أمام الناس أثناء الرسوب، رغم أنني كنت متفوقة، وصديقاتي من الأوائل، ولكنني كنت مهملة في دراستي طوال العام.

حالة الخوف تلك كانت تمنعني من المذاكرة والطعام، وأفقد شهيتي للأكل قبل الاختبارات، وأتقيأ عند الأكل، فكنت أعاني كثيراً أنا وأهلي من هذا الوضع، وكانوا يأخذون مني الكتب، ويقولون لي: (لن تدخلي الاختبار، ولا يهمك إن رسبتِ)، ويبقى حالي كما هو عليه في كل عام حتى انقضاء فترة الاختبارات، وبعدها أرجع لطبيعتي السابقة، وكانت تمضي فترة الاختبارات على خير، وأحصل على النجاح في النهاية.

تكررت لي الحالة ذاتها عندما بدأ يتقدم الشباب لخطبتي، وكانت أمي تظن أنني لن أتزوج، وتقول لي: ليست مشكلة إن لم تتزوجي، ثم أكرمني الله بالزواج من شاب ارتحت له نفسياً، كذلك عندما لبست النقاب وخرجت به لأول مرة، أحسست بأن الدنيا ضاقت بي، فقال لي أهلي: انزعيه، فتركته، ولكنني بعد فترة لبسته مرة أخرى بدون خوف أو رعب.

أكرمني الله بطفلة، توفيت بسرطان الدم منذ ثلاثة أشهر، وكان عمرها سنة واحدة، بعد إقامتي معها في المستشفى لمدة سبعة أشهر، ثم سافرت مع زوجي لإحدى دول الخليج، وبعد شهر عادت لي الحالة ذاتها، ومنذ أسبوعين تسلطت علي أفكار رعب وخوف تسري في أوصالي، بأنني لن أنجب مرة أخرى، وفقدت شهيتي للأكل، لأنني بمفردي، وليس معي أحد غير زوجي الذي تعب معي هو أيضاً.

أوقفت وسيلة منع الحمل منذ أربعة أشهر لمحاولة الحمل مرة أخرى، ولكن حالة الرعب تنتابني قبل موعد الدورة بعشرة أيام، وأبقى في خوف مستمر من عدم حدوث الحمل، وقديماً كان ينتابني الخوف ويكون له سبب، وعندما ينتهي أعود لطبيعتي السابقة، ولكن موضوع الحمل يبقى بيد الله وحده، فهل ستبقى حالتي هكذا؟

لا أظن أن يحدث الحمل وأنا في حالة الخوف هذه، وحالتي الصحية متأخرة جداً، ونزل وزني حوالي 4 كلغ في أسبوعين، وأهلي يقولون لي: لقد كنتِ تخافين من الاختبارات لعدم مذاكرتك جيداً طوال العام، ورغم ذلك كنتِ تحصلين على النجاح، فلماذا الخوف الآن من الحمل وهو بيد الله وحده، وليس تقصيراً منك؟ أعلم أن الحمل بيد الله -عز وجل-، ولكنني لا أعلم سبب ذلك الخوف، هل هو ضعف في إيماني وعدم الإيمان بالقدر، أم أفكار شيطانية توسوس لي؟ ولا أعرف كيف أتوكل على الله، رغم أنني أقرأ القرآن والأذكار، والتحقت بمعهد لدراسة العلوم الشرعية يومين في الأسبوع.

زوجي يقول لي: إن استمرت حالتي هكذا، سيعطيني وسيلة منع الحمل مرة أخرى لكي أرتاح نفسياً، ولكنني أشعر بالخوف والرعب من كل حل يعرضه علي، لأنني أستطيع أخذ وسيلة منع الحمل وأشعر بالراحة، ولكن عند تركها أعود لحالة الخوف ثانية، ويذكر لي زوجي وأهلي أيضاً: أن الأطباء النفسيين علاجهم طويل الأمد، والعلاج الكيميائي يكون على فترات طويلة أيضاً، ويؤثر على الجنين أثناء حدوث الحمل، لذلك قال لي زوجي: إن أخذت العلاج النفسي، عليك بأخذ منع الحمل حتى لا تؤثر الأدوية النفسية على الجنين، وجميع تلك الأقوال تزيدني رعباً، وأتمنى أن يتوقف عقلي عن التفكير، لكي أعيش بهدوء، دون التفكير في المستقبل، وأتمنى أن أتوكل على الله بصدق، فكيف ذلك؟

لا أعرف كيف أشغل نفسي، رغم أن أهلي يتكلمون معي يومياً لشغلي عن تلك الأفكار، وأبحث عن عمل، وأشعر بأن تلك الأفكار تلتهمني، وتفتك بعقلي، وتبعث الرعب في قلبي، حتى ينتابني الخوف بدون تفكير أحياناً، رغم أنني أقاومها كثيراً وأحاول نسيانها، لكنني أتعب كثيراً، وزوجي يقول لي: أنت تحاولين الاستعانة بأهلك أو بالأطباء للتخلص من تلك الأفكار، عليك فقط الاستعانة بالله وحده، وقاوميها بإرادتك.

أتمنى من الله أن يرزقني طمأنينة في قلبي، فهي أكبر نعمة من الله تعالى، لا يشعر بها الكثير من الناس، ويفتقدها من يعيش في رعب مثلي، وأثق بأن الشفاء وتفريج الهم من الله وحده، ولكنني أطلب مساعدتكم، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بالتداوي، وأتمنى أن تكونوا سبباً في تفريج همي ورفع كربي.

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

ما تعانين منه يُسمى (المخاوف الوسواسية)، أي: وساوس تأتي في شكل خوف، تتسلل وتتكرر، تحاولين المقاومة، تفشلين، تحسِّين بالقلق، وأحيانًا لكي يتم التخلص من هذا القلق تستجيبين له، وهذه تكون راحة مؤقتة، -وكما ذكر لك أهلك-: (اتركي هذا للامتحانات) مثلاً، هذا نوع من أنواع الاستجابة للوساوس لتخفيف حِدَّة القلق والتوتر.

الحمدُ لله اجتزتِ الصَّعبَ منها، لا تحتاجين لعلاج كيميائي، اطمئنك في المقام الأول، ولكنك تحتاجين للمساعدة، -والحمدُ لله- تخطيتِ شوطًا كبيرًا أنت بنفسك في إيجاد الحلول، بالانشغال عنها وليس الانشغال بها، -كما ذكرتِ-: الذهاب إلى دراسة العلوم الشرعية، ومحاولة إيجاد عمل.

وأخبرك بشيء آخر، وهو: أن الوساوس دائمًا تأخذ منحى الخوف من المستقبل، الخوف من الآتي، ماذا سيحصل إذا حصل حملٌ، كيف تعملين؟ ولتحويل طريقة التفكير يجب عليك أن تعملي الآتي:

فكري في يومك ولا تفكري في غدكِ، يومًا بيومٍ، كل يومٍ عليك أن تُركزي في هذا اليوم الذي أنت تعيشينه، منذ أن تصبحي في الصباح يكون عندك روتين مُحدد، ماذا تفعلين في هذا اليوم؟ حاجاتٍ وأشياءٍ عملية واضحة مبرمجة، برنامج يومي تُنْتِجينه، لا تفكري في ماذا سيحصل غدًا، ولا تنشغلي بما حصل في الماضي.

نظرية يومًا بيومٍ تُقلل كثيرًا من التفكير الوسواسي، الانشغال بأشياء مُحددة، عملية يومية، بأن ضعي لك برنامج يومي لتحقيقه في المنزل، الانشغال بالأشياء المنزلية، ترتيب أشياء لزوجك، كل هذه الأشياء العملية أشغلي نفسك بها يومًا بيومٍ، -وإن شاء الله تعالى- يتوقف هذا التفكير، لأن كل ما أغلقت عليه الباب فلا يجد شيئًا يتسلل من خلاله، -وبإذنِ الله- ستعيشين حياة طبيعية.

لا تحتاجين لأي مواد كيميائية، ولا تستعملي أي موانع للحمل، عيشي حياتك طبيعية، يومًا بيومٍ، انشغلي بأشياء مفيدة عملية، وهذا -بإذن الله تعالى- يُوقف أو يقطع الطريق أمام هذه المخاوف الوسواسية التي تعانين منها.

وفَّقك الله وسدَّدك خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً