الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحببت شابا وأحتاج لتوجيهكم، فبماذا تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم رحمة الله وبركاته..

قد يكون سؤالي غريبا وغير مفهوم، لكنني أحتاج مساعدتكم، وجزاكم الله خيرا.
أنا مراهقة في الخامسة عشر من عمري، أدرس في المرحلة الثانوية، مشكلتي هي -رغم صغر سني- أنني أحببت شابا أعرفه، فهو من العائلة (ابن ابنة خال أبي)، ندرس في نفس المدرسة، وبيتنا قريب من بيته.

ظننت في البداية أنني معجبة به فحسب، لكنني أبكي كثيرا في الليل بدون سبب، أو لأسباب تافهة، أما الحقيقة فهي إرادتي للكلام معه، فلم أخبره أو أخبر غيره من العائلة أو الأصدقاء بحبي له، وهذا ما صعب علي الأمر.

أسرتي ربتني على الالتزام بالدين، فلم أكن أحادث الشباب إلا للضرورة في مدرستي قبل انتقالي للثانوية، ولا أرافق الفتيات اللاتي يتحدثن كثيرا الشباب، وبعد أن أصبحت في نفس المدرسة معه؛ أصبحت أراه كثيرا مع الفتيات، مما زاد من كبتي وحزني، فأصبحت لا أهتم للدراسة ولا لأي شيء آخر، لا أكلمه ولا أشتكي لأحد في نفس الوقت، فليس لدي من أشكو له.

أعرف أن الصبر هو أمثل الحلول، لكنني أريد إبعاد حزني ولو قليلا كي أتمكن من التركيز في دراستي.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ كلثوم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجوابا على استشارتك أقول:

أولا: ابنتي الكريمة: هذه مرحلة تمر بها كثير من الفتيات في مثل سنك، وهي سن المراهقة، فأنت في سن الزهور، وعندك عاطفة جياشة، وتريدين إشباع عاطفتك، لذلك تفكرين بعاطفة مجردة عن العقل، لكني استشفيت من خلال استشارتك أنك تمتلكين شخصية قوية، وعندك صفات مميزة، ولا أدل على ذلك من كتابتك لهذه الاستشارة التي تريدين من ورائها الخروج من هذا المأزق الذي أنت فيه، وكذلك كتمك لما تجدينه من مشاعر تجاه ذلك الشاب، والتزامك بالآداب الإسلامية الرفيعة التي رباك أهلك عليها، وبما أنك تملكين مثل هذه الصفات وأكثر؛ فأنت إذا قادرة على اجتياز هذه المشكلة ولا ريب.

ثانيا: فكري بعقلك لا بعاطفتك المجردة، فأنت لا زلت صغيرة في السن، ولم تكملي الثانوية العامة بعد، وكم أتمنى أن تنسي في هذه المرحلة مسألة الحب والزواج وتركزي على تحصيلك العلمي؛ لأن ذلك سيشغل ذهنك، ويشتت فهمك، ويجعلك تعيشين في سرحان دائم وحزن عميق، لأنك تودين شيئا، وتتعلقين به، ولا تستطيعين الوصول إليه، فالعقبات أمامك.

وأتمنى أن تجعلي همتك في الدراسة والتحصيل العلمي عالية، فلا تكتفي بإكمال الثانوية العامة، بل واصلي دراستك الجامعية والدراسات العليا، وتخصصي في المجالات النافعة لأمتك.

ثالثا: الزواج رزق مكتوب يسير وفق قضاء الله وقدره، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، ورزقك سيأتيك في الوقت المحدد الذي قدره الله، فمن كان من نصيبك فسيأتي إليك مهما حاولت التهرب منه، ومن ليس من نصيبك فلن تتمكني من الحصول عليه مهما بذلت من أسباب؛ لأن الزواج لا يأتي بشدة الحرص، ولا يفوت بالترك، فلا تحزني على أمر مكتوب ومقدر، وهذا الشاب الذي تعلقت به لا تدرين هل هو من نصيبك أم لا؟ وهل هو يبادلك نفس الشعور أم لا؟ وهل هو معجب بك أم لا؟ فلا تشغلي نفسك، ولا تحزني على أمر لا زال في علم الغيب.

رابعا: أشغلي وقتك في التحصيل العلمي، وفي كل مفيد، وأعيني والدتك في أعمالها المنزلية، وكوني اجتماعية في بيتك ومع زميلاتك، ولا تنعزلي، فالعزلة والفراغ يسببان مثل هذا التفكير الشاغل للعقل والجالب للهم.

خامسا: قد يحب الإنسان أمرا وهو لا يعلم أن في ذلك شرا له، ويصرفه الله عنه لعلمه أنه لا خير فيه لعبده، واختيار الله للعبد خير من اختياره لنفسه، قال تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

سادسا: الزواج ميثاق غليظ ومسؤولية كبيرة ولا تكفي فيه العاطفة بل لا بد أن يكون كلا من الطرفين (الرجل والمرأة) مؤهل لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه وإلا فشلت حياتهما الزوجية وانهارت.

سابعا: احرصي على أن تتوفر الصفات المطلوب توفرها في شريك حياتك، وأهم ذلك الدين والخلق كما أرشدنا لذلك نبينا -عليه الصلاة والسلام-، وقبل الموافقة على الارتباط به صل صلاة الاستخارة التي هي ركعتان من دون الفريضة، بحيث يكون قلبك غير ميال لأحد الطرفين (الموافقة أو الرفض)، ثم ادعي بالدعاء المأثور -دعاء الاستخارة-، ومن ثم توكلي على الله، فإن تيسرت الأمور وسارت بسلاسة؛ فاعلمي أن الله اختار لك الارتباط به، وإن تعسرت وأغلقت الأبواب؛ فاعلمي أن الله صرفه عنك فاحمدي الله واشكريه.

ثامنا: تضرعي إلى ربك الرؤوف الرحيم أن يصرف عنك التعلق بهذا الشاب، وأن يعينك على إكمال دراستك، والتركيز في تحصيلك العلمي، وكوني على يقين بأن الله سيستجيب لك: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ).

أسأل الله لك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً