الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقوي إيماني لأبتعد عن الفتن؟

السؤال

السلام عليكم

سؤالي هو: كيف أستحضر الوازع الديني قبل أن تغلبني النفس الأمارة بالسوء؟ أو بالأصح: كيف أزيد إيماني بحيث لو عرضت علي فتنة أستطيع تجاوزها دون أن أقع فيها؟

جميعنا يعلم أن فتنة الصور الفاضحة والإباحية في زماننا هي من أشد الفتن علينا نحن الشباب، وأيضاً التبرج والسفور الذي أصبح مشاهدا في كل مكان، فكيف يمكنني أن أتجاهل وأتجاوز هذه الأمور حين تعرض علي بشكل مفاجئ؟ فأنا -بحمد الله- أصبح لدي القدرة الكافية على مقاومة نفسي؛ كي أتجنب المشاهدة المقصودة والمتعمدة، والبعد عن التفكير في مثل هذه الأمور، لكن ما يعرض علي بشكل مفاجئ من صور أو مشاهد -قد تكون غير فاتنة عند الكثير- أجدني في هذه الحالة مفتوناً بها، ومنقاداً لنفسي الأمارة بالسوء.

في هذه المدة القصيرة أسمع جدلاً بين نفسي وعقلي، فأحياناً أتذكر أن هذا لا يجوز، وأن الله يراني، لكن هذا الصوت يكون ضعيفاً ومتقطعاً في عقلي، وما هي إلا لحظات حتى تغلبني نفسي، فأستجيب لها بما يطفئ شهوتي، وكثيراً ما أسرع لذلك حتى لا يطول الأمر، وأنتقل إلى مرحلة قد تكون أسوأ من التي أنا فيها، فأحياناً تكون فاتنة، فأخشى أن أنجر إلى ما هو إباحي، والعياذ بالله، وأحياناً تعود إلى ذهني صور خليعة كنت قد شاهدتها قبل توبتي، فأستجيب لشهوتي، وذلك حتى لا أعود للمشاهدة المحرمة، فالعودة إلى ذلك سهلة، وفي متناول اليد على ضعيف الإيمان مثلي!

هكذا هي حياتي؛ سنوات طويلة وأنا أجاهد نفسي، فقد كلفني هذا الكثير من صحتي، ووقتي، ودراستي، وواجباتي الدينية والاجتماعية، وأنا أعلم يقيناً أن الزواج لن يكون حلاً نهائياً، فطموحي أن أكون قوياً بإيماني أمام هذه الفتن، أما الوسائل فقد تكون محدودة ومؤقتة غير أنها صعبة المنال.

والله المستعان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه. وأما بخصوص ما تفضلت به، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: إننا نحمد الله إليك -أخي الحبيب- هذا التوجه المستقيم، وما شدة حرصك على طاعة الله، وعلى تقوية إيمانك إلا دليل على خير أنت عليه، نسأل الله أن تكون ذلك وزيادة.

ثانيا: الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، محله الحياة، وما تجده من مجاهدة وابتلاء هو أمر طبيعي، فالابتلاء سيف من سيوف الله في الأرض يختبر به عباده؛ ليميز الخبيث من الطيب، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} ومن رحمة الله بنا أنه لم يتركنا في هذه المواجهة عزلا من أي سلاح، بل أودع فينا القدرة على مواجهة المعصية والانتصار عليها، وأوضح لنا المنهج في ذلك، ولعلك وجدت الأثر بنفسك في قولك: "فأنا بحمد الله أصبح لدي القدرة الكافية على مقاومة نفسي؛ كي أتجنب المشاهدة المقصودة والمتعمدة" وما وجدت المقدرة على ذلك إلا بعد جهد واستعانة بالله عز وجل، وسلكت الطريق الشاق على غيرك، ونجحت -بحمد الله- فيما عجز فيه غيرك، والحمد لله على ذلك.

ثالثا: السؤال الذي ينبغي طرحه الآن: لماذا جاهدت نفسك فانتصرت في مواجهة المعصية البارزة، ولم تستخدم ذات الأسلوب في غيره؟، فظاهر رسالتك أن الوازع الديني قد ضعف عندك في مواجهة ما يفاجئك، وقد صرحت بهذا في قولك: "في هذه المدة القصيرة أسمع جدلاً بين نفسي وعقلي، فأحياناً أتذكر أن هذا لا يجوز، وأن الله يراني، لكن هذا الصوت يكون ضعيفاً ومتقطعاً في عقلي، وما هي إلا لحظات حتى تغلبني نفسي فأستجيب لها بما يطفئ شهوتي" فالعلة إذًا في ضعف المجاهدة، وأنت قادر -بإذن الله- على تجاوزها.

رابعا: قبل أن نتحدث إليك عن وسائل تقوية الإيمان لا بد أن نذكر لك -أخي الحبيب- أن الزواج وسيلة فعالة، وأن الظن أنها لا تغني شيئا محل أوهام، بل الزواج صارف لك -بإذن الله- عما تجد، ومعين لك على تجاوز ما ألمّ بك، ولذا وجه النبي إليه الشباب، وبيّن أنه الحل الطبيعي لما يجدونه، فعن عبد الله بن مسعود قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ).

خامسا: حين نتحدث عن وسائل تقوية الإيمان فلا بد أن نتحدث عن أسباب ضعف الإيمان، وأهم ذلك ما يلي:
1- الابتعاد عن المحاضن الإيمانية: من مثل حضور مجالس الذكر، والصلاة في جماعة، ومجالسة الصالحين، فإن في مجالستهم دفعا للهم، وترقيقا للقلب، وتقوية للطاعة، يقول الحسن البصري: "إخواننا عندنا أغلى من أهلينا، أهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة".
2- غياب القدوة العملية الصالحة يؤثر على همة الإنسان، وربما يدفعه الغياب إلى اتخاذ قدوات غير صالحة.
3- مخالطة أهل المعاصي من أعظم الأسباب التي تورث قسوة القلب.
4- عدم التفكر في الآخرة، مع الانشغال المبالغ فيه بالدنيا، وقد سمى النبي من انتهج هذا النهج بأنه عبد لما يشغله، فقال: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار ...).
هذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان.

ومن الوسائل التي تساعد على تقوية الإيمان:
1- المحافظة ابتداء على الفرائض والنوافل، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: (وما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).

2- التفكر في الآفاق والأنفس: جاء في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قصة مبيته عند خالته ميمونة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين استيقظ من النوم خرج، ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] وفي صحيح مسلم أنه قرأها ثلاث مرات كل ذلك يقرؤها ثم يصلي ما شاء الله له ثم ينام، ثم يقوم فيقرؤها ثم يصلي ما شاء الله له ثم ينام، ثم يقوم ثم يقرؤها، ثم يصلي ما شاء الله له، ثم ينام.

3- طلب العلم الشرعي.

4- كثرة الذكر لله عز وجل.

5- الاجتهاد في الاجتماع على الخير، والعمل على مساعدة الغير من المسلمين.
6- زيادة معدل التدين عن طريق الإكثار من النوافل بعد الحرص على أداء الفرائض في وقتها، واعلم -أخي الفاضل- أن بعض أهل العلم ذكروا أن الشهوة لا تقوى إلا في غياب المحافظة على الصلاة، واستدلوا على ذلك بقول الله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعا أنه ابتعد عن الصلاة كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأدّاها كما أمره الله؛ أعانه الله على شهوته.

7- الإكثار من الصيام، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- عمن لم يجد الباءة، ولم يستطع الزواج: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

وأخيرا: الإكثار من الدعاء، فالدعاء سهم صائب متى ما انطلق من رامٍ صادق، نسأل الله أن يصرف الله عنك الشر، وأن يقوي إيمانك، وأن يحفظك ويحفظ أهلك من كل مكروه، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً