الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من اكتئاب شديد أثَّرَ على دراستي، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لا أعلم من أين أبدأ لكم، لكن أتمنى أن تأخذوني كأحد أبنائكم، بارك الله فيكم وفي جميع المسلمين.

أنا طالب جامعي في السنة الثالثة، تخصص رياضيات تطبيقية في باريس بفرنسا، وأنا مغربي الجنسية، ولدت وكبرت وترعرعت في الدار البيضاء إلى السن (18)، حيث وبعد حصولي على شهادة الباكالوريا (شهادة الثانوية العامة) غادرت البيت العائلي صوب فرنسا؛ لاستكمال دراستي هناك في الأقسام التحضيرية، تخصص رياضيات فيزياء علوم المهندس، وصار على كل هذا (5) سنوات تقريبا.

ومن دون طبيب أستطيع أن أقول لكم: إنني أعاني من اكتئاب شديد؛ حيث إنني قد أكون أمشي -مثلا- وجالس، ثم أشعر بضيق -لا يعلمه إلا الله- في صدري، وأذرف دمعا من دون أي سبب، منذ وصولي لفرنسا تكللت جهودي في الدراسة السنة الأولى بالنجاح، لكن السنة الثانية رسبت فيها، ومن هنا بدأ اكتئابي يزداد يوما وراء يوم، وفي السنة الثالثة نجحت في المرور للسنة الثالثة في إحدى الجامعات تخصص رياضيات، لكن السنة الرابعة فشلت مرة ثانية ورسبت، وها أنا الآن في السنة الخامسة أدرس؛ لكي أحصل على الإجازة المفروض أني أحصل عليها سنة (2014).

المهم بعد سنتي الثانية وجدت نفسي لا أستطيع المراجعة بصفة منتظمة، ودائما مكتئب، وأبكي رغم أنني منذ وصولي هنا أحاول الالتزام وملازمة الصلاة في وقتها، والاستماع إلى القرآن، حتى إني حفظت ما لا يقل عن (5) أو (6) من طوال السور، ومجموعة من الآيات المؤثرة، لكن فشلت في المحافظة على التزامي؛ فأسبوع أصلي، وأسبوع لا.

أما الدراسة فلا أجد لها سبيلا، وهذا ليس لأنني في التوجيه الخطأ، لكن اكتئابي ونفسي والشيطان لا يتركونني أدرس، ولم أصبح أجد متعة في أي شيء، وكلما سمعت آية من القرآن؛ أبدأ في البكاء الشديد (منذ 2011 لا يمر يوم إلا وأستمع لقليل من القرآن والحمد لله).

أما أصدقائي في المغرب، فأغلبهم -إن لم أقل: كلهم- تغيروا، ولا أعتبرهم إلا صفحة قد مرت، والآن ليس لدي إلا صديق واحد أثق به، وهو قد درس معي ثلاث سنوات، وعرج إلى المعلوميات، أما الآخرون فلا أكترث لهم، بل أصبحت لا أثق بأحد؛ لأن كل من كانوا أحبائي يوما صاروا لا يسألون حتى عن أخباري، وهذا يزيد من همي، أما الأخطر من هذا كله فهو أني أصبحت -والعياذ بالله- قاطعا لصلة الرحم مع أخوالي وخالاتي المقيمين هنا بفرنسا رغم أن إحداهن تقيم في نفس المدينة التي أقيم بها، ومع ذلك لا أزورها إلا نادرا، ولا أسأل عنها إلا نادرا!، وأنا أعلم أن من قطع صلة الرحم قطع الله الصلة بينه وبين عبده، وهذا يزيد من حزني؛ لأنني أعلم أن هذا خطر لو مت على هذه الحالة، لكني أقسم بالله لا أستطيع.

وأخيرا، أصبحت أكذب على والداي لأبسط الأشياء، وهذا أيضا يؤذيني ويضر خاطري كثيرا، وأعلم جيدا أنه لا يزال العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا، لكن -والله- لا أعلم من أين أبدأ، فكما أشرت من قبل لا زلت -ومنذ (5) سنوات- أحاول بكل ما أوتيت من قوة الالتزام، لكنني أفشل كل مرة.

ساعدوني، بارك الله فيكم، انصحوني بما أوتيتم من علم، فأنا إنسان لا أسأل إلا الهدى من الله والتوفيق والسداد، وزوال هذا الهم والاكتئاب الشديد الذي قتم علي الحياة، وضيّق علي عيشتي، فلا أريد السقوط إلى الهاوية، أشعر بوحدة عارمة، ساعدوني، بارك الله فيكم، وجعل الله مثواكم الجنة.

أستسمح على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

أخي الكريم -أولاً- نقول لك: التفكير في الماضي وما حدث فيه من أحداث، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فهي قد مضت وولّت، والآن ينبغي التفكير في الحاضر والعيش والاستمتاع بما فيه، أما الماضي نستفيد منه فقط في كيفية تجنب التجارب الفاشلة، وكيفية تدارك الأخطاء السابقة.

ثانياً: الحمد لله -يا أخي- أنك وصلت هذه المرحلة التي يحلم بها كثير من الشباب دون سنك، وهذه المرحلة هي مرحلة الإعداد للمستقبل؛ حيث التفكير في التخرج، والحصول على الشهادة الجامعية، والتفكير في العمل، والحصول على الوظيفة المناسبة، ثم التفكير في اختيار الزوجة المناسبة والزواج، وتكوين الأسرة، والسعي لتحقيق الأهداف والطموحات، وما إلى ذلك من الخطط المستقبلية.

والطالب عليه أن يقيس نجاحه بقدراته واجتهاداته، والوقت الذي بذله في المذاكرة؛ حتى يكون راضياً عن نتيجته، وبما قسمه الله له، وليس عيباً أن تتدنى درجاته أو يفشل مرة ومرتين، بل العيب أن يستسلم لهذا الفشل، ولا يقوم باكتشاف الأسباب، ومحاولة علاجها، فالكثير من العلماء فشل عدة مرات، ولكنهم في النهاية حققوا ما يريدون.

فنطلب منك أن تبعد شبح العجز واليأس، والإحباط الذي خيم على قلبك وفكرك، واستبدله بروح التفاؤل والنظرة المشرقة للحياة، فأنت مؤكد لديك العديد من القدرات والطاقات، ومحتاجة فقط لتفجير واستثمار بصورة جيدة، و-إن شاء الله- تصل لما تريد، انظر إلى حال من هم أضعف وأقل منك صحة وعلماً وقدرة ومهارة، تعلقوا بالحياة فأبدعوا فيها، وحققوا الكثير من الإنجازات في مجالات حياتية مختلفة، فلمعت أسماؤهم، وكبر شأنهم، وصاروا من الأعلام، فما تم ذلك إلا بقوة عزيمتهم وإرادتهم ومثابرتهم.

ولتكن الظروف التي أنت فيها الآن بمثابة دافع للتغيير، وتذكر أن من وظائف الإنسان الأساسية في هذه الحياة هي عبادة الله تعالى وتعمير الأرض بكل ما هو متاح وممكن؛ لإسعاد نفسه، وإسعاد من حوله من الناس.

ثالثاً: نقول لك: اخرج من هذه الدوامة التي وضعت فيها نفسك، واستسلمت لها، فبادر بوضع خطتك وتجديدها، وتحديد أهدافك ماذا تريد؟ وما هو الإنجاز الذي تتمنى تحقيقه؟ وما هي المكانة التي تريدها وتتمناها وسط أسرتك ومجتمعك؟ ثم قم باختيار الوسائل المناسبة لتحقيق أهدافك، واستشر في ذلك ذوي المعرفة والعلم، وأصحاب الخبرات الذين تثق فيهم، وحاول اكتشاف قدراتك وإمكاناتك التي تؤهلك لذلك، واعتبر المرحلة التي تمر بها الآن مرحلة مخاض لولادة شخصية جديدة بأفكار ورؤى جديدة للحياة، ونظرة جديدة للمستقبل.

والمطلوب منك فقط كيف تبدأ الخطوة الأولى، وتستعين بالله تعالى وتتوكل عليه، ويكون لديك اليقين الصادق بأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} فأي إنجاز -ولو بسيطا- سيؤدي -إن شاء الله- إلى تغيير نظرتك عن نفسك، وإلى زيادة ثقتك بنفسك، ولا تقارن نفسك بالآخرين في أمور الدنيا، بل قارن نفسك بمن هم أفضل منك في أمور الدين، وتطلع لمكانتهم.

أخيراً، نوصيك بالمواظبة على فعل الطاعات، وتجنب المنكرات، والإكثار من الاستغفار؛ فإنه مفتاح الفرج، ومزيل الهموم.

وإذا لم تتحسن حالتك، ومنعتك هذه الأفكار من ممارسة نشاطاتك اليومية، فالأفضل الذهاب إلى أقرب عيادة نفسية، فربما تجد العلاج الذي يزيل عنك هذه الأعراض.

كما يمكنك الاستماع للرقية الشرعية، فهي سبب من أسباب التداوي المشروعة.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً